في إحدى ضواحي العاصمة اللبنانية بيروت، تعيش ليمار في كنف عائلة متواضعة مؤلفة من والدين وخمسة أطفال هي أصغرهم سناً. والرضيعة البالغة من العمر عاماً ونصف العام، تخاف كثيراً من الغرباء وفي حضرتهم تبقى في حضن والدتها متشبثة بها، وتأبى رفع رأسها والنظر إليهم. وتؤكد الوالدة إيمان أنّ طفلتها عنيدة جداً ودائمة البكاء وتكره الخروج من المنزل. ربما كان ذلك مرتبطاً بحالة ليمار النادرة.
منذ ولدت ليمار في لبنان من والدين سوريين، لاحظت والدتها إيمان (27 عاماً) خللاً في نموّها. تقول لـ « العربي الجديد » إنّ ظروف حملها كانت طبيعية، إلا أن عمليّة الوضع أتت عسيرة جداً. أنهت إيمان شهر حملها التاسع وبدأت بالعاشر وليمار في أحشائها. في اليوم الخامس من الشهر العاشر، اتخذت الطبيبة القرار باللجوء إلى الطلق الاصطناعي. استمرّ مخاضها 14 ساعة في غرفة العمليات، لتصاب بنزيف حاد قبل أن تولد صغيرتها أخيراً عبر عملية قيصرية. لم تتمكن الوالدة من الاعتناء بطفلتها إلا بعد ثلاثة أيام. ومذ ذلك الحين، راحت تلاحظ أثناء تنظيف مولودتها آثار سائل برتقالي اللون. لم تكترث في بادئ الأمر، لكن بعد ستة أشهر راحت آثار الدم تتضح، وإن لم تظهر يومياً بل في فترات متباعدة.
بلوغ مبكر
بدأت رحلة الصغيرة الطويلة مع الأطباء، وخضعت للفحوصات الطبية المطلوبة كافة، من دون أن تُفسّر تلك الدماء. وعند خضوعها للتصوير، كانت المفاجأة. تبيّن أنّ رحم الرضيعة مكتمل كلياً، تماماً كأي أنثى بالغة. بالتالي، كانت تلك الدماء من جرّاء الدورة الشهرية. لم تصدّق الوالدة الأمر، وراحت تراقب ابنتها عن كثب وتحسب الأيام، ليتبين أن الدماء تظهر كل 28 يوماً، ما يدلّ على انتظام الدورة الشهرية لديها. كذلك لاحظت أنّ مزاج الرضيعة يتغيّر قبل ميعاد الدورة، مع بكاء وألم وأرق طوال الليل. ومع مرور الوقت، أصبحت الرضيعة تمتنع عن الطعام والشراب طيلة أيام الحيض الأربعة أو الخمسة.
لم تتوقف المسألة عند هذا الحد، إذ أظهرت الفحوصات الطبية الأخيرة بحسب ما تقول الوالدة، أنّ « عمر عظام ليمار يفوق حدّه الطبيعي. طولها يوازي طول فتاة في الثالثة من عمرها. الأمر نفسه ينطبق على أسنانها، وقد تفاجأ الطبيب بعدد الأسنان والأضراس التي تعود إلى فتاة بعمر الخامسة ». وتعبّر إيمان عن حالة الضياع التي تعيشها، إذ تتضارب آراء الأطباء، « منهم من يقول إنها سوف تكون فتاة ضخمة جداً أو عملاقة، فيما يتوقّع آخرون أن تكون ناقصة النمو صغيرة الحجم ».
يوضح الدكتور شوقي عطا الله، وهو طبيب ليمار، أن الرضيعة تعاني من « حالة تسمّى البلوغ المبكر، إذ إنّ البلوغ الطبيعي لدى الفتيات يحدث ما بين العاشرة و الحادية عشرة. أما العادة الشهرية، فتحدث في الحالات الطبيعية نتيجة التفاعل ما بين الغدة النخامية والغدة ما فوق النخامية والمبيض. ويأتي هذا التفاعل بصورة تدريجية، لينضج وتبدأ الإفرازات في العمر الطبيعي ومعدله سنّ العاشرة ».
ويوضح عطا الله أن « غالباً ما نشهد حالات بلوغ مبكر في الخامسة أو السادسة كحدّ أدنى، إلا أنّ حالة ليمار تعدّ غريبة ونادرة. تفاعل الغدد والمبيض أتى قبل أوانه بكثير. وما كان من المفترض حدوثه في الحادية عشرة، حصل في الأشهر الأولى من عمرها ». وعن تشخيص الحالة، يقول إنها « نضج مبكر، وما يؤكد ذلك هو أنّ نتائج فحوصات الغدد أتت طبيعية جداً وسليمة، من دون أي ورم حميد أم خبيث. كذلك فإن الدورة الشهرية منتظمة ».
تجدر الإشارة إلى أنّ حالة ليمار الغريبة والنادرة اضطرت طبيبها المعالج إلى تشكيل لجنة من الأطباء من الاختصاصات كافة، لتشخيص الحالة وإجراء البحوث اللازمة والوقوف عند الدراسات العالمية ذات الصلة. يقول إنّ « الدراسات قليلة جداً، مع نحو أربع دراسات فقط حول العالم تناولت هذه المسألة، وتعود أحدثها إلى عام 1990. وكلّ واحدة تتحدث عن عدد قليل جداً من الحالات مع بلوغ في سنّ الخامسة أو السادسة ». يضيف: « أما اللافت، فهو أن هؤلاء الفتيات تخلصن من ذلك مع التقدّم في العمر، بطريقة طبيعية ومن دون أي تدخل طبي. وقد عدن وبلغن في الثانية عشرة تلقائياً ».
لكن ما يميز ليمار عن باقي الحالات حول العالم، هو بحسب عطا الله « أولاً بلوغها المبكر جداً أي في أشهرها الأولى وهذا لا ينطبق على الحالات موضوع الدراسات. ثانياً، ما يثير الريبة هو أن عمر عظامها متقدّم جداً، إذ ينمو بطريقة سريعة. وهذا يعود إلى الهرمونات الأنثوية ». ويشرح أنّه « في حال البلوغ الطبيعي، يزيد طول الطفل ونموّه نتيجة الهرمونات، ويستمر هذا النضج لسنتين قبل أن يخفّ النمو الجسدي ». وما يتخوّف منه عطا الله هو « استمرار نموّ ليمار لمدة سنتين فقط. بالتالي لن يأخذ جسدها حقه الطبيعي في النموّ، وتصبح فتاة صغيرة جداً أو قزمة إذا صح التعبير ».
عن العربي الجديد