وأخيرا توصلت الحكومة إلى اتفاق ودي لطي صفحة التوتر مع 10 آلاف أستاذ متدرب غادروا أقسام الدراسة منذ خمسة أشهر، وأقسموا ألا يرجعوا حتى يسقطوا المرسومين المشؤومين اللذين يفصلان بين التكوين والتوظيف، ويخفضان من قيمة المنحة الشهرية.
لم يخرج أحد منتصرا من هذه المعركة، أما الخسارة الكبرى فوقعت على رأس المدرسة العمومية، حيث سيلتحق 10000 أستاذ السنة المقبلة بتكوين أعرج، لأن الطلبة أمضوا خمسة أشهر في الشارع عوض أن يقضوها جالسين على كراسي التكوين يدرسون مناهج التربية والتكوين، وعوض ذلك تعلموا تقنيات التعبئة والكر والفر مع رجال الأمن.
بين يوم الاحتجاج ويوم توقيع الصلح ارتكبت الأطراف جميعها أخطاء كبيرة؛ الحكومة أخطأت في طريقة إخراج المراسيم وتوقيتها، حيث إن بعضها لم يخرج إلا والأساتذة المتدربون في القسم، ثم أخطأت وزارة الداخلية عندما استعملت العصا الغليظة مع الشباب، فأسالت دماءهم في احتجاجات سلمية لا غبار عليها، ثم ثالث خطأ ارتكبه بنكيران في إدارة هذا الملف أنه سلمه إلى الداخلية التي لا تعرف، بطبيعتها وعقليتها، كيف تتفاوض، ولا كيف تبحث عن حلول سياسية. الأساتذة، بدورهم، ارتكبوا أخطاء كثيرة، أولها أنهم كانوا متصلبين، ولم يتعلموا، إلا متأخرين، أن المرونة ذكاء في النضال، وأن الذي يبحث عن تحقيق كل شيء يخسر كل شيء. ثاني خطأ وقع فيه الأساتذة أنهم سمحوا لأطراف أخرى بالركوب على ظهر معركتهم وتسييسها وتعقيدها، حتى كادوا يتسببون في أزمة وسط الحكومة بفعل «سذاجة» وزير المالية، محمد بوسعيد، الذي وضع رجله في فخ لم يعرف إلى أين سيقوده، وانتهى به الأمر إلى التراجع عن الفتوى التي أعطاها للبام الذي دخل على الخط لتسجيل الأهداف على بنكيران على بعد أشهر من انتخابات السابع من أكتوبر.
أما أحزاب المعارضة (البام والاتحاد)، فإنها ارتكبت أخطاء سياسية عندما أرادت أن تحل محل الحكومة في التفاوض مع الشباب، وهو ما رد عليه بنكيران بعنف، فانتهى الأمر إلى تعقيد الملف أكثر وتهديد مستقبل الشباب.
الآن، الشباب قبلوا حلا كان موضوعا على الطاولة منذ أكثر من شهرين، فالمرسومان لم يسقطا، والقانون المالي لهذه السنة لم يُعدل، وفتاوى بوسعيد لم تحقق، والحكومة لم تعطِ شيئا يمس هيبة الدولة، لكن، في كل الأحوال، الصلح خير، أو كما يقول المثل: «الصلح سيد الأحكام». الآن الحكومة ستوظف كل عناصر الفوج، وعوض توظيف 7000 هذا العام و3000 السنة المقبلة، سيتأجل توظيف الجميع إلى بداية 2017 لأن الأساتذة المتدربين تصوروا أن توظيف قسم منهم، وجلوس القسم الآخر على مقاعد الانتظار بضعة أشهر، قد يحمل مخاطر عدم تشغيل الدفعة الثانية، لهذا تضامنوا مع بعضهم البعض، وجلس الجميع في غرفة انتظار إلى يناير من العام المقبل. إن هذا الوضع يشبه وجود 100 مسافر في محطة القطار لم يجدوا سوى 70 مقعدا على متن القطار المتوقف، فاقترح عليهم السائق أن يركب 70 منهم الآن، فيما سينتظر 30 آخرون القطار المقبل، فما كان من الركاب إلا أن رفضوا ركوب القطار على دفعتين، واحتجوا لأشهر، وبعد ذلك اقترحوا أن ينتظروا جميعا في المحطة قطارا آخر سيدخل بعد ثلاثة أشهر ليركبوا جميعا إلى وجهتهم!
ماذا حصل حتى اقتنعت الأطراف جميعها بأن التنازلات المشتركة هي السبيل لحل المشاكل، فعرض الحكومة، الذي رفضه الطلبة بدون تروٍّ، لم يتغير، والمرسومان لم يسقطا، وتوظيف كل عناصر الفوج لن يتحقق هذه السنة، وتعديل القانون المالي لم يحدث؟
الذي حصل أن الأساتذة اقتنعوا، بعد أشهر من العناد، بأن وظائفهم في خطر، وأن الملف تسيس إلى درجة أصبحت تهدد مستقبلهم، وأن الحكومة أكثر عنادا منهم، وأن الرأي العام لم يعد في جانبهم، وأن العديد من رفاقهم لم يعودوا قادرين على الوقوف الطويل في المسيرات والاعتصامات، لكن مع ذلك لم يخرج الطلبة بأيدٍ فارغة.. أخذوا معهم وعدا بالتوظيف لكامل رفاقهم… هذا الحل الذي قبله الأساتذة الآن هو الذي نصحهم به الكثيرون قبل أشهر، ومنهم كاتب هذه السطور، فتعرضت للسب والشتم والقذف المريع ممن يسمون أساتذة الغد.
من هذه المعركة نخرج بعدة دروس؛ منها أن التفاوض هو الطريق إلى حل المشاكل.. التفاوض القائم على المرونة والتنازلات المشتركة والعقل المفتوح، وعدم سجن النفس في الشعارات أو العناد أو الحسابات الخاطئة. ثانيا، الدور الذي لعبه المجتمع المدني والنقابات كان دورا إيجابيا ومنتجا، وهو ما يعبر عنه بالوساطة الاجتماعية، وهي تشبه الدور الذي يقوم به «الخيط الأبيض» الذي يسهل التواصل بين الأطراف المتنازعة، ويضغط على الجميع لكي يقتربوا من الاعتدال ومن عقد الصفقات. ثالثا، تسييس الاحتجاج الاجتماعي يضر أولا بالطرف الضعيف ويهدد الاستقرار، ويعقد المشاكل ولا يحلها، لهذا أول شيء يفعله الحكماء أنهم يدخلون المشاكل الاجتماعية إلى غرف عازلة من التوظيف السياسوي والانتخابوي.
شريط الأخبار
الدرك يحقق في جريمة قتل سيدة بعد تعريضها للعنف وهتك العرض باشتوكة
افتتاح معرض جسور غداً في مراكش بحضور رسمي سعودي مغربي
عرض خاص لـ »في حب تودا » بحضور صناع السينما في المملكة العربية السعودية
برنامج « للا العروسة » أكثر البرامج مشاهدة على القناة الأولى
حفر بئر بمنتجع “تاغبالوت نوحليمة” بإقليم بني ملال يثير غضب حقوقيين
دورة تكوينية حول التمكين الاقتصادي للشباب وريادة الأعمال والثقافة المقاولاتية
جماعة أصيلة تنظم ورشة للإعداد المشترك لبرنامج الانفتاح في إطار برنامج دعم الجماعات الترابية المنفتحة
وفد مغربي سعودي يستقبل وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في مطار الدار البيضاء
موسم طانطان ينطلق في 14 ماي.. احتفاء بتقاليد الرحل وبالثقافة الحسانية
طانطان تحتضن ندوة الاستثمار الأخضر على هامش موسمها الـ18
