الصلح سيد الأحكام 

15 أبريل 2016 - 22:00

وأخيرا توصلت الحكومة إلى اتفاق ودي لطي صفحة التوتر مع 10 آلاف أستاذ متدرب غادروا أقسام الدراسة منذ خمسة أشهر، وأقسموا ألا يرجعوا حتى يسقطوا المرسومين المشؤومين اللذين يفصلان بين التكوين والتوظيف، ويخفضان من قيمة المنحة الشهرية.
لم يخرج أحد منتصرا من هذه المعركة، أما الخسارة الكبرى فوقعت على رأس المدرسة العمومية، حيث سيلتحق 10000 أستاذ السنة المقبلة بتكوين أعرج، لأن الطلبة أمضوا خمسة أشهر في الشارع عوض أن يقضوها جالسين على كراسي التكوين يدرسون مناهج التربية والتكوين، وعوض ذلك تعلموا تقنيات التعبئة والكر والفر مع رجال الأمن.
بين يوم الاحتجاج ويوم توقيع الصلح ارتكبت الأطراف جميعها أخطاء كبيرة؛ الحكومة أخطأت في طريقة إخراج المراسيم وتوقيتها، حيث إن بعضها لم يخرج إلا والأساتذة المتدربون في القسم، ثم أخطأت وزارة الداخلية عندما استعملت العصا الغليظة مع الشباب، فأسالت دماءهم في احتجاجات سلمية لا غبار عليها، ثم ثالث خطأ ارتكبه بنكيران في إدارة هذا الملف أنه سلمه إلى الداخلية التي لا تعرف، بطبيعتها وعقليتها، كيف تتفاوض، ولا كيف تبحث عن حلول سياسية. الأساتذة، بدورهم، ارتكبوا أخطاء كثيرة، أولها أنهم كانوا متصلبين، ولم يتعلموا، إلا متأخرين، أن المرونة ذكاء في النضال، وأن الذي يبحث عن تحقيق كل شيء يخسر كل شيء. ثاني خطأ وقع فيه الأساتذة أنهم سمحوا لأطراف أخرى بالركوب على ظهر معركتهم وتسييسها وتعقيدها، حتى كادوا يتسببون في أزمة وسط الحكومة بفعل «سذاجة» وزير المالية، محمد بوسعيد، الذي وضع رجله في فخ لم يعرف إلى أين سيقوده، وانتهى به الأمر إلى التراجع عن الفتوى التي أعطاها للبام الذي دخل على الخط لتسجيل الأهداف على بنكيران على بعد أشهر من انتخابات السابع من أكتوبر.
أما أحزاب المعارضة (البام والاتحاد)، فإنها ارتكبت أخطاء سياسية عندما أرادت أن تحل محل الحكومة في التفاوض مع الشباب، وهو ما رد عليه بنكيران بعنف، فانتهى الأمر إلى تعقيد الملف أكثر وتهديد مستقبل الشباب.
الآن، الشباب قبلوا حلا كان موضوعا على الطاولة منذ أكثر من شهرين، فالمرسومان لم يسقطا، والقانون المالي لهذه السنة لم يُعدل، وفتاوى بوسعيد لم تحقق، والحكومة لم تعطِ شيئا يمس هيبة الدولة، لكن، في كل الأحوال، الصلح خير، أو كما يقول المثل: «الصلح سيد الأحكام». الآن الحكومة ستوظف كل عناصر الفوج، وعوض توظيف 7000 هذا العام و3000 السنة المقبلة، سيتأجل توظيف الجميع إلى بداية 2017 لأن الأساتذة المتدربين تصوروا أن توظيف قسم منهم، وجلوس القسم الآخر على مقاعد الانتظار بضعة أشهر، قد يحمل مخاطر عدم تشغيل الدفعة الثانية، لهذا تضامنوا مع بعضهم البعض، وجلس الجميع في غرفة انتظار إلى يناير من العام المقبل. إن هذا الوضع يشبه وجود 100 مسافر في محطة القطار لم يجدوا سوى 70 مقعدا على متن القطار المتوقف، فاقترح عليهم السائق أن يركب 70 منهم الآن، فيما سينتظر 30 آخرون القطار المقبل، فما كان من الركاب إلا أن رفضوا ركوب القطار على دفعتين، واحتجوا لأشهر، وبعد ذلك اقترحوا أن ينتظروا جميعا في المحطة قطارا آخر سيدخل بعد ثلاثة أشهر ليركبوا جميعا إلى وجهتهم!
ماذا حصل حتى اقتنعت الأطراف جميعها بأن التنازلات المشتركة هي السبيل لحل المشاكل، فعرض الحكومة، الذي رفضه الطلبة بدون تروٍّ، لم يتغير، والمرسومان لم يسقطا، وتوظيف كل عناصر الفوج لن يتحقق هذه السنة، وتعديل القانون المالي لم يحدث؟
الذي حصل أن الأساتذة اقتنعوا، بعد أشهر من العناد، بأن وظائفهم في خطر، وأن الملف تسيس إلى درجة أصبحت تهدد مستقبلهم، وأن الحكومة أكثر عنادا منهم، وأن الرأي العام لم يعد في جانبهم، وأن العديد من رفاقهم لم يعودوا قادرين على الوقوف الطويل في المسيرات والاعتصامات، لكن مع ذلك لم يخرج الطلبة بأيدٍ فارغة.. أخذوا معهم وعدا بالتوظيف لكامل رفاقهم… هذا الحل الذي قبله الأساتذة الآن هو الذي نصحهم به الكثيرون قبل أشهر، ومنهم كاتب هذه السطور، فتعرضت للسب والشتم والقذف المريع ممن يسمون أساتذة الغد.
من هذه المعركة نخرج بعدة دروس؛ منها أن التفاوض هو الطريق إلى حل المشاكل.. التفاوض القائم على المرونة والتنازلات المشتركة والعقل المفتوح، وعدم سجن النفس في الشعارات أو العناد أو الحسابات الخاطئة. ثانيا، الدور الذي لعبه المجتمع المدني والنقابات كان دورا إيجابيا ومنتجا، وهو ما يعبر عنه بالوساطة الاجتماعية، وهي تشبه الدور الذي يقوم به «الخيط الأبيض» الذي يسهل التواصل بين الأطراف المتنازعة، ويضغط على الجميع لكي يقتربوا من الاعتدال ومن عقد الصفقات. ثالثا، تسييس الاحتجاج الاجتماعي يضر أولا بالطرف الضعيف ويهدد الاستقرار، ويعقد المشاكل ولا يحلها، لهذا أول شيء يفعله الحكماء أنهم يدخلون المشاكل الاجتماعية إلى غرف عازلة من التوظيف السياسوي والانتخابوي.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

hassan منذ 9 سنوات

غريب ....غريب ....غريب ....غريب ....غريب ....غريب ....غريب ....غريب ....غريب ....غريب .... ولا تعليق حتى ديال البجدة

رابح منذ 9 سنوات

الصلح بين بوطازيت وخولة تم بالضغط على الطرفين للاعتراف باخطائهما ,والتنازل عن بعض حقوقهما , وتحمل مسؤولياتهما. والاصل ان النزاع منطلق من تعنت وتطرف وانانية واستخفاف بالآخر مما يؤدي الى حروب , وينتهي الامر بالسلم لكن بترك ندوب وقروح لا يشفيها السلام .. فماذا عن الصلح بين البجدي والبام وبين المغرب والجزائر

خالد منذ 9 سنوات

الدرس الحقيقي والوحيد هو ان المغرب عرف حكومة اخرى ناجحة نجاحا باهرا في فن ممارسة الفشل. 5 شهور قضتها الحكومة في ممارسة العناد الفارغ تاركة كل مسؤولياتها جانيا من أجل أن تمارس ((الصراع)) ضد فئة من الشعب . في النهاية ماذا ربحت الحكومة من عنادها ؟ السقوط في ((الصلح)). الصلح بخصوص ماذا ومع من ولماذا؟ الصلح بخصوص قضية بسيطة كان بالإمكان أن تعالجها إدارة مصلحة وليس حتى إدارة قسم أو إدارة مديرية في وزارةتسمي نفسها وزارة تعليم. لكن الذي حصل أن ((رئيس)) حكومة بقدها وقديدها راحت شهورا خمسة تصارع مجموعة طلبة متمرنين. إنها قضية عنوان على ضحالة رئيس حكومة وضحالة وزارة وضحالة نظام بكامله وضحالة أحزاب ونقابات. أوجد هذه الأيام بطنجة. تجري بها أعمال هدم لشوارع كانت صقيلة. الهدف هو التبذير. إعادة ترميم شوارع كانت صقيلة واستبدالها ببناء لم تكن في حاجة إليه يعني أن البلد يسيره أشخاص ونظم وهيئات لا يهمها إطلاقا مصلحة الوطن بل صرف ميزانيات فائضة من أجل سرقة 3 أرباعها. هناك مدن في المغرب لا تجد ثمنا تشتري به كروسة لجحمع الأزبال في وقت تصرف فيه مدن ميزانيات طائلة فقط من أجل هدم الصقيل من الشوارع بهدف إعادة ترميمها. هذه العقلية تفسر تلك المنعلقة بما سماه المقال ''الصلح''. حلل وناقش.

dunno منذ 9 سنوات

جميل جدا....لكن كيف سيتم توظيف الجميع في يناير 2017 و الموسم الدراسي القادم يبتدأ في شتنبر 2016؟ ثم كيف سيتم توظيف غير المضربين في الوقت المحدد و عن طريق المباراة؟ هل ستقوم الحكومة بمباريتين للمقاطعين و غير المقاطعين؟ هل هناك شيء اسمه توظيف في يناير؟؟؟ المهم أسئلة كثيرة جدا لازالت تطرح......

مجرد رأي منذ 9 سنوات

مشكلة عقولنا هي "ولكن" الحكومة اخطأت في كل شئ. ولكن ......!! يا استاذي المحترم انت لا تترك فرصة والا واشتكيت مر الشكوى من ظلم القضاء لك فكيف تزايد بكل هذا التحليل الموجه والمستفز على اناس طالبوا فقط بحقهم في الا يطبق عليهم قانون لا يعنيهم (ويعني الفوج المقبل) وفي ذلك تحملوا تكسير العصي على رؤوسهم ووجوههم لنصحح المثال المعيب فالامر يتعلق بسائق القطار الذي تعاقد مع 100 راكب لكنه احضر قطارا ب70 مقعدا فقط وفوق ذلك طلب ضعف ثمن التذكرة. مع العلم ان احضار قطار اخر مسالة ليست مستحيلة. فكم مرة سمعنا بمليارات انضافت للميزانية بشكل مستعجل. لنؤجل مهرجان السينما في مراكش او لنلغ حفلين من موازين مثلا ام ان هذه اهم من ... لا استفيد من المدرسة العمومية ولا احترم كثيرا من رجال التعليم لجشعهم وابتزازهم للفقراء بالساعات وغير الساعات ومع ذلك يجب ان نقف مع المظلوم دون "ولكن"

الحسين مستعيد منذ 9 سنوات

كلام في الصميم يضاف الى ما تحقق من صلح وما مضى من حراك ونضال وحوار فيعطينا كل ذلك الثقة في هذا الوطن العزيز ومكوناته

hassan منذ 9 سنوات

أنت كنت دائما مع بنكيران ضد من قلت الان عنهم " ممن يسمون أساتذة الغد "

التالي