تشهد الطريقة التي نتحدث بها عن التكنولوجيا، وكذلك طريقة تواصلنا من خلالها، تغيراً متسارعاً. فما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للغة التي نتكلمها؟
موقع » BBC Future » الإنجليري، قال أنه، قبل زمن ليس بالبعيد، كان يُشار إلى كل شيء له علاقة بشبكة الإنترنت باللغة الإنجليزية بكلمة « سايبر » (على الإنترنت)، في حين أن انتشار الكلمات البديلة التي تشير إلى الفضاء الالكتروني طاغيا لدرجة أنه في عام 1998، توقعت صحيفة نيويورك تايمز أن كلمة « سايبر » في طريقها للاختفاء، حيث لم تعد كلمة مريحة ومحببة كما كان في السابق.
وقد كانت الصحيفة على حق بطريقة ما. لا أحد يتحدث عن الفضاء الالكتروني هذه الأيام باستخدام كلمة « سايبر سبيس »، وتراجع البحث عن كلمة « سايبر » في الإنترنت في السنوات العشر الأخيرة.
لكن عبارات مثل « سايبر أتاك » (هجوم إلكتروني)، أو « سايبر كرايمز » (جرائم الإنترنت) باتت أكثر انتشاراً في السنوات الأخيرة. ومن الغريب أيضا أن كلمة « سايبر » أصبحت مرتبطة بشكل حصري تقريباً بأشياء سلبية، ومشينة، أو تلك التي تمثل مصدر تهديد.
تقول لورين بي كوليستر، عالمة اللغويات بجامعة بيتسبيرغ « إنها تعيد إلى الأذهان رواية البائس التي جاءت منها كلمة سايبر »، مشيرةً بذلك إلى رواية الخيال العلمي « نيورومانسر » لكاتبها ويليام جيبسون. هكذا بالفعل كان استخدام الكلمة من قبل الحكومات والسلطات بتكرار كبير.
وبينما أصبحت كلمة « سايبر » قديمة وغير عصرية، ظهرت تدريجيا كلمات أخرى نستخدمها للإشارة إلى الإنترنت. وهو تغير غير ملحوظ ربما، لكن عدداً من اللغويين أمثال كوليستر لاحظوا أننا لا نتكلم بوضوح عن « الإنترنت » أو حتى « الشبكة » بالكثرة التي اعتدناها في السابق، ولكن نشير إليهما من خلال كلمات أخرى.
وتشرح ناومي بارون أستاذة اللغويات في الجامعة الأمريكية ومؤلفة كتاب « كلمات على الشاشة: مصير القراءة في العالم الرقمي » قائلة: « أسمع بصورة أكثر كلمات مثل « أونلاين »، التي حلت في اعتقادي محل بعض الكلمات مثل « انترنت » و « سايبر » لأنها عبارة عن تسمية واحدة بسيطة ».
كان ظهور الهواتف الذكية أيضا له أثر على الطريقة التي نتحدث بها عن نشاطنا المتعلق بالإنترنت، كما تقول بارون. إذا طلب أحد من صديق أن يعثر له على مطعم قريب مثلا، فلا يخطر ببال أحدهما أن ما سيفعله بشكل تلقائي من خلال البحث على الهاتف الذكي هو في الحقيقة استخدام للإنترنت.
أمامك. أعتقد أننا استبعدنا الحاجة إلى أن نشير إلى أي شيء ما عدا الشيء الموجود ونراه أمامنا ».
وتضيف كوليستر أننا بتنا بالطبع نستخدم كلمة « غوغل » كفعل يعني البحث على الإنترنت عن معلومات. وترانا نقول أشياء من قبيل: « دعني أسأل غوغل »، حتى إذا لم يكن « غوغل » هو أداة أو محرك البحث الذي تستخدمه.
ولعلك أيضاً سمعت صديقاً يستخدم كلمة « فيسبوك » كفعل فيقول: « I’ll Facebook you » (أي سأكلمك من خلال موقع فيسبوك). إن استخدام مثل هذه الأسماء على أنها أفعال ليس أمرا جديداً في هذا الإطار.
اللغوية والكاتبة غريتشين مكلوخ تشير إلى أن كلمات أخرى باتت مختصرة وأقل رسمية. فنحن لم نعد نضع كلمة « e-mail » بشكل منفصل. وعندما كانت بارون في مرحلة تحرير كتابها « ألويز أون » قالت إن كلمة « e-mail » لا ينبغي أن نستخدم فيها الواصلة الخطية (لنصل بين حرف إي وكلمة ميل)، لكن الناشر أصر على الطريقة التقليدية باستخدام تلك الواصلة الخطية. إن محددات الأسلوب تأخذ وقتاً لكي تتأقلم مع اللغة المشتركة الجديدة.
وتشير بارون إلى نقطة أخرى، وهي أننا نميل إلى الانجذاب نحو استخدام مصطلحات بعيدة عن الغرابة أو الناحية الفنية البحتة. بالتأكيد، معظم الناس الذين يستخدمون شبكة الإنترنت لا يعرفون كثيراً عن لغات البرمجة أو تقنية عمل الإنترنت بالتفصيل، ولذلك فإن اللغة التي تشير مباشرة إلى ذلك تجدها أقل انتشاراً واستخداماً.
وتقول: « أعتقد أن ذلك جزء من السبب الكامن وراء تغير لغتنا. لأننا لا نفكر في أي شيء لا نرغب في الانخراط فيه ».