عن التحالف المغربي الخليجي 

22 أبريل 2016 - 22:00

بحركة دبلوماسية ذكية، وضع الملك محمد السادس ملف الصحراء على طاولة مجلس التعاون الخليجي، ولم تغادر الطائرة الملكية الرياض إلا وفي جيب محمد السادس موقف سياسي ودبلوماسي قوي مؤيد للأطروحة المغربية لحل نزاع الصحراء، الذي تعتبر الجزائر عقدة المنشار فيه. محمد السادس حصل كذلك على ورقة خليجية لتقوية موقفه في الخلاف الحاد الذي يتفاقم يوما بعد آخر مع الأمين العام للأمم المتحدة، ومن خلفه «الإدارة الأمريكية» التي لمح إليها محمد السادس في خطابه أمام القادة الخليجيين دون ذكرها، وهو ما وجد تجاوبا من قبل السعودية والإمارات اللتين تمر علاقاتهما بواشنطن بأسوأ مراحلها هذه الأيام.
بيان دول مجلس التعاون الخليجي المؤيد للموقف المغربي في نزاع الصحراء نزل كالصاعقة على قصر المرادية في الجزائر، حيث الرئيس بوتفليقة يصارع على جبهتين؛ جبهة المرض الذي غيبه عن السياسة الخارجية، وجبهة العسكر الذين يقصقص أجنحتهم تمهيدا لتسليم الرئاسة لأخيه على طبق من ذهب.
السعودية والكويت والبحرين كانت تقليديا مع المغرب في نزاع الصحراء، لكنها كانت تفضل التأييد السري والمساعدة غير المعلنة مخافة إثارة غضب الجزائر. الآن الظرفية الدولية تغيرت، وموازين القوى تغيرت، والمخاطر تغيرت.
كان الملك محمد السادس واثقا في خطابه حول مائدة أثرياء الخليج، وتحدث عن استعداد المغرب الكبير لشراكة استراتيجية مع الخليج سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا، وأخبر إخوانه الخليجيين بأنه بلد مستقل في قراره، وأنه نهج استراتيجية جديدة في علاقاته بالقوى الكبرى، وأنه طرق باب روسيا وغدا سيطرق باب الصين، وأنه لن يبقى محصورا في محور أمريكا-فرنسا. هذا كلام يدخل السرور على دول الخليج التي لم تعد تثق في أمريكا، خاصة بعدما رفع أوباما الحصار عن إيران، ورفض التدخل لإسقاط الأسد، وأصبح يرى في السعودية منبعا للإسلام الراديكالي الذي يصدر التطرف إلى بلدان الاعتدال الإسلامي مثل إندونيسيا، كما قال ساكن البيت الأبيض لمجلة «أتلنتيك» قبل شهرين.
الملك محمد السادس لم يقدم للخليجيين وعودا وخطابا ونوايا حسنة فقط، فقبل أن يحضر أول قمة مغربية-خليجية، بعث جيشه للقتال مع السعودية في اليمن ضمن قوات عربية أخرى شاركت في عاصفة الحزم، وبعد هذا أعلن انضمامه إلى الحلف السني الذي تقوده السعودية ضد داعش وضد إيران، وبعد هذا شارك في المناورات العسكرية المسماة رعد الشمال، وقبل هذا بعث قواته العسكرية والأمنية إلى الإمارات لتعزيز أمنها، كما أن ساعة علاقته بإيران مضبوطة على توقيت خليجي. إذن، المغرب ذهب إلى القمة الخليجية لـ«قبض ثمن» مساهمته العسكرية والأمنية في استقرار دول الخليج وحمايتها، بعدما رفعت واشنطن يدها عن إمارات النفط، ونصح الرئيس الأسود قادة الخليج بالحوار مع إيران، وقال لهم بالأمريكي الفصيح إن مخاطر التغيرات المناخية أكبر من تهديدات داعش.
تمر دول الخليج من وضعية صعبة للغاية.. جوارها ملتهب، داعش صارت لها دولة في بلاد الرافدين، والعراق يتفكك، وسوريا تنهار، واليمن يغلي، ولبنان بلا دولة، ومصر لم تتعافَ من آثار الانقلاب المدمر على العملية الديمقراطية، وإيران تتمدد، والأقليات الشيعية في الخليج تنتقم من عقود من القمع والتهميش، وأمريكا تنسحب من المنطقة وتترك ظهر الخليجيين عاريا، وأسعار النفط تنزل، وكلفة الحرب تزداد في بلدان لا جيوش فيها بالمعنى المحترف للجيوش، ولا مجتمعات قادرة على الدفاع عن نفسها.
في الصفحة الجديدة التي يفتحها الملك محمد السادس مع دول الخليج هناك ثلاث مهام وثلاث فرص وثلاثة مخاطر…
أما الفرص فهي استقطاب مزيد من الاستثمارات الخليجية لتعزيز التنمية الداخلية في المغرب. ثانيا، نسج تحالف سياسي ودبلوماسي سيعزز من قدرة المغرب على الدفاع عن قضية الصحراء إزاء الجزائر، وإزاء أمريكا وبريطانيا اللتين تغيران مواقفهما مثل الحرباء كل فصل وفي كل سنة. ثالثا، التحالف مع دول الخليج معناه أن المغرب سيخرج من عزلته النسبية إلى الإقليم الأكثر اضطرابا ليلعب دورا حيويا في السياسة الإقليمية والدولية. هذه هي الفرص التي يفتحها التحالف مع دول الخليج، أما المهام التي ستطلب منه فهي أولا إرسال جنوده لمحاربة داعش في العراق وسوريا واليمن، وربما مناطق أخرى سيتمدد إليها التنظيم. ثانيا، إرسال عناصره الأمنية إلى دول الخليج لحماية استقرارها ومساعدتها على ملاحقة خلايا الإرهاب. أما ثالث مهمة مطلوبة من الرباط فهي الوقوف في وجه التمدد الإيراني في البطن الرخو العربي، ونقل مخاوف السعودية إلى الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا التي يحتفظ معها المغرب بعلاقات استراتيجية، أما عن مخاطر هذا الحلف، أو قل أضراره الجانبية، فهي «فرملة التحول الديمقراطي الفتي في المملكة»، فمعروف أن دول الخليج لا تحب الديمقراطية، وتكره رؤية تجارب عربية وإسلامية في جوارها تتعلم أصول اللعبة الديمقراطية، لأن هذا يهدد نموذجها الثيوقراطي السلطوي بالعدوى، ولهذا رأينا كيف مولت أغلى انقلاب عسكري في مصر (سمعت من أحد مساعدي جمال بنعمر، المبعوث السابق للأمم المتحدة إلى اليمن، أن هذا الأخير لما التقى ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز، كان الشاغل الأول للملك العجوز ليس اليمن واضطراباته، بل الدستور المغربي الجديد الذي طرحه الملك محمد السادس للاستفتاء، وفيه تنازل عن بعض سلطه، وقد رأى فيه ملك السعودية آنذاك مغامرة غير محسوبة، وفتح أبواب الجحيم أمام الجميع). ثاني المخاطر التي يمكن أن تتسرب مع الاقتراب الكبير للمغرب من دول الخليج، هو مزيد من تدفق السلفية الوهابية إلى المغرب، ومعها تصدير التشدد والانغلاق الديني من جهة، وفتن الحرب الطائفية المستعرة بين السنة بقيادة السعودية والشيعة بقيادة إيران، أما ثالث المخاطر المحتملة من وراء الحلف الجديد، فهو التورط في حروب طويلة وفي بؤر النزاع المحيطة بدول بالخليج، وهي بؤر مرشحة للتوسع والتعقد أكثر في المقبل من الأيام، فالذي يدخل الحرب، أي حرب، يعرف متى تبدأ لكنه لا يعرف متى تنتهي.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

reda منذ 9 سنوات

والله هذه العبارة لوحدها تكفي: ساعة علاقة المغرب بإيران مضبوطة على توقيت خليجي

Lahcen-France منذ 9 سنوات

BONNE ANALYSE DE LA SITUATION ENTRE LE MAROC ET LES PAYS DU GOLFE.

ابو اميمة منذ 9 سنوات

التطرف الوهابي السلفي خسئت .متىا كان محمد عبد الوعدهاب متطرفا . ام لانه حارب عبادة القبور والطواف بعا المنتشرة عندنا ودعا الى التوحيد .كفانا من التبعية للغرب والدعوة الى العلمانية المقيته

سلام محمد منذ 9 سنوات

التحالف مع أعداء الديموقراطية في الخليج هو رسالة للداخل ان مصير إصلاحات ٢٠١١ كمصير ثورة اليمنيين ،ان لم ينفع المال في كبح مفاعيلها فتوريط المغرب في مستنقعات الخليجيين وربطهم بماضي القهر والجمود الخليجي كاف لابطال مفعولها ،هو فرملة لعجلة الإصلاح والحداثة والاستقواء بالديكتاتوريات الخليجية ،هو قمع باطني لاحلام الكرامة والحريّة التي لازالت طاقتها لم تنفذ من المحرك اللاشعوري والشعوري للمغاربة وتشويش لأحلامهم المستقبلية ؛ليس في هذا التوجه ثمار سوى انه تحالف الملكيات خوفا على العروش وهو مقامرة غير قابلة للتطبيق دو ن ارتدادات تتحين وقت صعودها خارجيا وداخليا ،وهذا التحالف نذير شؤم قوي مهما كان ظاهره يلمع ذهبا ،فالمغرب في حاجة الى اسقلالية وتنمية ذاتية اما أموال الخليج فلا تصنع الا التبعية العمياء واستثماراتها مزدوجة الوجوه ،واللهم احفظ بلادنا من الكيد العظيم !

موسى طرفاية منذ 9 سنوات

ملف الصحراء على طاولة مجلس التعاون الخليجي وتبني المجلس لمغربية الصحراء فهي الضربة القاضية لحكام الجزائر ، هذه الخطوة تأتي في اللحضات الأخيرة لحكم بوتفليقة ،وعلى الدبلوماسية المغربية الاستمرار على هذا النهج ليحقق المزيد ...

كفى نفاقا منذ 9 سنوات

شكرا لدول الخليج على موقفها المساند للمغرب شكرا لشجاعة دول الخليج على وقوفها مع المغرب و نصرة قضاياه العليا نصرة للحق ضد الباطل. نعم اقول لها شكرا لشجاعتها لانه لو كان غيرها لما اتخذ مثل ذلك الموقف الشجاع خصوصا عندما يسمع الطريقة التي يتكلم بها الساسة المغاربة عن الجزائر و هي طريقة مليئة بالالغاز لا يفهما حتى الراسخون في العلم. انهم يخاطبون الجزائر بالود و الحنان بالدولة الجارة و الدولة الشقيقة و يتحدثون عن الحدود و يستجدون فتحها يتوددون لنظام يعمل ليل نهار لتخريب بلدهم رغم ما تفعله الجزائر من مكائد لتمزيق المغرب يقابل من طرفهم بالهرولة من اجل التطبيع معها و بمد يد الاخوة كأن ما تفعله الجزائر امر عادي في مقابل ذلك نرى الاعلام المغربي يعمل ليل نهار على تشويه صورة الخليجين رغم ما يفعلونه لصالح المغرب. فلو كنت خليجيا لترددت ألف مرة قبل ان اقدم عن دعم دولة منافقة ترشق اعدائها بالورود و ترمي اصدقائها بالقاذورات

مواطن من تطاون منذ 9 سنوات

ان المغرب يا بو عشرين المحترم لا يمكن مقارنته بأمريكا أو روسيا او الاتحاد الأوربي او حلف النيتو ، فهذه القوى الأخيرة هي في الواقع تمثل أقطاب بارزة جدا في في ميادين الاقتصاد والتكنولوجيا والمجال العسكري ، فلا يمكن للمغرب بمفرده مع دول الخليج العربي والأردن ان يرجح كفة العرب في مواجهتهم للكتلة العسكرية القوية التي تضم كل من روسيا وإيران ، فلولا الحلف العسكري الذي شكلته الدول السنية الخمسة والثلاثون لما انتصرت على الحوثيين في اليمن . وكان الاولى والاهم من هذا الحلف السني ان يتوسع ويضم ايضا دولا سنية اخرى مثل الدولة التركية المعروفة بقوتها الاقتصادية والصناعة العسكرية . والأغرب والاطرف في شأن التقاطب الدولي على منطقة الخليج العربي لاحظنا إنعقاد قمتين متفردتين: الأولى القمة المغربية الخليجية والثانية القمة الأمريكية الخليجية ، فكان المغرب وأمريكا يتصارعان على منطقة الخليج العربي ، غير ان الحقيقة على أرض الواقع في منطقة الاقليم العربي ان الحكومة الأمريكية أرادت أن تبني معادلة سياسية جديدة على حساب مصالح الدول الخليجية فتخلت عن حمايتها وتركتها لقمة سائغة لإيران وروسيا ، نفس الأمر حدث لبلاد المغرب عندما تخلت الحكومة الأمريكية عن دعم المغرب في قضية وحدته الترابية ورفض الاتحاد الأوربي استقبال البضائع الاتية من الصحراء المغربية . هنا نتساءل في هذه المرحلة الدقيقة لكلا الطرفين العربيين كيف سيتعامل الخليجيون والمغرب ازاء هذا الموقف الجديد للحكومة الأمريكية التي تخلت عن حليفيهما القديمين؟ أعتقد أن الدول الخليجية والمغرب يستحيل بدورهما ان يتخليا عن الحليف الأمريكي والاوربي القويين عسكريا واقتصاديا ذلك ان ملفات قضايا الدول الخليجية والمغرب مازالت امريكا واوربا تتحكم فيهما داخل منظمة مجلس الامن الدولي ، الا في حالة واحدة إذا ما قررت دول الخليج والمغرب ان تغير مواقع تحالفاتها مع قوى دولية جديدة ، وهذا الأمر الجديد يستحيل حدوثه في الفترة الحالية نظرا لضعف المواقف السياسية والقدرات العسكرية والاقتصادية لدى دول الخليج والمغرب هذا فضلا عن ان امريكا مازالت تتحكم بقوة في الملفات السياسية الاقليمية المرتبطة بقضايا الاقليم العربي المثخن بجروحه الغايرة .

مصطفى منذ 9 سنوات

ربما الخروج الاعلامي الاخير لولي ولي العهد لقناة بلومبيرغ يبدد مخاوفك من الاخطار التي ذكرت.

التالي