اعتبر المستشار السياسي المغربي والمتخصص في شؤون الأمم المتحدة، سمير بنيس، أن النسخة الأولى لمشروع القرار الأمريكي حاولت إضعاف الموقف المغربي، لكون واشنطن حذفت من المشروع الاولي عبارة « يرحب » من الإشار الى خطة الحكم الذاتي المغربية
ج: كما كان متوقعاً وكما صرحت بذلك في مداخلتي على قناة ميدي1 تيفي يوم 28 مارس الماضي، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم تدعم المغرب في مواجهته الدبلوماسية مع الأمين العام للأمم والأمانة العامة للأمم المتحدة، وعلى الرغم من الاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع صاحب الجلالة الملك محمد السادس الشهر الماضي، والذي طمأنه فيه على موقف الولايات المتحدة من التوتر القائم، إلا أن الولايات المتحدة حافظت على نفس موقفها الغامض وغير الداعم للمغرب. وقد اتضح ذلك من مشروع القرار الذي تقدمت به لفريق الأصدقاء المعني بالصحراء قبل تعميمه على باقي أعضاء مجلس الأمن.
كما اتضح الموقف الأمريكي من طريقة تعميم مشروع القرار، فخلافا لما كان معمولاً به خلال السنوات الماضية، عممت واشنطن مشروع القرار على مجموعة الأصدقاء، التي تضم إلى جانب واشنطن كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا وإسبانيا، دون التشاور مع المغرب، وهو ما أثار امتعاض الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، الذي عبر عن ذلك خلال اجتماع أجراه صباح يوم الإثنين مع سفراء دول مجلس التعاون الخليجي.
س: ما قراءتك لمضامين هذا المشروع؟
ج: توضح القراءة الأولية للقرار أن واشنطن تريد فرض عودة المكون المدني للمينورسو وأن تتمكن البعثة الأممية من اكمال مهامها بما يتماشى مع الولاية الممنوحة لها من طرف مجلس الأمن، وقد اتضح الموقف الأمريكي من خلال إضافة أربع فقرات جديدة على مسودة القرار، إذ تمت إضافة فقرتين في الشق المتعلق بالديباجة، وفقرتين في الشق المخصص للفقرات العاملة، أي الفقرات التي تتضمن الإجراءات التي يجب على طرفي النزاع الالتزام بها، حيث تؤكد الفقرات الأربع على ضرورة عودة المكون المدني للمينورسو وتعترف بالدور الهام الذي تقوم به البعثة في مراقبة وقف إطلاق النار، والمساهمة في توعية مجلس الأمن بالوضع على الأرض وتشجيع التوصل إلى حل سياسي مقبول من الطرفين. وتلاحظ الفقرة الثانية التي تمت إضافتها إلى الديباجة بقلق أن طرد الموظفين المدنيين للبعثة في شهر مارس قد أثر بشكل كبير قدرة البعثة على القيام بمهامها، وهو ما يظهر على أن الولايات أخذت بما جاء في تقرير الأمين العام حينما عبر قلقه من أن قرار المغرب أثر بشكل كبير على قدرة البعثة الأممية في القيام بمهامها على أكمل وجه.
س: هل من مضامين أخرى مقلقة في المشروع؟
ج: لعل أهم ما تضمنه مشروع القرار هو تأكيد مجلس الأمن بشكل صريح وقوي في الفقرة الثانية على الحاجة لعودة المينورسو على الفور للقيام بوظائفها بشكل كامل، ولعل ما يظهر حزم مجلس الأمن في رجوع البعثة الأممية بشكل كامل هو طلبه إلى الأمين العام « أن يطلع المجلس في غضون 60 يوما حول ما إذا كانت البعثة قد عادت إلى وظيفتها الكاملة » وإعرابه عن « اعتزامه النظر في اتخاذ خطوات فورية لتسهيل تحقيق هذا الهدف » إذا لم يسمح المغرب بالسماح بالعودة الكاملة للمينورسو.
بالإضافة إلى هذه الفقرات، لعل أهم تطور عرفه مشروع قرار هذه السنة هو محاولة الولايات المتحدة إدخال بعض التغييرات على بعض الفقرات المهمة، على رأسها الفقرة التي ترحب بمخطط الحكم الذاتي المغربي والجهود السياسية التي قام بها المغرب منذ عام 2007. وفي هذا الصدد، يجب الإشارة إلى أنه منذ القرار رقم 1754 لعام 2007، أخذت جميع قرارات مجلس الأمن علما بالمقترح المغربي الذي قُدم في 11 أبريل 2007 إلى الأمين العام ورحبت بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية لتحريك عملية السلام إلى الأمام. وفي نفس الوقت، اكتفى مجلس الأمن بالأخذ علما فقط بمقترح جبهة البوليساريو المقدم يوم 10 أبريل 2007 إلى الأمين العام.
س: أي أن في الأمر تحوّل في الموقف الأمريكي؟
ج: مشروع القرار الجديد يسعى إلى حذف الفعل « يرحب » من الاشارة الى خطة الحكم الذاتي المغربية. وبالتالي، فإذا نجحت الولايات المتحدة في فرض هذه اللغة، فإن هذا يعني أن مجلس الأمن سينظر من الآن فصاعدا في مقترحات كلا الطرفين على قدم المساواة، وأن المقترح المغربي لن يتمتع بالدعم الضمني الذي حضي به لحد الآن. ويقول محللون أن هذه الخطوة ستمثل انتكاسة للدبلوماسية المغربية وتراجع عن التقدم الذي حققه المغرب في السنوات الـ 9 الماضية للمضي قدما بمقترح الحكم الذاتي وجعله الأساس للتوصل لحل سياسي مقبول من الطرفين، ومن ثم فإن الديبلوماسية المغربية تعمل جاهدةً منذ تعميم مشروع القرار على المحافظة على نفس اللغة من دون تغييرها.
ومع ذلك، أظن أنه بغض النظر عما إذا كانت الولايات المتحدة ستنجح في فرض هذا التغيير اللغوي أم لا، فإن المغرب سيخرج من هذه المعركة الدبلوماسية السنوية بأقل الأضرار ومن دون الوقوع في أي انتكاسة ديبلوماسية كبيرة. فقد تبين من خلال الحوارات التي أجريتها مع العديد من الخبراء في الأمم المتحدة، أن هناك إجماع على أن هذا القرار هو أهون الشرين وأن الأمور كانت قد تكون أسوأ لو لم يقم المغرب بالتعامل بحزم مع التصريحات التي أدلى بها بان كي مون خلال زيارته الأخيرة للمنطقة، فعندما قام بان كي مون بتلك التصريحات، فكانت نيته دعوة مجلس الأمن لإعادة النظر في معايير المفاوضات التيالتي حددها القرار رقم 1754. وهنا يجب الإشارة إلى أنه في تقريره المقدم إلى مجلس في عام 2014، دعا بان كي مون مجلس الأمن إلى إجراء مراجعة شمولية للعملية السياسية التي بدأت في عام 2007 إذا لم يتم إحراز أي تقدم بحلول أبريل 2015.
س: أي أن هناك تطابق بين المواقف الأمريكية وتحركات بان كي مون؟
ج: تصريحات بان كي مون في الجزائر كانت بمثابة مؤشر واضح على نيته في محاولة إدخال تغيير جذري على العملية السياسية وإضعاف موقف المغرب، غير أن القرار القوي الذي اتخذه المغرب لإدانة تحيز بان كي مون لجبهة البوليساريو وقراره بطرد العنصر المدني للمينورسو فاجأ الأمين العام ووضع النقاش على أسس مختلفة بعيدا عن أي محاولات من قبل الأمم المتحدة للدعوة إلى إنشاء آلية لرصد حقوق الإنسان في الصحراء. فمن خلال قيامه بطرد العنصر المدني للمينورسو، فقد نجح المغرب في إعادة تركيز النقاش وفقا لأجندته الخاصة، وبغض النظر عن القرار، فسيكون المغرب لسنة أخرى لإعداد خطة جديدة للتعامل مع آخر التطورات في انتظار انتخاب أمين عام جديد للأمم المتحدة ورئيس أميركي جديد، فقد أدرك المسؤولون المغاربة منذ فترة طويلة أنه لا يمكن أن نتوقع الكثير من الأمين العام الحالي أو الإدارة الأمريكية الحالية. ومن هنا كانت الحاجة لكسب الوقت والانتظار حتى انتخاب الأمين العام الجديد والرئيس الأمريكي الجديد.