ماذا ربحنا وماذا خسرنا في معركة بان كي مون؟

30 أبريل 2016 - 22:00

لم نخرج منهزمين ولم نخرج منتصرين من المعركة الدبلوماسية التي دخلناها مع الأمين العام للأمم المتحدة أولا، ومع الإدارة الأمريكية ثانيا، لكن، وكما هو الشأن بالنسبة إلى أي حرب، خرجنا بجراح ومرارة، وحقائق فتحت أعيننا على الخريطة الجديدة للأصدقاء والأعداء، ومن هم في عداد المتحولين من خانة إلى أخرى.. خرجنا من الحرب وقد جرت مياه كثيرة تحت جسرنا.
صادق مجلس الأمن يوم أمس على صيغة مخففة لقرار جديد يطلب من المغرب إعادة الكتيبة المكلفة بالاستفتاء إلى الصحراء في غضون أشهر، ومواصلة المفاوضات لإيجاد حل للنزاع في الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو، علاوة على التمديد للبعثة الأممية سنة أخرى… قبل هذه الصيغة كان هناك مشروع أمريكي يلزم المغرب بلغة فظة بإرجاع المطرودين من بعثة المينورسو فورا إلى الصحراء، ثم تحولت «فورا» إلى شهرين، ثم تحول الشهران إلى ثلاثة أشهر مع تغيير «يجب إرجاع المطرودين» إلى صيغة: «العمل على الاحتفاظ بكامل أعضاء بعثة المينورسو»، أي أن المغرب وحلفاءه استطاعوا أن يربحوا وقتا، وأن يجدوا مخرجا يحفظ ماء الوجه قبل عودة الشق المدني في بعثة المينورسو إلى الصحراء، وليس بالضرورة عودة العناصر نفسها التي طردت من العيون.
ماذا ربحنا من هذه المعركة؟ ربحنا إبقاء الوضع على ما هو عليه إلى حين خروج بان كي مون من الأمانة العامة للأمم المتحدة في آخر هذه السنة، وقبله إدارة أوباما الذي تعطل التفاهم التقليدي معه، وربحنا عدم العودة إلى إجراءات ومضايقات أخرى كان من الممكن أن يضعها الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره السنوي، كما فعل في السابق (توسيع صلاحيات المينورسو أو اقتراح كومنولث أو ما شابه)، وأصبح الموضوع في مجلس الأمن هو: هل يرجع المطرودون من البعثة الأممية في الصحراء أو لا يرجعون؟ ومتى يرجعون؟ ربحنا في هذه المعركة الدبلوماسية وقوف دول الخليج معنا، وتبنيهم المقاربة المغربية لحل نزاع الصحراء، باعتباره نزاعا تغذيه بعض الدول الغربية لزرع الفرقة، وضرب الاستقرار في المغرب كما في المشرق، وربحنا يقظة دبلوماسية وشعبية أظهرت حرص المغاربة على ربح رهان الصحراء، وإعادة تعريف القضية على أنها قضية المغاربة كلهم وليست قضية القصر الملكي لوحده.
أما لائحة خسائرنا من هذه المعركة فهي أننا لم نوفق في إقبار مشروع الاستفتاء، وترك حل واحد على طاولة المفاوضات هو مشروع الحكم الذاتي، وهذا هو المغزى السياسي الكامن خلف طرد المكلفين بالاستفتاء من بعثة المينورسو، وترك العسكريين الذين يحرسون وقف إطلاق النار. هذا موقف خسرناه، والمكلفون بالاستفتاء سيرجعون هم أو آخرون مثلهم إلى مهامهم في الأقاليم الجنوبية. خسرنا أيضا الموقف الأمريكي الذي كان يقف على الحياد أو قريبا من موقفنا، لكنه الآن انعطف إلى الاتجاه الآخر، وهذا كان واضحا في تصريحات بان كي مون أثناء زيارته للصحراء، حيث وصف الوجود المغربي في رمال الصحراء بالاحتلال، ففهم الجميع أن الكوري الجنوبي لا ينطق سوى بلسان أمريكي، واللسان الأمريكي يريد إبقاء الجرح الصحراوي مفتوحا في الجسم المغربي، كما أن واشنطن تريد إزعاج النظام المغربي والضغط عليه بملف الصحراء حتى لا يشعر بأن المعركة انتهت أو حسمت.
هذه، باختصار، هي قائمة الأرباح والخسائر، لكن المعركة مازالت طويلة، وقضية الصحراء لن تحسم هذه السنة ولا في السنوات القليلة المقبلة، لكن المغرب يحتاج إلى تقوية الجبهة الداخلية، وتعزيز الاستقرار الداخلي بالحفاظ على الخيار الديمقراطي الذي سيعطينا احتراما كبيرا في مجتمع الدول، فموضوع الصحراء سيحسم داخليا، إن عاجلا أم آجلا.
أوباما سيغادر مكتبه نهاية هذا العام، وبعده سيغادر بان كي مون ومعه روس وفيلتمان الذي سبب أوجاع الرأس للمغرب، لكن ملف الصحراء سيبقى في الأمم المتحدة عرضة للرياح الآتية من الشرق والغرب، ومهمة الربان المغربي أن يضبط أشرعته على اتجاه الريح، وأن يحسن التعامل مع الأمواج في عالم مضطرب، وهذه مهمة كل الأطراف من القصر، إلى الحكومة، إلى البرلمان، إلى الأحزاب، إلى السفراء، إلى الإعلام، إلى المجتمع المدني، فكلما تحرك المغرب على سكة الديمقراطية، والتنمية، واحترام حقوق الإنسان، وتنويع الشركاء، وبيع صورة جيدة عن البلاد في الخارج، ربحنا نقاطا في ملف الصحراء، والعكس صحيح.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

حسن كاوز منذ 9 سنوات

أولا ليس هناك أعداء وليس هناك أصدقاء بل هناك مصالح مشتركة أو متضاربة، وثانيا هناك عرف دولي منذ ظهور نظام القطب الواحد وهو إطالة أمد كل مشكل سياسي داخل أي دولة في المنتظم الدولي للحصول على التنازلات والتحالفات حتى مع الشيطان، وثالثا المشكل ليس في شخص بان كيمون أو أوباما أو روس أو حتى في بوتفليقة والإنفصالي المراكشي بل المشكل في القوة التي نمتلكها وندفع بها "ضسارة" الأعداء، من القوة الاقتصادية إلى القوة الديمقراطية إلى القوة العسكرية، ورابعا ما حدث ليس انتصارا ولا هزيمة، بل مشهدا من مشاهد التوازن السياسي المعتاد الذي ينتهجه مجلس الأمن مع الدول والجماعات التي ليست بالعدوة أو الحليفة أو التي لا يؤمن جانبها، وخامسا وأخيرا فإن ثقافة الأمل والرجاء تقتضي هذه السنة الحديث عن جدية المقترح المغربي والسنة التي بعدها نرفع ورقة حقوق الإنسان، والسنة الموالية التي هي سنته الأخيرة ندفع الأمين العام للأمم المتحدة للخروج عن حياده حتى نضمن دق الباب من جديد وطلب الإنصاف، ويبقى لنا ما كان دوما لنا. وصح النوم ياسيدي المفضل توفيق

قارئ منذ 9 سنوات

قبل كل شيئ أشكر السيد بوعشرين لأنه لم يضحك على ذقون القراء كما فعلت بعض المواقع التي هللت للنصر المغربي، وفي الجهة المقابلة تلك التي هللت لهزيمته. فالقضية بقيت حيث كانت من قبل. وحتى موقف الولايات المتحدة ليس ضد المغرب. فتركيزه على عودة المكون المدني يعني أن المغرب حاول استغلال تصريحات الأمين العام ليقلب المعادلة ويحول المينورسو إلى مجرد حارس لوقف إطلاق النار وليس جهازا للإشراف على الاستفتاء كما كان مقررا في البداية. الولاية المتحدة عملت على تجميد القضية، وهذا في صالح المغرب الذي لم يستغل الفرصة لفرض حله في الواقع: حكم ذاتي في يد أبناء المنطقة. وهم الكفيلون بالرد على الأطروحة الانفصالية وعلى الجزائر التي تبدد إمكانياتها سدى.

رابح منذ 9 سنوات

احسن ما ختم به الكاتب الفاضل مقاله هو سكة الديموقراطية والتنمية : اجل المغرب يعاني من مشكلة قضية استكمال وحدته الترابية , وهي قضية وطنية كبرى مقدسة ومرتبطة بوجوده ومكانته وتقدمه بين الامم , ورفع تحدي حلها ملقى على عاتق جميع المكونات السياسية والاقتصادية والمجتمعية للشعب المغربي , بمعنى ان سيادتنا على اقاليمنا الجنوبية كما الشمالية وكذا الشرقية والغربية ممكنة ,اذا استطاع المغرب السير قدما على طريق الديموقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الجادة والحقة , وهذا يقتضي تجنيد امكانياتنا البشرية الذاتية الكفءة , على جميع المستويات الديبلوماسية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية والخارجية , وبايجاز كبير , يجب ان يتحول المغرب الى قوة قادرة على الدفاع على حقوقها المشروعة وعلى رأسها اراضيها المهددة

بلعباس قاسم منذ 9 سنوات

تحليل متميز ولكن لماذا لم تذكر العدو الأول وهو الجزائر في تحليلك؟؟ تحياتي، قاسم من هولندا

التالي