قال محمد مصباح، باحث في معهد كارنيغي متخصص في الحركات الإسلامية، إنه رغم ان المزاج السياسي لرئيس الدولة غير مكتوب في الدستور ولكنه يشكل جزءا من الثقافة السياسية بالمغرب. مصباح، قال في حوار مع “أخبار اليوم”، ضمن ملف نهاية الأسبوع “القصر وبنكيران..هل يتعايشان لخمس سنوات أخرى؟”، إن التسريبات المنسوبة للقصر تشير إلى أنه لا يرغب في ولاية أخرى لبنكيران.
كيف أثرت فترة السنوات الخمس التي قضاها بنكيران في الحكومة في علاقته بالقصر؟
خلال خمس سنوات لاحظنا أن رئيس الحكومة يحاول ضبط المسافة بينه وبين القصر. فمن جهة يبدي السيد عبدالإله بنكيران نوعا من المقاومة لمحاولة الترويض التي يتعرض لها هو وحزبه، ومن جهة أخرى يسعى إلى الحفاظ على وحدة حزبه وضمان الحد الأدنى من الانسجام في المواقف السياسية. وعملية التوازن هذه صعبة لأنها تظهر للرأي العام على أن هناك صراعا خفيا بين الطرفين يتم إدارة جزء منه عن طريق وسائل الإعلام كما بدأ يظهر مؤخرا عندما خرج لأول مرة كلام منسوب إلى شخصية في القصر عن علاقة الدولة ببنكيران. ويمكن القول، كذلك، إن رئيس الحكومة فرض أسلوبا جديدا في التعامل مع القصر يختلف عن أسلوب التعامل الذي كان يميز رؤساء الحكومات السابقة. وأهم ميزة لهذا الأسلوب هو إشراك العموم في فهم العلاقة التي تربط بين رئيس الحكومة بالملك. ففي السابق لم يكن الوزراء السابقون يتحدثون عن علاقتهم بالقصر ولم يكن ممكنا أيضا معرفة ما إذا كان متوافقا معه أم لا. لقد ساهم خطاب بنكيران بشكل أو بآخر في نقل النقاشات حول “القصر” إلى الخطابات اليومية للمواطنين وهذا أفاد بنكيران بشكل غير مباشر في علاقته بالمواطن، ولكنه، ربما، قد أضره بعلاقته بالقصر.
هل تشير المعطيات المتوفرة حاليا إلى اتجاه هذه العلاقة نحو تطبيع أكثر أم نحو التراجع؟
الأكيد أن العلاقة بين الطرفين تطورت بشكل كبير بعد مرور خمس سنوات في الحكومة مقارنة مع مرحلة ما قبل 2011. صحيح، كذلك، أن العلاقة تمر بتذبذبات متقطعة بين الفينة والأخرى وهذا راجع إلى اختلافات في التقديرات السياسية، إضافة إلى تعارض في المصالح. ولكن المحصلة النهائية هي أن الطرفين دخلا في مسار تعلم التعايش Cohabitation سيؤدي إلى ترسيم للحدود التي ينبغي له أن يلعب ضمنها، لكن يظهر من خلال تحليل المعطيات الخاصة بالتحضير للانتخابات المقبلة أن علاقة العدالة والتنمية مع الدولة والقصر لم تصل بعد إلى مرحلة التطبيع الشامل وهذا يرجع إلى سببين: أولا، فشل الدولة في ترويض البيجيدي بشكل كامل وخوفها، أيضا، من اكتساحه للانتخابات المقبلة وهو ما قد يؤدي إلى خلخلة قواعد اللعب التي حددها النظام. ومن هنا تظهر رغبة تحجيم مشاركة العدالة والتنمية من خلال استعمال أدوات تحكم “ناعمة”، مثل تخفيض العتبة إلى 3 في المائة، والسماح لوزارة الداخلية بتسجيل وحذف المواطنين من اللوائح الانتخابية خارج الآجال القانونية، والمنع من تسجيل المواطنين في اللوائح الانتخابية، ومنع وزرائه من تأطير المواطنين، وربما سنعرف استعمال وسائل أخرى من قص الأجنحة في حالة ما إذا أحست الدولة أن الفارق بين البيجيدي والأحزاب الأخرى سيكون كبيرا.
هل تسمح البنية السياسية والدستورية والثقافية للمغرب بجمع شخصية سياسية بين ولايتين متتاليتين؟
لا يوجد في الدستور ما يمنع ذلك، ولكن ممارسة السياسة في المغرب تقتضي التوافق مع المؤسسة الملكية. طبعا سيناريو رجوع بنكيران لولاية ثانية مرتبط بشرطين: الأول حصول حزبه على الرتبة الأولى في الانتخابات، والثاني هو الحصول على الرضا الملكي. وهذا الأخير (الرضا الملكي) شرط مهم للتعيين في المناصب الكبرى للدولة. فرغم أن المزاج السياسي لرئيس الدولة غير مكتوب في الدستور، ولكنه يشكل جزءا من الثقافة السياسية بالمغرب ومحددا لِما إذا كان سيتعاون مع رئيس الحكومة أم لا. والظاهر أن بعض التسريبات الأخيرة المنسوبة إلى المحيط الملكي تشير إلى أن القصر لا يرغب في الاشتغال مع بنكيران لولاية أخرى وهذا إن صح، فإنه يدل بدون شك على أن خمس سنوات من الوجود في الحكومة لم تمكن بنكيران ومعه حزب العدالة والتنمية من التطبيع الشامل مع المؤسسة الملكية.