الإخاء، "الأخواتية"، الأمومة

12 أغسطس 2016 - 10:16

في خضم القلاقل التي تهز العالم، يصلنا الصخب الذي يزداد رعبا والصادر عن عنف المجرمين والإرهابيين، كما نسمع عن ردود رجال الأمن والعسكريين التي ما فتئت تزداد قمعا. ومن يقوم بهذه المهمات في الجانبين هم في الغالب الأعم رجال. كذلك لما نريد أن نتحدث عن “اللاعنف” وعن الحب والسلام، نستعمل لغة الرجال، وندعو إلى “الإخاء”، كأن الإخوة هم وحدهم القادرون على منح “الحب”.
بهذه الطريقة، نحن نخطئ الهدف الأهم: الحب الحقيقي أنثوي، فهو وحده القادر على بذل كل التضحيات. سواء كان حب أخت (لماذا الحديث عن الإخاء وليس “الأخواتية” (sororité))، أو حب شريكة الحياة، أو حب الأم؛ وكذلك حب الرجل، مهما كانت فحولته، حين يتقبل ما فيه من أنوثة ويستوعب أن العنصر الأهم في بهجته ينبع مما يمنح للآخرين وليس مما يأخذه منهم.
إن الأمهات بالخصوص يحققن ذواتهن في تلك السعادة التي يمنحن لأطفالهن. وهن يفكرن، أكثر من غيرهن، في ازدهار ورفاه الأجيال المقبلة، وهن يدركن، قبل الجميع، متى ولماذا ينحرف أطفالهن ويبتعدون عن الطموحات الصائبة.
لو كنا نصغي للأمهات والأخوات والنساء المحبات، لو كنا نمكنهن من وسائل العمل، كان العالم سيكون مختلفا تماما، سيكون أكثر سلاما بكثير مما عليه اليوم.
والحق أن الأمر ليس جديدا، فالنساء هن اللواتي منعن- أحيانا كثيرة في التاريخ- الرجال من ارتكاب الحماقات. ونجد حكاية “ليسيستراتا” (وهي بطلة إحدى مسرحيات أرستوفانيس ستقنع نساء المدينة بالامتناع عن معاشرة الأزواج لإرغامهم على عقد السلام وإنهاء الحرب البونيقية) في العديد من الحضارات والميثولوجيات: الإضراب عن المعاشرة الجنسية لإرغام الرجال على الجنوح إلى السلم. كذلك يمكن للأمهات أن يفرضن على أبنائهن الكف عن العراك، ولكن لا يستطعن لوحدهن الحفاظ على ذريتهن على الصراط المستقيم إذا تخلى عنهن الرجال.
لو كنا نصغي للنساء اليوم، وفي مقدمتهن الأمهات، فإن النتائج ستكون إيجابية على الفور. أولا سنحترمهن أكثر، وبالتالي سيتوقف العنف الذي يستهدفهن. كذلك، سنستمع باهتمام أكثر إلى مضمون صرخاتهن التي تذهب سدى في الغالب: إن الأطفال الذين يترعرعون دون أسرة ودون تربية يكونون طرائد سهلة. في ظل الظروف الحالية، فهذا يعني بفرنسا ضرورة الإنصات إلى النساء من كل الأوساط، وتمكينهن من الوسائل التي تكفل لهن الحديث إلى الشباب والرجال، واتباع النصائح التالية التي يسدينها للسياسيين:
1 الاهتمام بالأطفال منذ مرحلة الحضانة حتى يكتسبوا نفس المعجم اللغوي.
2 مراقبة المراهقين، خاصة أولئك الذين ترعرعوا دون أب، لضمان متابعتهم لدروسهم واستفادتهم من نفس الإرشادات التوجيهية التي يستفيد منها الآخرون. ففي هذه الفترة العمرية تبدأ الحياة.. في هذه الفترة يمكن أن ينطلق الانحراف نحو الأسوأ.
3 مساعدة النساء على الحديث إلى الشباب، سواء بصفة الأم أو الشريكة أو الأخت، لرصد هذا الانحراف المحتمل.
4 تزويد الجمعيات المكلفة بالتوجيه بالوسائل الضرورية للعمل.
ما أبعدنا عن النقاش المثير للشفقة حول الحجم الضروري للترسانة القمعية: إن الاهتمام بهذا الأمر فقط، شبيه بمحاولة إفراغ حوض حمام طافح بماء لا ينقطع، بملعقة صغيرة! حان الوقت للخروج من المزايدات القمعية حتى نمنح الأمهات الإمكانات الحقيقية الكفيلة بالقيام بعمل جمعوي فعال.
إذا لم نقم بهذا، فليس شرذمة فقط من الإرهابيين المعزولين من سيهددنا، بل أجيال كاملة من الأطفال الضائعين. علينا ألا نهدر الكنز الذي يمثلون.
ترجمة
مبارك مرابط
عن “ليكسبريس”

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي