هل أصبح "الفايسبوك" سلاحا استخباراتيا؟

15 أغسطس 2016 - 23:02

سنوات قليلة بعد خروجه إلى العلن، تحول موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك من مجرد فكرة من أجل خلق تواصل بين طلبة جامعة هارفرد العريقة، وتشاطر أخبارهم وأفكارهم أو صورهم، إلى نظام معلوماتي كامل، يتيح الفرصة للتعرف على جميع تفاصيل حياة صاحب الموقع، بداية بمعلوماته الشخصية مرفقة بالصورة، ثم بعدها الآراء والأفكار، فالاهتمام بتفاصيل الحياة الشخصية، كالأمكنة التي يزورها صاحب الحساب الشخصي، ومعارفه، وتوثيق ذلك بالصوت والصورة، أو عن طريق التوثيق «اللحظي» عبر تقنيات البث المباشر التي أنشرت مثل النار في الهشيم حاليا.

حصول الفايسبوك على جميع المعلومات الشخصية لمستخدميه بداية من جنسيتهم والاسم العائلي، وصولا إلى الكتب التي يطلعون عليها وأطباقهم المفضلة، ما جعل الموقع أحد أهم المراجع بالنسبة إلى الاستخبارات العالمية، حيث سبق أن تحدثت عدة تقرير إعلامية عن ربط المؤسسة، التي يديرها الأمريكي مارك زوكنبورغ، علاقات قوية بأجهزة استخباراتية عالمية على رأسها المخابرات الأمريكية.

ليصبح بذلك الفايسبوك منذ مدة ليست بالبعيدة إحدى أهم الأوراق الثبوتية التي تعرف أي شخص في العالم في حالة إذا ما تطلب الوضع ذلك، خصوصا إذا ما كان هذا الشخص لا يملك أي أوراق ثبوتية أخرى.

ألمانيا في طور التجريب

بعد انتشار العديد من العمليات الإرهابية المستهدفة لعدد من المدن الأوروبية، بدأت الحكومات الأوروبية تجد نفسها في ورطة حقيقية، بين ضرورة ضمان أمن مواطنيها، والحد من دخول «المقاتلين» إلى داخل البلاد لتنفيذ عمليات مختلفة، وبين هاجس كبير هو استيعاب الآلاف من المهاجرين الفارين بعدما اشتعلت نار الحرب في ديارهم ومنازلهم، ليجدوا في أوروبا «الآمنة» خير ملاذ لجمع الشتات والتقاط الأنفاس، وتنقية الأسماع من صوت الرصاص ودوي البراميل المتفجرة.

اللاجئون وجدوا أنفسهم في أكثر من مرة داخل الحدث، بعدما توجهت إليهم أصابع الاتهام بالضلوع في عدة تفجيرات، وهو ما لم يثبت على الأقل حتى الساعة بالدليل القاطع.

ألمانيا، إحدى الدول التي استقبلت عددا مهما من المهاجرين من عدة جنسيات على رأسها السورية والعراقية والأفغانية، ثم بضع مئات من المغاربة والجزائريين الفارين من نار البطالة طمعا في جنة «أوروبا»، وجدت نفسها أمام ضرورة معرفة الهوية الحقيقية للاجئين، خصوصا بعدما ضرب الإرهاب البلاد، كما كانت قد سجلت أحداث أخرى من قبيل التحرش والاغتصاب تم اتهام اللاجئين العرب بارتكابها.

إلا أن بلاد المستشارة أنجيلا ميركل لم تجد خيرا من الفايسبوك لكي يلعب دور شرطي الاستخبارات لكشف حقيقة هوية القادمين إلى البلاد.

الخطوة، إذن، تم إعلانها بحر الأسبوع الماضي من قبل توماس مايزيير، وزير الداخلية الألماني، الذي أخبر اللاجئين والمهاجرين من الجنسيات المختلفة بأنهم قد يضطرون مستقبلا إلى إعطاء هواتفهم للشرطة من أجل تفتيشها ومعرفة نوع المنشورات والمتابعات التي يقومون بها.

مايزيير الذي أعلن ذلك في ندوة صحافية حول تدابير مكافحة الإرهاب في البلاد، قال إنه سيتوجب على اللاجئين، وفق الاتفاقيات الدولية، تسليم هواتفهم الذكية لنقاط الأمن والتفتيش في حالة إذا لم يتوفروا على جواز سفر، حسب ما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية.

الوزير الألماني خاطب طالبي اللجوء قائلا: «إذا كنتم ترغبون في القدوم إلى ألمانيا، فيجب أن يكون هنالك تفتيش آمن، كإطلاعنا على سجل صداقاتكم على الفايسبوك خلال الأشهر الأخيرة»، مضيفا: «غالبا ما تصادفنا حالات لا يكون فيها اللاجئون يحملون أي بيانات شخصية أو أوراق ثبوتية، لكن الجميع يحمل هاتفا محمولا للاتصال والتواصل مع أهله وأصدقائه من غربته».

طلب البيانات الفايسبوكية جاء خطوة تطمح من خلالها الدول الأوروبية إلى التحقق من هويات الملتحقين بشكل يضمن عدم قيامهم بأي أعمال إرهابية أو تخريبية، وهو الأمر الذي كانت قد سبقت إليه دول أخرى كالدنمارك والسويد والنرويج وهولندا، هذه الدول بدأت منذ مدة ليست بالقصيرة بتفتيش هواتف اللاجئين بشكل روتيني في حالة تعذر الحصول على أوراق رسمية، والتي في غالب الأحيان يتخلص منها اللاجئون المهاجرون اجتنابا للمتاعب في الطريق ومن أجل عدم الكشف عن هوياتهم.

ففي الدنمارك، مثلا، كان السلطات التشريعية قد أصدرت قانونا يعطي الحق لرجال الشرطة بمصادرة هواتف المشتبه بهم في حال ثبت أن هذا الأمر سيكون كافيا من أجل معرفة شخصية المشتبه به بشكل كامل، حيث كانت صحيفة «بوليتكين» الدنماركية قد أصدرت تقريرا حول قيام موظفي الهجرة بمصادرة هواتف 55 طفلا مهاجرا ليس بصحبتهم كبار لمدة شهر كامل قبل إعادة هذه الأجهزة إلى أصحابها.

ماذا كشف الفايسبوك؟

تبني الدول الغربية لهذه الخطوة يأتي، حسب عدة متتبعين، لإثباتها القدرة على الوصول إلى عدد من المشتبه فيهم.

ففي ألمانيا دائما، قاد تفتيش قامت به الشرطة لهاتف شاب سوري إلى التوصل إلى عدة صور تم التقاطها أثناء قتاله بالأراضي السورية، حيث كانت بعض وسائل الإعلام قد قالت إن المشتبه به كان يرمي إلى القيام بعملية بأحد ملاعب «البوندسليغا» بعد استئناف دوري كرة القدم.

صور أخرى كانت قد كشفت فرار عدد من الذين تلاحقهم تهم «مجرمي حرب» أو «مجرمين ضد الإنسانية» وسط صفوف اللاجئين.

عدد من اللاجئين أطلقوا صرخات استنجاد على الفايسبوك من خلال صفحات تنشر صور مقاتلين في صفوف بعض الأنظمة والميليشيات الموالية لها، وقد غيروا من شكلهم، وتسللوا وسط الحشود من أجل الوصول إلى ألمانيا بعدما كانوا في الأمس القريب يوجهون رصاصهم نحو صدور عدد من الأبرياء. وقد خرج عدد من قادة هذه الميليشيات عبر تسجيلات مرئية يطالبون فيها مقاتليهم بالعودة إلى ساحة المعركة، وعدم ترك الحرب والاستجمام في المنتزهات الأوروبية.

موقف المغاربة من التفتيش!

يعتبر المغاربة أحد أهم المهاجرين الذين استغلوا فتح الحدود في وجه اللاجئين من أجل العبور إلى الضفة الأخرى بطريقة أخرى غير قوارب الموت.

أحد المغاربة المستقرين في ألمانيا منذ ما يقارب 6 أشهر قال، في تصريح لـ«أخبار اليوم»، إن حالة من الاطمئنان والراحة تعم المقيمين حاليا في الديار الألمانية من هذه الحملات التفتيشية لأنها تقوم بتنقية الوافدين من المخربين، كما تتيح للراغبين في بناء مستقبل البقاء شرط احترام القانون العام.

المتحدث ذاته قال إن عملية التهجير بدأت تخف نوعا ما بعد هذه العمليات التفتيشية، كما أنها وفرت جوا من الراحة بدل التوتر الذي كان يسود بمجرد قيام شخص ما بأي عمل تخريبي، حيث يبدأ الخوف من الترحيل والعودة، وهو ما لا يتم على الأقل حتى الساعة، حيث ينتظر المئات من المغاربة مرور ملفاتهم أمام المحاكم المحلية من أجل الحصول على أوراق ثبوتية، بدل تلك التي فقدوها، تتيح لهم البقاء في ألمانيا المستقرة حاليا مقارنة ببعض الدول الغربية الأخرى، كفرنسا وبلجيكا وإسبانيا، حيث يوجد المهاجرون بين مطرقة الأزمات الاقتصادية وسندان إلصاق تهم «الإرهاب» بهم.

المهدي الزايداوي.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبوه الناج أمبي منذ 6 سنوات

متىأنشدت قصيدةبانت سعاد