انتبهوا.. مصر تنهار

19 أغسطس 2016 - 22:00

يطوف السفير المصري بالرباط، منذ مدة، بملف كبير، فيه كل ما كتبته عن انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي منذ ثلاث سنوات. يحمل سعادته أدلة الاتهام ويعرضها، في كل مناسبة، على وزارة الخارجية والتعاون وجهات أخرى، ووصل قبل سنة إلى رئاسة الحكومة طالبا من عبد الإله بنكيران لقاء للشكوى من صحافي يعادي مصر كما يدعي (مصر كلها أصبحت مختزلة في الجنرال الذي يحكم مصر اليوم). أصدقاء مشتركون نصحوا سعادة السفير بالاتصال بهذا العبد الضعيف مباشرة، ومحاولة إقناعه بعكس ما يكتبه، والتواصل معه في الحد الأدنى للتخفيف من حدة نقد النظام، إن كان الأمر يزعج السفارة إلى هذا الحد، فرد عليهم السفير: «مفيش فايدة. لقد تحدث معه الملحق الصحافي أكثر من مرة، وأوضح له طبيعة الأحداث في مصر، والمخاطر التي كانت تهدد البلد لولا إنقاذ السيسي لبلاد النيل، لكنه لم يغير رأيه، ويصر على تشويه صورة النظام المصري في المغرب، وترويج أحكام مسبقة مصدرها الجهات المعادية (الإخوان المسلمون)».
السفراء، عموما، مثل مكبر الصوت، لا ينقلون إلا مواقف بلادهم الرسمية، وليس مطلوبا منهم أن يقتنعوا بها. أحيانا يضطرون إلى إقناع الآخرين بما لا يقتنعون به هم، لكن مطلوب من السفراء حدا أدنى من الدبلوماسية وفن العلاقات العامة، وإلا فإن الصمت حكمة. كان السادات يقول: «الدبلوماسي هو الذي يصمت بأكثر من لغة». أنا لن أزيد على ما قالته مجلة The Economist في ملف نشر قبل أسبوعين تحت عنوان: «انهيار مصر»، وفيه نقرأ: «لقد برهن الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي استولى على السلطة سنة 2013، على أنه أكثر قمعا وقسوة من حسني مبارك الذي سقط خلال الربيع العربي، وأكثر سوءا في تدبير الاقتصاد من محمد مرسي، الرئيس الإسلامي المنتخب الذي انقلب عليه السيسي». وبالأرقام، تقول أعرق مجلة في أوروبا: «النظام المصري عموما شبه متوقف، لا يكاد يمشي إلا ببعض الحقن المالية الآتية من دول الخليج، وبدرجة أقل من أموال المساعدة العسكرية الأمريكية. ورغم ملايير البترودولار التي تتدفق على النظام، فإن البطالة وصلت إلى معدل 40%، وعجز ميزانية مصر وحسابها الجاري مستمران في الارتفاع، على التوالي، بـ12٪‏ و7٪‏ من الناتج الداخلي الخام. ورغم كل خطابات السيسي التي يتغنى فيها بالسيادة والوطنية، فقد ذهب يتسول مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار».
القناة الجديدة التي افتتحها الجنرال السنة الماضية لم تأت بمداخيل جديدة للخزينة المصرية لأن حركة الملاحة البحرية تراجعت هذا العام، ولأن المشروع لم يخضع لدراسة علمية دقيقة. الجنرال يريد شرعية إنجاز بسرعة كبيرة، ولم يجد إلا توسيع قناة السويس، والعاصمة الجديدة التي أعلن السيسي بناءها في الصحراء، على غرار دبي، لن ترى النور، ومساعدات الخليج خفت، وستشح مستقبلا لأن أسعار النفط في نزول، ومؤشرات فشل الانقلاب في تصاعد.
السيسي استولى على قطار مصر بالحديد والنار، وطرد سائقه الشرعي، واحتجز الركاب، وسجن المعارضين، لكن الجنرال لم يستطع أن يحرك القطار ولو مترا واحدا، والنتيجة أن الجميع أصبحوا رهائن في بلاد الفراعنة.. الذي قاد الانقلاب، والذي سقط ضحيته، والذي وقف يتفرج.. الجميع في ورطة.
رائحة الدم تنبعث من مصر كل صيف تذكر بمجزرة رابعة وأخواتها، والنظام يزداد قمعا مع ازدياد فشله في إدارة البلاد التي تواجه أزمات بلا حصر، في حين أن الإعلام يلعب دور الساحر الذي يوظف الخدع البصرية لإلهاء الناس، ظنا منه أن هذا هو المسكن الفعّال لشعب قاد انتفاضة عارمة على نظام مبارك ليجد نفسه أمام نظام أسوأ.
لا ينتظر الواقعيون ثورة جديدة في مصر عما قريب، فالشعب أنهكت قواه، ويحتاج إلى وقت قد يطول ليتحرك من جديد، ولا ينتظر العارفون بخبايا الجيش انقلابا عسكريا ضد السيسي، لأن هذا الأخير ورّط جل قيادات العسكر في الحرب على جماعة الإخوان وفي الانقلاب على العملية السياسية، حتى إن الدم طال شرف الجيش الذي لم يحارب منذ 1973، وتفرغ للتجارة والصناعة والبناء والخدمات، حتى صار يسيطر على ثلث اقتصاد البلد، لكن، في الوقت نفسه، لا بد أن يمد العالم يد المساعدة لمصر، لأن انهيارها سيصيب المنطقة كلها بزلزال كبير لا يعرف أحد أين سيقف، ولا ماذا سيخرج منه. لا بد من الضغط على السيسي من أجل إعلان عدم ترشحه لولاية أخرى، ولا بد من الضغط على نظامه لكي يفرج عن آلاف المعتقلين السياسيين في سجونه، وأن يطلق عملية سياسية لإعادة فتح النظام لمشاركة كل المصريين. عرب الخليج، الذين قدموا الرعاية كاملة للانقلاب وما تبعه من مجازر، تقع عليهم المسؤولية الكبرى، مع أمريكا وأوروبا، للضغط على الجنرال من أجل الرجوع إلى الخلف، والتخلي عن سياسة إرهاب الشعب، وتدمير مقدرات البلد في مشاريع فاشلة، وفي سلسلة من دورات الفساد لا تنتهي.
مرسي لم يكن رئيسا نموذجيا لمصر، كانت له ولجماعته أخطاء كبيرة وسذاجة لا توصف، لكنه كان يسمع نبض الشارع، وكان يراجع نفسه وقراراته، ويضرب حسابا لغضب المواطن. اليوم، الجنرال لا يسمح لأحد بانتقاده ولا حتى بنصحه، ببساطة، لأنه لم يأتِ بصناديق الاقتراع، ولا يشعر بأن في عنقه دينا لأحد… لكن لمصر دينا في عنق الجميع، وهي لا تستحق ما يفعله أبناؤها بها اليوم.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

Ziryab منذ 7 سنوات

في العالم اليموقراطي تنشأ الدول جيشا ليحميها أما في الدول المتخلفة، الجيوش تنشأ دولا لتحميها

مراقب منذ 7 سنوات

مع الأسف مصر اختطفها العسكر منذ 1952ووضعوا شعبها في زنزانة لن يخرج منها الا بزوال الحكم العسكري الذي استنزفها وبدد خيراتها وطاقاتها وحولها من دولة وازنة الى شبه دولة مفلسة وهذه هي شيم انظمة عسكر العالم الثالث،وهم مع الأسف لن يتركوها الا بعد ان يخربوها تماما كما وقع في جميع الدول التي ابتليت بالأنقلابات العسكرية،ولولا الدعم الخارجي الذي تقدمه دول الخليج لخوفها من قيام نظام مدني ديموفراطي في مصر وكذا العم سام راعي العسكر الأول منذ 1952،لكان هذا المسخ الذي من مخلفات الحرب الباردة قد انزاح. لذا فان الدول التي تقدم الدعم لهذا النظام تطيل معاناة الشعب المصري ويجب عليها ان لاتفعل وتتركه ينهار،وغير صحيح أن انهيار النظام ستكون له عواقب على المنطقة،فمصر العسكر لم يعد لها اي تأثير لا في أفريقيا ولا في الشرق الأوسط فلا دور لها في السودان ولا سوريا ولا العراق ولا اليمن ولا ليبيا ولم يعد لها دور في الصراع الأسرائيلي وهي محتاسة في مشكلة السد مع اثيوبيا وحكامها منشغلون بقمع الشعب المصري والطواف على دول الدعم للحصول على مزيد من الأموال لتبديدها في مشروعات وهمية .لك الله يا مصر، ولك الله يا شعب مصر العريق ،ومنكم لله يا من تطيلون معاناة الشعب بدعم نظام عسكري لم يعد له مثيل في العالم.

المعلم منذ 7 سنوات

استنتاج صائب فالحل مارآه الكاتب، لابد من إطلاق آلاف المعتقلين السياسيين ولابد من إطلاق عملية سياسية لمشاركة كل المصريين وأن يلزم الجيش حدوده التي تتمثل ي حماية الوطن هذا إن أرادت مصر حقا أن تتصالح مع شعبها ومع العالم وأن تسلك طريق الديمقراطية التي قتلها السيسي بانقلابه على السلطة الشرعية.

االفيكيكي منذ 7 سنوات

مقال جيد إلى أن الفقرة الا أن الفقرة التي تكلمت فيها عن سذاجة مرسي وجماعته أريدك أن توضحها أكثر. .

Taoufik Alsharif منذ 7 سنوات

الرجاء قراءة و بحث عن وثيقة الصحفي الإستراتيجي الإسرائيلي أوديد ينون، التي تحمل عنوان "الخطة الصهيونية للشرق الأوسط في الثمانينيات" ومخطط اظعاف مصر واعادة احتلال سيناء باي دريعة ومع الوضع الراهن كل شئ ممكن.

حسام الحساني منذ 7 سنوات

مقال رائع

كرماوي منذ 7 سنوات

الانقلابيين والانفصاليين ماعندهم لادين ولاملة عملة واحده يبيعوا والديهم اد اقتضى الامر

التالي