رائحة من سنوات الرصاص

25 أغسطس 2016 - 11:16

العديدون، حتى من خارج دائرة الإسلاميين، يعتقدون جازمين أن «حملات» التوقيف والتشهير، جنسيا، بقياديين في العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح.. ليست بريئة، وأن الغرض منها هو فسخ حزام العفة والأخلاق الذي يضربه الإسلاميون على كل خطاباتهم والكثير من سلوكاتهم؛ وإلا فلماذا لا نسمع عن «فضائح جنسية» في بيت باقي الأحزاب، رغم أننا قد نراها في سلوكات العديد من زعمائها مِمَّن لا يتحرَّجون في عيش حياتهم الخاصة في ملاهيَ عامة؟
مناسبة هذا القول هو توقيف القياديين في حركة التوحيد والإصلاح، مولاي عمر بن حماد وفاطمة النجار، من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي لم يسبق لها أن تنقلت من مقرها بالدار البيضاء إلى مدينة أخرى لاعتقال شخصين بالغين بينهما علاقة –بصرف النظر عن طبيعتها- لا تهم أحدا غيرهما ولا تضر أو تنفع سواهما. الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول الأدوار غير القضائية التي تورطت فيها هذه الفرقة القضائية، المتخصصة في محاربة الإرهاب والفساد المالي والاتجار الدولي في المخدرات وتبييض الأموال.
لقد كنت شاهدا على واقعة، على صغرها، تبرز بعض تجاوزات «BNPJ» واضطلاعها بأدوار غير موكولة إليها؛ فيوم رافقت المعطي منجب، وهو على كرسي متحرك، إلى مقر الفرقة بالدار البيضاء، باعتباري منسقا للجنة التضامن معه، فوجئت بمصور يخرج من مقرها ويلتقط صورا لنا ثم يعود مهرولا باتجاه المقر. أذكر أن نقاشا دار بيني وبين فؤاد عبد المومني الذي قال لي: «خليه كيدير خدمتو» فأجبته: «لا، الفرقة الوطنية للشرطة القضائية مهمتها توقيف واستدعاء المطلوبين واستنطاقهم وإنجاز محاضر لهم وتسليمها وإياهم، إذا اقتضى الأمر، للقضاء. فهي ليست جهازا يتعقب أشخاصَ ليسو مطلوبين للقضاء وينجز صورا ومحاضرَ احترازية لهم».
توقيف ومتابعة القياديين في حركة التوحيد والإصلاح، مولاي عمر بن حماد وفاطمة النجار، هل هي حالة معزولة، أم سياسة ممنهجة للتشنيع بالأصوات المزعجة والتيارات العصية على الترويض والتطويع، أم أن العديد من الأصوات داخل مواقع التواصل الاجتماعي ربطت بين تسريب وثيقة- طلب الحبيب الشوباني الحصول على 200 هكتار وتسريب وثائق «فضيحة أراضي خدام الدولة» التي اتهمت وزارتا الداخلية والمالية، بشكل مضمر، حزب العدالة والتنمية بالوقوف وراءها.
إذا سايرنا هذه القراءة، واستحضرنا ما تعرضت له نادية ياسين من نهش لحياتها الخاصة على مواقع وجرائد مشبوهة، بالموازاة مع حراك الشارع المغربي في 2011، وما يتعرض له يوميا عشرات النشطاء، اليساريين والإسلاميين، ممن يطالبون بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فيكون الجواب عنهم اتهامهم بـ»الشذوذ» و»الخيانة الزوجية» و»إفطار رمضان» و»العمالة للجزائر»… إذا سايرنا هذه القراءة، مع ما يواكبها من حديث عن عودة التحكم، فإننا سنكون أمام استنساخ تام للحالة التونسية زمن بنعلي، الذي لم يسع فقط إلى خنق الحياة السياسية واختزالها في حزبه «التجمع الدستوري الديمقراطي»، بل عمل أيضا على تأسيس نموذج بوليسي يقوم على التربص بالمعارضين وتشويههم جنسيا.
قبل شهر بالتمام، كنت رفقة السيد مصطفى الرميد، في ندوة بأكادير، فسألته: ألا يعرف المغرب عودة سياسة ممنهجة للتضييق على الحقوق والحريات، وفق المحددات التي وضعتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان، فيما أنتم تعتبرون أن ما يحدث من تجاوزات لا تعدو كونها حالات منعزلة قد تحدث في كل الدول حتى الديمقراطية منها؟ لاحظت استغرابا على وجه وزير العدل والحريات، فتابعت: «عندما تعطي وزارة الداخلية أوامرها لسلطاتها في كل المدن بمنع أنشطة جمعية حاصلة –ياحسرة- على صفة النفع العام، مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. عندما تمتنع عن تسلم ملفات العديد من الجمعيات. و أضيف الآن: عندما تصبح مهاجمة الحقوقيين والصحافيين والسياسيين، العصيين على الاحتواء، جنساً صحفيا جديدا تتفنن فيه جرائد ومواقع مشبوهة، ويكون الهجوم على هؤلاء معززا بصور حميمية وكشوفات بنكية ومكالمات هاتفية… ألا يعتبر هذا انتهاكا ممنهجا لحقوق الإنسان، تفوح منه رائحة سنوات الرصاص الكريهة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مختار يمي منذ 6 سنوات

شكرا على هذا المقال النتوازن و الموضوعي .... قارىء لك من الجزائر...

abdo ali منذ 6 سنوات

بالمناسبة ماهي أخبار عصابة الاتجار الدولي في المخدرات، التي ذهبت الفرقة الوطني شاطئ المنصورية للتربص والايقاع بها؟؟!!! أم أنها نسي الموضوع ولم يعد أمر إلقاء القبض على مروجي المخدرات يهمها في شيء لما وقعت على "صيد ثمين" ذلك الصباح وبشكل عرضي !!! ياسلام !! أين تجار المخدرات الذين ذهبتم تبحثون عنهم يا ايها المسؤولون عن أمن الملايين من المواطنين وصحتهم في مواجهة هذه الآفة التي تستفحل يوما عن يوم، وتباع لأبناء المغربة جهارا نهارا ... أنتم مسؤولون عن أي تقصير أمام الله والشعب والوطن

عبد اللطيف الريسوني منذ 6 سنوات

الكذب , والبهتان , والتحايل , والنصب , والاحتيال , قيم لاتحرم ولا تستقبح الا في كتب التربية والفقه والمواعظ , ومن على المنابر والخطب , والاحادييث الودية بين الناس , ولا يلتزم بها عمليا الا من كان مؤمنا حقا (بالدين او العقل او الفضيلة او الانسانية ...) مستعدا ان يقبض على الجمر , عمليا اغلبنا يمارس البهتان والكذب والنصب والاحتيال , ونفتخر بممارسته واتقانه , ونمجد مقترفيه , ضمنا وتصريحا , نقائص كثيرة هي سلوك معتاد في حياتنا العملية , فقط ,ممجوجة او محرمة او ممنوعة او مكروهة , في كتبنا او في قوانيننا وتشريعاتنا وكل ادبياتنا , بهذا طبييعي ان يكون زعماؤنا وقاداتنا وسياسيونا ... اكثرنا كذبا وبهتانا ونصبا واحتيالا , لاوجود للصدق والفضيلة في عالمهم , وهذا نوع من الارهاب , نحن حاضنته , وما يحدث وما يروج هذه الايام ونعيش تفاصيله ونشم نتانته لايحتاج الى اثبات

maati monjib منذ 6 سنوات

Bravo. Cla ir et instructif

سلوى منذ 6 سنوات

كما عهدناك دائما صحفي متميز وتحلييل ممتاز

عبد الهادي مقوري منذ 6 سنوات

مقال جميل وموضوعي . شكرًا لك على إثارتك لهذا الموضوع