يتهم فؤاد عبد المومني، رئيس منظمة “ترانسبارنسي”، السلطات باللجوء إلى الحرب الأخلاقية ضد معارضيها أو خصومها، معتبرا أنها ترتكب خطأ جسيما بتشويه النخب.
لماذا تتهم السلطات باللجوء إلى الحرب الأخلاقية ضد معارضيها أو خصومها؟
لأنها تفعل ذلك بالفعل، ولديها تاريخ في تنفيذ هذه الحرب، لاسيما في عقد الستينات وبداية السبعينات، لأن المعارضة آنذاك كانت في مواجهة مفتوحة مع القصر، وكانت حجة المعارضين أن المحيط الدائر حول الملك فاسد، فردت السلطة بالأسلوب نفسه، وراحت تحاول ضرب مصداقية هؤلاء المعارضين. لقد كانت استراتيجية الدولة، في هذا السياق، سيئة للغاية على تطور النخب في البلاد، لأن السلطات لم تسع يوما إلى الرقي بمستوى النخب الدائرة من حولها، بل أرادت تحويل النخب الأخرى إلى حال يشبه تماما حال النخب «الفاسدة»، وقد نجحت هذه الخطة في كثير من الأحيان.
كيف حدث ذلك؟
لأن النخب البعيدة عن القصر أو خارج قيود السلطة لم تستطع أن تقاوم الرغبة الجامحة في الحصول على منافع، والنظام نفسه أشبع نهمها بشكل كبير، فمنحها الامتيازات والمنافع الريعية، وسلمها مقاليد مؤسسات عمومية، ثم وظفها في مناصب عليا، وبعضهم أصبحوا وزراء، وهذا جزء فقط من الخطة، لأن الدولة، وهي تفعل ذلك، كانت تتحين الفرصة للإيقاع بهم في أول خطأ جسيم.
إن البشر بشر، وأي شخص يكون محروما أو غير ذي خبرة في ما يتعلق بالمال أو الاستمتاع بالحياة وفق شروط مريحة، فإنه من المرجح أن يقع في المحظور.
لقد استعملت هذه الطريقة لتشويه صورة التيارات التي ينتمون إليها، وحولتهم الدولة، بشكل تدريجي، إلى طبقة من المنتفعين الجديد الذين لا يختلفون عن أولئك الذين كانوا ينتقدونهم قبل أن يذوقوا حلاوة السلطة. لقد وضعت السلطات الناس بين خيارين؛ إما النخبة المنافقة التي كانت تدعي أشياء اتضح أنها لم تكن تؤمن بها كثيرا، أو طبقتها الخاصة من النخبة التي، وإن كانت «فاسدة»، فهي أفضل في كل الأحوال من أشخاص ماكرين يستعملون الشعب لتحقيق منافعهم. وباستعمال الجنس أو المال، فإن التيارات اليسارية بصفة عامة تعرضت للكثير من التشويه، وعندما انتهي من أمرها، ظهر أن هناك طرفا جديدا يجب الاهتمام به بالطريقة نفسها، أي الحركات الإسلامية.
لكن، ألن تؤدي هذه الأساليب إلى نتائج عكسية بالنسبة إلى الدولة، أو قد تدمر أي آمال في إفراز نخب قادرة على مواكبة طموحات البلد؟
بالنسبة إلى الجزء الأول من سؤالك، فإني أعتقد أن ذلك أمر ممكن، وقد استنكفت الدولة عن استعمال هذه الأساليب منذ عام 2000 حتى 2010، لكنها وجدت أنها فقدت طريقة جيدة في تطويع النخب بعدما وجدت نفست وجها لوجه إزاء حراك 2011، وستستعيد المبادرة بشكل تدريجي عام 2013 لتطلق يد الأجهزة لممارسة هذه الأساليب ضد خصومها، ابتداء من نشطاء حركة 20 فبراير، ثم النشطاء السياسيين الذين يعارضون الحكم. لقد أعادت السلطات عقارب الساعة إلى مرحلة الصراعات التكتيكية.
والمشكلة الخطيرة أن الدولة لا تكترث بأن البلاد ستصبح بدون نخب ذات مصداقية، لأن اعتمادها على نخب تقليدية مسنودة بالمنافع والريع والمصالح، ولا تمتلك أي سلطة قرار مستقل، لن تكون له أي نتائج عملية.
إنهم يعتقدون أن الخطر قد زال الآن، وهم يحللون الأمور بمنظور «انتحاري» حاليا، وحتى ولو بلغ تأثير هذه الحملات درجة دفع الجماهير إلى التخلي عن نخبها الحالية، فإن المجتمع بمقدوره تشكيل نخب جديدة، وحينها ستحدث المشكلة التي قد لا تحل بالحروب الأخلاقية.