برغماتية العدالة والتنمية

31 أغسطس 2016 - 22:00

تتجه المعركة السياسية والانتخابية بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة لتكون مواجهة (حياة أو موت)، بمقتضاها يحصل المنتصر على كل شيء تقريبا، ويفقد الخاسر كل شيء إلى حد ما، ولهذا يخرج كل طرف أحدث الأسلحة التي بحوزته وأكثرها فتكا بخصمه، فيما الأحزاب الأخرى تقف على مسافة تتفرج في هذا النزال القاتل، آخر فصول هذه المواجهة اشتعلت على جبهة التزكيات الانتخابية، وهي تزكيات من نوع خاص.

أقدم حزب العدالة والتنمية على فتح قوائمه الانتخابية لشخصيات من مشارب مختلفة لا تنتمي إلى الحزب، وربما لا تقاسمه كل تفاصيل مشروعه السياسي والفكري، فوضع السلفي حماد القباج الذي تمرد على شيخه الوهابي محمد المغراوي على رأس لائحة كيليز في مراكش، ووضع نجيب الوزاني الذي يرأس حزب العهد على لائحة الحسيمة، ووضع بوصوف المنشق عن البام في تاونات، ووضع الشاب المتمرد سمير عبد المولى ثانيا في قائمة بوليف بطنجة، ويستعد لوضع نساء ورجال من اليسار واليمين على قوائمه الانتخابية من أجل دخولهم إلى مجلس النواب تحت ظل المصباح، الذي يتوفر على هامش انتخابي واسع يسمح له باستقطاب أسماء كثيرة إلى قوائمه الانتخابية دون أن يخشى شيئا.

سألت أمس عبد الله بوانو، رئيس الفريق النيابي للعدالة والتنمية، عن دلالات هذا الانفتاح على أصوات من خارج الحزب فقال: «رسالتنا إلى الجميع من وراء هذه الترشيحات تتلخص في بعدين: أولا، حزب العدالة والتنمية حزب مفتوح في وجه كل المغاربة وليس لطائفة أو تيار. ثانيا، معركتنا الأولى هي ضد التحكم وضد الحزب الذي يريد إرجاعنا إلى الوراء، وكل من هو مقتنع اليوم بأن التحول الديمقراطي في بلادنا في خطر، فسنضع يدنا في يده ونقدمه على أخواتنا وإخواننا في الحزب من أي اتجاه كان، ومن أي إيديولوجية كان، هذا هو استحقاق المرحلة».

نجيب الوزاني الذي تربى في حزب الحركة الشعبية قبل أن يغادرها لتأسيس حزب العهد، خاض تجربة فاشلة للاندماج في حزب البام، لكنه خرج مبكرا لما أحس أنه سيذوب في مشروع آخر لا يبحث عن الأحزاب الصغيرة التي ضمها تحته إلا ليحل إشكالية الولادة الملتبسة. الوزاني عاد ليقف في وجه البام في الحسيمة معقل الريف، لكن هذه المرة حاملا سيف المصباح، فقد قال أول أمس في اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، حيث حضر للمصادقة على تزكيته على رأس اللائحة في الحسيمة: «أنا أترشح اليوم على قوائم «البي جي دي» في الحسيمة لمواجهة الخوف، ولتشجيع الناس على التصدي للتحكم الذي يريد أن يخيف المواطنين في هذه المدينة».

قبل العدالة والتنمية المغربي، جرب زميله التركي سياسة الانفتاح على شخصيات وتيارات من داخل وخارج معسكره الإسلامي، وكان شعار أردوغان آنذاك يقول إن حزب العدالة والتنمية مثل شمسية parasol كبيرة، وهي تظلل كل من يناهض سلطة العسكر الذي كان يتحكم في البلاد، وكل من يسعى إلى الحرية بغض النظر عن اسمه وعنوانه ونمط عيشه وتوجهه الفكري، سيجد مكانا تحت هذه الشمسية، وإن حزب المصباح ليس حزبا إيديولوجيا ولا عقائديا، بل هو حزب سياسي يدافع عن الحرية السياسية واقتصاد السوق، وأمله الكبير الالتحاق بالاتحاد الأوروبي. وإذا كان مؤسسوه محافظون، فإنهم مثل سائق قطار يحمل وراءه مسافرين من كل الاتجاهات لكن لوجهة واحدة. بهذه السياسية البرغماتية نجح الحزب التركي في استقطاب سياسيين وجامعيين ومثقفين وفنانين من كل الاتجاهات، ولم يكن شيخ أردوغان نجم الدين أربكان يتصور أنه سيتواجد معهم تحت سقف واحد..

سيسيل ترشيح القباج والوزاني وبوصوف وآخرين الكثير من المداد، وسيتهم حزب بنكيران بأنه يخلط الأوراق ويهرب من التصنيف، وأنه يمس بنقاء الانتماء الحزبي، لكن يجب أن ننتبه إلى ملاحظتين في هذا السلوك السياسي: الأولى أن العدالة والتنمية يمنح لهذا النوع من المرشحين حظوظ الفوز بأصوات وجودة في حوزته يضمنها إشعاعه وحضوره التنظيمي وآلته الانتخابية القوية، في حين أن هؤلاء المستقلين يمنحونه طابع الانفتاح. في الوقت الذي يطلب فيه الأصالة والمعاصرة من مرشحيه الكبار البحث عن الأصوات بمختلف الطرق، وإهدائها إلى حزب لا جذور له تنظيمية في التربة السياسية المغربية، في حين يعطيهم هو المقعد في البرلمان والوجاهة في المجتمع. المسألة الثانية هي أن ترشيحات «البي جي دي»، وبغض النظر عن طابعها البرغماتي والتكتيكي في معركة انتخابية شرسة، فهي تعمق من توجه هذا الحزب نحو الانفتاح على المجتمع والانخراط في نسيجه الثقافي والسياسي، والخروج من الخانة الأصولية إلى الخانة المحافظة التي تقبل بالتعددية السياسية والإيديولوجية، وتحتكم إلى الديمقراطية بما لها وما عليها. فأن يعلن حزب الإسلاميين المغاربة أن معركته اليوم هي مواجهة التحكم وحماية الانتقال الديمقراطي الهش والدفاع عن الإصلاحات الدستورية، وليس تطبيق الشريعة أو تنصيب الحكومة الإسلامية أو القضاء على العلمانية أو العودة إلى نموذج سلفي مات ولن ترجع إليه الحياة… فهذا تطور مهم بغض النظر عن «البوليميك»، وعن درجة التزامه بهذه الشعارات وجدالات آخر ساعة انتخابية.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الوازاني سهيل منذ 6 سنوات

أما حزب البام، فهو بعيد عن الانتخابوية ولا يوفر التزكية لأباطرة الفساد والمخدرات، ولنخبة لا ضمير لها ترى السياسة وفق نموذج يتناقض فكريا وثقافيا مع أهوائها برنامج الجرار يتميز عن غيره على أنه غير ورقي، وتسطره نخبة متهاوية تحت إشراف مخزن تتلاشى معالمه

aziz madrane منذ 6 سنوات

يا سيد بوعشرين إن قراءة مقالاتك تنور القارئ وليست مضيعة للوقت، شكرا.

رشيد المعقول منذ 6 سنوات

انه سلوك الهجوم المضاد . والمحاربة بالمثل .

hakim منذ 6 سنوات

bonjour je vie au canada , je suis du même avis s'ils mettent le PAM (j ai utilisé mettre et pas réussir) moi aussi adieu le maroc.

sara el edrissi منذ 6 سنوات

طبلو وزمرو بالنهاية الملك الحكم ودعونا من خدعة الأصوات والشعب ولهداااااا يا ملكي الحبيب أن نصبتم الأصالة والمعاصرة في الحكومة المقبلة فساقول أنا بصفتي مغربية المانية الجنسية وتعيش بالمغرب وتعشق وطنها وملكها فلن أقول إلا ودااااااااعا ياااامغرب ..... أنا وكل الجالية بألمانيا اغلبيتها ترجو حكومة تانية ولاية تانية لابن كيران لا نرييييييييد الرجوع لمغرب الخمسينات تحت ولاية العماري ...... ويااااااحسرتاه على أمن المغرب فصدقوني أن نجحت البام فالمغرب سيشهد نفس ماشهدته مصر وسيناريو مصر سيتكررر ...... كان مجرد رأي بسيط شكرا لك استادي #بوعشرين

التيه الانتخابوي .. منذ 6 سنوات

اعتقد انه لو كان حزب العدالة والتنمية متأكدا من فوزه من الرتبة الأولى ما كان سيلجأ لهذا التهافت الانتخابي بهذا الشكل واستقطاب بعض المتهافتين على الانتخابات والذين لا يملكون بوصلة سياسية قارة ، نجيب الوزاني معروف بتهافته الانتخابي فهو لا يعرف الاستقرار الفكري والسياسي ويمكن له أن يصطف في الاتجاه الذي يعتقد انه قد يكون هو الفائز ، أما بعض المرشحين الآخرين فأما انه كانت له إشكالات ما أحزابهم ما جعلهم يبحثون عن ملجأ يوفر لهم التزكية ولن يجدوها في الأحزاب ذات السلوك الانتخابوي وليس الأحزاب ذات العمق الفكري والايديولوجي والسياسي فهل كان مثل هؤلاء الأشخاص سيذهبون إلى الاشتراكي الموحد أو الطليعة الاشتراكي ... فالأمر لا يتعلق بالبرغماتية السياسية وإنما يتعلق بالسلوك الانتخابوي الذي يخترق اغلب الأحزاب المغربية التي ظلت تحتضن تحت أجنحتها الأعيان والهاربين سياسيا ، الأمر الذي يزيد من تردي الحقل السياسي في البلاد ، هل مثل هذه السلوكات السياسية يمكن أن توجد في دولة ديمقراطية ، علما أننا قريبين من أوروبا ونشاهد كيف تدار العملية السياسية وكيف تشتغل الأحزاب وكيف يجري التنافس ... وكيف تولد الأحزاب من رحم العمق الشعبي ... حزب العدالة والتنمية تؤكد على انه ظاهرة انتخابوية ، وهو بهذا السلوك يحاول تهريب خلفيته الايديولوجية الدينية في اتجاه يوحي بالانفتاح و " العلمانية " نظرا للضغوطات الداخلية حول استغلال الدين والضغوطات الخارجية التي خلفها ما يسمى ب " الربيع العربي " واغلب الدارسين لعلم الاجتماع ركزوا على هذا التحول داخل اغلب الأحزاب التي كانت تدعي ارتباطها بالإسلام . وبالتالي يتأكد أن الأحزاب بهذا السلوك هي مفرغة من أي محتوى برنامجاتي ، سوى ذلك البرنامج الورقي العمومي الذي يكتب ، وإلا كيف يمكن فهم قبول أشخاص طالما كانت لهم توجهات وتصورات حول العمل السياسي هي متناقضة مع ما ظل حزب العدالة والتنمية يدعيه ...

عبد الهادي الرامي منذ 6 سنوات

هذا هو الخطر المحتمل لمثل هذه المغامرة .

antiterroriste منذ 6 سنوات

j'adore ce site pour son indépendance. Mais ce qui m'intéresse, c'est le mariage . comment s'est passé le mariage entre les jeune samoureux?

tarik laamri منذ 6 سنوات

هذا التوجه فيه نوع من المغامرة و هو سيف دو حدين قد تنجح العدالة و التنمية في هذا الاختيار و هذا ما نريد و تعلن عن موت حزب البام و ميلاد عهد ديمقراطي جديد

نزيه منذ 6 سنوات

البراكماتية التي ينسبها مقالكم يعتبرها العديد من شرفاء هذا البلد ونزهائه نوع من الانتهازية والجري وراء المناصب ضدا على مصلحة ومستقبل البلاد، بل وأكثر من ذلك يعتبرها العديد من الكتاب (غير المأجورين طبعا) نوع من إفساد العملية السياسية برمتها بحيث تصبح السلطة التشريعية عبارة عن بيض "مارج" يختلط أبيضه بأصفره...

عبد الواحد منذ 6 سنوات

في نظري خطة ذكية جدا تلك التي ينهجها حزب العدالة والتنمية، ستمكنه صراحة من استقطاب أكبر عدد من الأصوات وفكرت تنازل مناظلوا وأبناء الحزب عن قيادت اللوائح ومنحها للمنخرطون الجدد تبرز مدى الإلتزام . الفكري الوثيق الذي يوحدهم. بصراحة مسيرة موفقة الله ولي التوفيق

م.الشامي منذ 6 سنوات

ياك تقلو حنا حزب كحترم المساطر وقواعد الديمقراطية بين الاعضاء ادن علاش كجيو اناس اخرين من خارج الحزب تحت مبرر مواجهة البام باي كان ثم كفاش هاد الاعضاء سمحو بهاد العبث وهاد المسرحيةلمعندها حتا معنى وتمت التضحية ب مئاااات من قواعد الحزب واعضاء لربما اكتسبوا تجربة محترمة في العمليةالسياسية والانتخابية وتسمح لهم بالولوج الى خوض التجربة ثم ماهي القيمة المضافة لهؤلاء الاشخاص ؟؟؟ اعتقد الحزب غدي اقضي بهم الغرض وسمح فيهم...

اتاي بالنعناع منذ 6 سنوات

اخي منصف هكذا قيل في عهد اربكان(الحكم للعسكر) لكن عندما جاء اردغان تغيرت الامور تدريجيا.

ahmed el oujdi منذ 6 سنوات

مكان لا برغماتية ولاهم يحزنون هم يعلمون انهم اصبحوا اوراق محروقة وانهم لن يحصلوا الا على اصوات الخوانجية لهادا هم يحاولوا كسب اصوات اخرى ولكن هيهات الفائز معروف مسبقا المغاربة لن يلذغوا من الجحر مرتين

مراقب منذ 6 سنوات

العدالة والتنمية لن يفوز ، والبرلمان المقبل سيشهد خريطة مبلقنة بشكل غير مسبوق، والمغرب غير مهيأ لتكرار نفس التجربة مرتين في الوقت الراهن لأسباب لامجال لذكرها. والحديث عن الأحزاب فيه مغالطة كبيرة ،فالواقع ما يوجد لدينا دكاكين وآلة انتخابية بيد الأدارة تديرها حسب مزاجها في اطار من تبادل المصالح، وما وقع خلال الولاية الحكومية المنتهية ملئ بالدروس والعبر في هذا الشأن.ولا تحملوا الأنتخابات القادمة أكثر مما تحتمل، والمغرب لا زال أمامه طريق طويل في اتجاه التداول التلقائي للسلطة.

الفيكيكي منذ 6 سنوات

تكتيك جديد لم تعهده السياسة الكلاسيكية المغربية، أحيي البيجيدي لأنه وفي كل ضرف يُبدعُ ويجدد المفاهيم، يخلق ويبتكر. أتصور أنه أحدَثَ زلزالا في الأحزاب التقليدية التي ستكرر الأسطوانة التي ملَّ منها المغاربة

منصف منذ 6 سنوات

الحكم للملك رفعت الجلسة والباقي كل شكليات

ahmed منذ 6 سنوات

اذا فاز حزب العدالة والتنمية سنشهد في البرلمان المقبل تصويت غريب حيث سيفرض على هؤلاء الذين انفتح عليهم الحزب التصويت ضد حزبهم كما حصل في الانتخابات الجهوية