يرى فؤاد عبد المومني، الاقتصادي والحقوقي اليساري، أن التقارب الحاصل اليوم بين حزب العدالة والتنمية، وفعاليات يسارية وعلمانية لا تعني “أننا بصدد توافق ديمقراطي حول برنامج ومشروع سياسي مشترك”، بل كل المؤشرات التي بدأت منذ سنوات تؤكد “أننا بصدد توافق حول قواعد العيش المشترك”، وهو توافق يسمح بالتقارب والحوار المتبادل، حسب المتحدث.
ولم يبدأ الحوار والتقارب بين الطرفين، من أجل التوافق على قواعد العيش المشترك في الآونة الأخيرة بسبب الانتخابات التشريعية المقبلة، بل إنه منذ فترة طويلة، وبالضبط “حين تخلى اليساريون عن مشروعهم الشمولي القائم على الحزب الوحيد، وديكتاتورية البروليتاريا، وإقصاء كل المخالفين بالعنف”، وهي “نفس الصيرورة التي عرفها الإسلاميون كذلك بتخليهم عن مشروع الخلافة الإسلامية، والإيمان بالعنف وسيلة لتحقيق ذلك”.
ويرى عبد المومني، أن التوافق حول قواعد “العيش المشترك” قد تمهد الطريق للخروج من الاصطفاف والتخندق الإيديولوجي نحو الاصطفاف الديمقراطي، خصوصا وأن قواعد العيش المشترك تقتضي “الاعتراف بالآخر كما هو، وعدم ادعاء القدسية من أي طرف، وعدم احتكار السلطة، والقبول بالقواعد المتعارف عليها للديمقراطية”.
وهي قواعد، حسب عبد المومني، تسمح لكل طرف ببلورة “مشروعه المجتمعي لأن لا أحد من هذه الأطراف يتوفر عليه لحد الآن”.
ومضى قائلا : “عندما تصبح لدينا ساحة سياسية يتحرك الفاعليون فيها بناء على مشاريع سياسية ومجتمعية، وليس بناء على الولاء للسلطة، آنذاك يمكن أن تتبلور قوى سياسية حقيقية”، أما المرحلة الحالية التي نمر منها فهي “ما قبل التبلور”، لأن القوى السياسية الحالية تفتقد إلى “القوة والاستقلال الذاتي، وليس لديها برنامج سياسي ومجتمعي واضح، كما أنها تفتقر إلى الكفاءات والأطر الكافية لتحقيق ذلك”.
وبدأ التقارب السياسي، في الانتخابات التشريعية السابقة، حين “بدأنا نسمع أصواتا يسارية وعلمانية تدعو إلى التصويت لحزب العدالة والتنمية، إما معبر عنها بشكل صريح كما عبّر عن ذلك كريم التازي، أو من خلال إقبال الفئات الوسطى التي تنتمي إلى المشروع الحداثي العام للتصويت لهذا الحزب”.
عبد المومني، يفسر موقف تلك الفئات بأنه “براغماتي”، فهي “تقول إن الممكن الآن هو إيجاد طرف يدخلنا إلى عهد السياسة، أي إلى مرحلة الصراع المفتوح بين القوى المستقلة عن السلطة، وتتمتع بالقوة الكافية لخوص الصراع”.
اليوم تتكرر الدعوات نفسها، وبشكل أوسع، مقارنة مع انتخابات 2011، حتى أنها شملت شبابا في حركة 20 فبراير إضافة إلى رموز يسارية وعلمانية وازنة، بات حزب العدالة والتنمية وبالأخص أمينه العام، عبد الإله بنكيران رهانا.
ورغم ذلك، فإن المومني يقول العكس “الآمال التي علّقها الكثيرون ممن صوّتوا على حزب العدالة والتنمية للقيام بخطوات جدية وحقيقة نحو الديمقراطية تبخرت، وهناك من يشعر بالخذلان من ذلك”.
ورغم ذلك، فإن عبد المومني يرى مستقبل الديمقراطية في “جبهة واسعة” تشمل “العدالة والتنمية مرورا بجماعة “العدل والإحسان”، إلى النهج الديمقراطي، وكل القوى المستقلة”.
وهذه الجبهة تقتضي “حوارا سياسيا مفتوحا، للاتفاق على القواعد أما الاختلافات فستبقى دائما”.
وأولى تلك القواعد “أن تكون المنافسة مفتوحة، والحق في الوصول إلى السلطة وممارستها كاملا، ولكن في إطار المراقبة والمحاسبة، ونتيجة انتخابات ديمقراطية دورية. حتى لا نبقى تحت الهيمنة المطلقة للمخزن”.