الداخلية تستخدم أدوات ناعمة للتأثير في المسار الانتخابي

06 أكتوبر 2016 - 17:40

بقلم: محمد مصباح

يوم غد الجمعة، سينظم المغرب انتخابات برلمانية ستمثل مقياسا مهما بالنسبة لباقي دول الشرق الأوسط، باعتبار المغرب البلد العربي الوحيد الذي ينظم انتخابات منتظمة بمستوى مقبول من التنافسية بين الأحزاب. كما أنه البلد العربي الوحيد، حيث طور الإسلاميون نتائجهم الانتخابية دون أن يؤدي ذلك إلى القلاقل والاضطرابات.

وتعكس الانتخابات التي تعرف تنافسية قوية بالمغرب الالتزام الملكي الصريح بالإصلاحات السياسية، التي تضمنها الدستور الذي جرى التصويت عليه سنة 2011، خلال فترة الربيع العربي.

وهذا الالتزام الملكي، ظهر في سلوك وزارة الداخلية، أٌقوى وزارة في الدولة، والتي كانت تتولى، في مرحلة سابقة، التحكم في نتائج الانتخابات لترضي القصر، لكنها تراجعت في الفترة الأخيرة عن القيام بممارسات مماثلة.

غير أن الإعداد للانتخابات هذه السنة، يُظهر أن التدخل في المسار الانتخابي نفسه، لا زال متسمرا.

وهو سلوك يمكن أن يعمق الارتياب بشأن المسار السياسي للمملكة ويهدد سمعة الملكية كضامن لاستقرار البلاد.

ويعد هذا السعي للتحكم، في الانتخابات أيضا أحد أعراض فشل القصر في تطبيع علاقاته، بشكل كامل مع حزب العدالة والتنمية، الذي تولى السلطة الحكومية سنة 2011.

وتعتبر الانتخابات تحت حكم الملك محمد السادس، أكثر تنافسية مما كانت عليه على عهد أبيه الملك الحسن الثاني. فعلى الأقل، اختفى الفساد الانتخابي الصارخ والبين من الساحة، ومنذ 2011، نجح المغرب في تنظيم استحقاقين انتخابيين بمستوى « مقبول » من الشفافية والتنافسية، بالمقارنة مع دول عربية أخرى.

لكن التحكم في الانتخابات لم يختف بشكل كامل، فبدل الفساد المباشر، يستعمل النظام، أو وزارة الداخلية، حاليا أدوات أنعم للهندسة الانتخابية من أجل الحصول على النتائج المرجوة أو المسايرة لخط التوقعات.

وفي هذا الإطار، تمت إعادة تصميم النظام السياسي بأكمله من أجل مزيد من تقسيم البرلمان وخلق تحالفات حكومية ضعيفة تتشكل من عدة أحزاب.

وهذا ما يسمح للنظام بأن يكون دائما حاضرا داخل الحكومة من خلال الأحزاب الموالية له.

وزارة الداخلية، التي تعتبر أقوى وزارات البلاد، وإن كانت نظريا موضوعة تحت سلطة رئيس الحكومة، فهي في الواقع وزارة مستقلة عن الحكومة، وتبقى موالية للقصر.

ويمكن لهذه الوزارة أن تمنع عمل وزراء آخرين أو تمنع تجمعات عمومية لهم مع المواطنين.

كما تعد الوزارة المسؤولة عن جميع محطات المسار الانتخابي، من إعداد القوانين الانتخابية إلى تنظيم الجوانب اللوجيستيكية للتصويت وصولا إلى إعلان النتائج.

غير أن الوزارة تتحكم، في المسار الانتخابي من خلال وسائل أخرى، فبعدما تولت مهمة التقطيع الانتخابي للدوائر في الماضي، خفضت وزارة الداخلية العتبة الانتخابية للأحزاب المشاركة في اقتراع يوم غد من 6 في المائة إلى 3 في المائة لضمان بروز برلمان ضعيف وفسيفسائي.

كما ظلت الوزارة تتحكم في عملية التسجيل في الانتخابات، حيث أعطتها تعديلات أخيرة في القانون الانتخابي الحق في تسجيل وشطب أي شخص من لائحة المصوتين.

وتلجأ السلطة في المغرب إلى هذه الممارسات، في جزء من الأمر، بسبب كونها ترى في الإسلاميين مصدر تهديد. فالعدالة والتنمية يبدو الحزب الإسلامي الوحيد في العالم العربي الذي تمتع بنجاح انتخابي متواصل، وفي الوقت ذاته ظل يقود الحكومة. في تونس، مثلا، فقد حزب النهضة ما يقارب ثلث مقاعده في انتخابات 2014 لصالح حزب نداء تونس العلماني.

وفي مصر، بعدما أسقط الجنرال عبد الفتاح السيسي، محمد مرسي، في انقلاب سنة 2013، انتهى الأمر بعديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وجناحها الحزبي الحرية والعدالة، إما في السجن أو المنفى.

بالمقابل، حسن حزب العدالة والتنمية في المغرب بشكل مطرد من أدائه في كل محطة انتخابية، منتقلا من 11 مقعدا سنة 1997 إلى 107 مقاعد سنة 2011.

وفي الحقيقة، فتوجس النظام من الحزب لا يتصل بالإيدولوجيا التي يحملها. فالعدالة والتنمية يعد حزبا إسلاميا معتدلا يساند الديمقراطية ويرفض العنف، وهو ذو حس براغماتي يجعله يمارس السياسة وفق قواعد اللعبة ويكيف ذاته مع السياق الذي يعمل من داخله. ويمكن أن يكون حزب العدالة والتنمية مثالا جيدا عن كيف يمكن أن يؤدي الإدماج في الأنظمة شبه الاستبدادية إلى الاعتدال.

لكن وبالرغم من ذلك، فقد فشل القصر في تدجين الحزب، وبالتالي يخشى أن يؤدي نجاح انتخابي جديد للحزب، على المدى البعيد، إلى تغيير القواعد السياسية التي وضعها النظام. لهذا السبب يحاول القصر احتواء العدالة والتنمية من خلال إعادة التوازن للمشهد الحزبي عبر استخدام الأحزاب الموالية، وبصفة خاصة حزب الأصالة والمعاصرة كقوة مضادة.

وقد خلقت النكسات السياسية في دول عربية أخرى في السنوات الأخيرة مناخا ملائما لحزب الأصالة والمعاصرة. فمنذ الانقلاب بمصر سنة 2013، بدأت الأصوات المعادية للديمقراطية ترتفع في المغرب. ورغم أن المشهد السياسي في المغرب يبقى أكثر انفتاحا، فالملكية تتقاسم بعض التخوفات نفسها المتعلقة بحماية الذات مع ملكيات الخليج. وهذا هو ما صار واضحا بعد انسحاب حزب الاستقلال من التحالف الحكومي الذي يقوده العدالة والتنمية سنة 2013، وأيضا في التعديلات الوزارية التي تلت.

وفي خضم شد الحبل بينهما، ضغط القصر بشكل كبير على العدالة والتنمية في محاولة لإضعافه. وستحسم نتائج اقتراع الجمعة في طبيعة العلاقة المستقبلية بين الطرفين، وفيما إذا كانت ستؤدي إلى مزيد من التعاون أم الصراع.
عن : مركز « وورلد بوليتيكس ريفيو »

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

فوزي منذ 8 سنوات

لدي نفس الفكرة حيث لا يمكن لاي حزب التفوق بفارق كبير ،لانه سيكون في نظر السلطة قوة غير متحكم فيها. ما تفعله السلطة اليوم ليس محاربة حزب العدالة و التنمية من اجل محوه من الخريطة و لكن لجمه و جعله لا يتفوق بفارق كبير على باقي الاحزاب. اي حزب اخر سيكون له نفس المصير. لعبة الديموقراطية الفتية التي تخاف من المجهول.

La voix du peuple منذ 8 سنوات

تنويرا للرأي العام و توضيحا لمبهمات الأمور لكم المختصر المفيد في فهم بنية الدولة المعيب مكامن التخلف في مفهوم الدولة المتداول في الوسط السياسي المغربي: عكس المفهوم العادي و الحقيقي للدولة في باقي دول العالم و المتمثل في قيادة سياسية (رئاسة الدولة و الحكومة) و جهاز إداري تابع لها حسب ما هو منصوص عليه في الدستور نجد أن المفهوم المتخلف للدولة في المغرب و المكرس من طرف غالبية المسؤولين السياسيين و المثقفين و الإعلاميين يتمثل في القيادة السياسية (الملك و معاوينيه من مستشارين و مكلفين بمهمة) و جهاز إداري تابع له دستوريا بكيفية مباشرة (الجيش،المخابرات العسكرية و المدنية ،المؤسسات الفوق حكومية بميزانيات خارج المراقبة الحكومية) و جهاز إداري تابع له دستوريا بكيفية غير مباشرة عن طريق المجلس الوزاري و التعليمات الموجهة للحكومة و لادستوريا بكيفية مباشرة بالقفز على الحكومة عن طريق التعليمات الشفوية التي يصعب إثباتها ما يفسر تبني أسلوب الإيحاء للتعبير عنها عند الطبقة السياسية و هي موجهة للإدارة الترابية ،مدراء المؤسسات العمومية ،موظفون سامون في الإدارة ولمختلف الإمتدادات و التي منها الإمتداد الحزبي (البام،الإتحاد الدستوري،الأحرار، الحركة الشعبية) بإضافة إلى إختراقات حزبية أخرى ،الإمتداد المدني من إختراقات نقابية ومهنية(مثلا الاتحاد العام لمقاولات المغرب على مستوى القيادة و غيرها) و منظمات الريع الجمعوي (الجمعيات مدعمة ماليا من مبادرة التنمية البشرية أو غيرها) ،الإمتداد القضائي (قضاة التعليمات) ،الإمتداد الإعلامي (إعلام التعليمات العام منه (2M،RTM،MAP) والخاص(مواقع و جرائد شتى)) ،الإمتداد الإقتصادي (المقاولات المملوكة من طرف مسؤولي الدولة أنفسهم و رجال أعمال منظومة الريع الإقتصادي)، الإمتداد الثقافي و مهمته تبرير الإستبداد و لي ذراع الحقيقة للتغطية عليه عبر التنظير و التحليل الأكاديمي الموجه (أساتذة الجامعة المعينين من طرف الداخلية خصوصا في عهد إدريس البصري، أكاديميو النظام ،المحللون السياسيون الموالون في الإعلام) و بعد ذلك تأتي الحكومة الهشة كجهاز خارج مفهوم الدولة و متحكم في مصيره بسبب تشكيلته من أقلية حزبية مستقلة سياسيا و أغلبية تابعة للدولة من أحزاب الإدارة و “المستقلين من خدام الدولة” مع سلطة مخترقة عموديا و أفقيا على جهاز الإدارة. هذه البنية المتخلفة للنظام السياسي هي السبب الجوهري في الخلط الحاصل على مستوى تحديد المسؤوليات و ظهور مفاهيم مثل المخزن، الدولة العميقة، جيوب المقاومة ،التحكم ،مراكز الإستبداد ،إزدواجية الدولة….وهلم جر

التالي