بعد الإعلان عن نتائج انتخابات 7 أكتوبر الجاري، وتصدر حزب العدالة والتنمية للنتائج، وما تلا ذلك من مشاورات أولية حول تشكيل الحكومة، وتعبير أغلب الأحزاب السياسية عن نيتها في المشاركة، باستثناء حزب الأصالة والمعاصرة، يبقى السؤال مطروحا حول من سيقوم بدور المعارضة خلال الخمس سنوات المقبلة.
المشرع الدستوري، في الفصل العاشر من دستور 2011، حرص على دسترة حقوق المعارضة، والتفصيل فيها، إدراكا منه لما تمثله من رصيد تاريخي في المغرب، وكذلك لضمان التوازن، وإسماع صوت الأقلية، بل والمشاركة الفعلية في صناعة القرار السياسي، من خلال رئاستها لأهم لجنة في مجلس النواب، وهي لجنة العدل والتشريع، والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان. كما نص الفصل نفسه على المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة إلى الحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق.
وفي مقابل هذه الحقوق، نص الدستور على ضرورة مساهمة فرق المعارضة في العمل البرلماني بكيفية فعالة، وبناءة، وهو ما يدفع إلى التساؤل مجددا حول ما إذا كان نواب حزب الأصالة والمعاصرة قادرين على توظيف هذه الضمانات الدستورية.
وتتطلب ممارسة فعل المعارضة، من الناحية السياسية، وجود كتلة من المناضلين ضمن حزب سياسي متجانس، يدافع عن مشروع مجتمعي، وإيديولوجيا واضحة، وهو ما يفتقده حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يتكون أغلب نوابه من رجال الأعمال، الذين سيلجون قبة البرلمان لأول مرة، دون أن يكون لهم أي ماض نضالي، يؤهلهم إلى ممارسة المعارضة، الشيء الذي سيدخل المغرب في وضع اللاتوازن بين الأغلبية، والمعارضة، وما ينتج عن ذلك من تقوية للحركات الاحتجاجية، غير المؤطرة، وتنامي قوة التيارات غير المشاركة في اللعبة السياسية.
الباحث المغربي، كمال القصير، اعتبر في تصريح لموقع « اليوم 24 » أنه لأول مرة سيكون المغرب إزاء متغير سياسي جديد، وغير مسبوق في النسق السياسي المغربي، يمكن اختزاله في معادلة « المال يعارض السياسة ». وأضاف أن هذا سيشكل أزمة حقيقية في تصور تركيبة، ووضع المعارضة المقبلة، وكذلك الأدوار، التي سوف تتولاها، ومدى قدرتها على القيام بالأدوار السياسية، المفترض تفعيلها ضمن نظام سياسي، يفترض منطقيا وجود معارضة فاعلة ».
ويرى القصير أن إساءة استخدام المعارضة، في الخمس سنواب الماضية، والأخطاء السياسية، التي ارتكبت، أدت إلى هذا الوضع الصعب، الذي يوجد فيه مربع المعارضة ضمن المشهد السياسي. وأضاف أن هذه الأخطاء السياسية أخطاء تراكمية، جعلت موقع المعارضة يفتقد إلى الجاذبية السياسية لصالح منطق البحث عن السلطة، والغنيمة »، يقول الباحث.
وأبرز القصير أنه إذا ما اختار حزب التجمع الوطني للأحرار البقاء في المعارضة، إلى جانب حزب الأصالة والمعاصرة، فإن المغرب سيكون أمام حزبين لا يحسنان المعارضة، ولم يخلقا لها، ولم تخلق لهما.
وأشار المتحدث نفسه إلى أن المغرب سيكون إزاء مشكلة تمس المنظومة الحزبية، وتؤرق عقل الدولة السياسي « فنحن إزاء تركيبة نيابية، يصعب عليها إحداث التوازن السياسي في مقابل العمل الحكومي »، خصوصا أن هذه التركيبة مشكلة اجتماعيا من طبقة رجال الأعمال، التي تختلف أجندتها، ووظيفتها عن دور المعارضة.
من جهته، يرى محمد الغزالي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس في الرباط، أن فقدان المعارضة للامتداد الشعبي، والجماهيري، سيجعل أداءها ضعيفا، متوقعا أن ينحصر دورها في معارضة الإجراءات الحكومية، التي يمكن أن تمس بأصحاب المصالح.
وسيفتح غياب معارضة قوية في البرلمان، تعبر عن صوت الشارع، الباب لتقوية الحركات الاحتجاجية غير الرسمية، كالعدل والإحسان، وغيرها، من جماعات الضغط غير المشاركة في البرلمان ».