-->

قارئ جديد؟

06 يناير 2017 - 13:27

سمعت كثيرا عن صحيفة «السفير» اللبنانية قبل أن أتصفح أوراقها في مرات نادرة. ولم أطلع عليها -وعلى أركانها الثقافية خصوصا- بتمعن سوى بعدما أتاح العالم الافتراضي الوصول إليها. ولا أخفي إعجابي بالمساحة الواسعة التي كانت (هي وصحف لبنانية أخرى وحتى مصرية) تخصصها للأدب والثقافة عموما. وأشعر بنوع من الحسد حين أنزلق إلى المقارنة بينها وبين صحفنا المغربية. وازداد إعجابي أكثر حين علمت، قبل سنوات قليلة، أن «السفير»، بكل هذا الإشعاع، لم تكن في نهاية المطاف تبيع مئات الآلاف من النسخ يوميا، بل بضع عشرات آلاف (50 ألف نسخة يوميا في 2012، حسب إحصاءات وزارة الإعلام اللبنانية)، قبل أن تنخفض تلك المبيعات بحدة في السنوات الأخيرة.

 

طبعا، لا يسعني إلا أن أبدي أسفي لتوقف «السفير» عن الصدور، لتلتحق بإصدارات أخرى كانت تعطي الأولوية للأدب والثقافة، وكان لها تأثير وإشعاع كبيران، مثل مجلة «الآداب». ولن أُفاجأ إن انضافت إلى قافلة المنسحبين من «السوق» صحف أخرى مثل «النهار» اللبنانية (حتى نبقى في بلاد الأرز).

 

لست في موقع لأناقش الدوافع التي بررت بها السفير، وقبلها «الآداب»، قرار طي صفحاتهما (وهي الأزمة المالية الناتجة عن تراجع المبيعات بالأساس، وانكماش الدعم، ومن الأرجح أن تكون هناك أسباب تدبيرية أخرى، وخلافات لا يعرف كنهها إلا مالكو الصحيفة والمطلعون على أواني مطبعها الداخلي).

 

ولكن، في تقديري، هناك مشكلان عميقان:

 

يتعلق الأول بتغير النظرة إلى المثقف والكاتب عموما، إذ لم يعد يمتلك كل تلك الصورة التي تجعله قوة رمزية لها هيبتها في منطقتنا، حيث لم ير الفرد النور بعد، ولها تأثيرها السياسي والاجتماعي ويحسب لها ألف حساب. هناك في المجتمعات التي اكتملت فيها فردانية الفرد.. ألم يقل الجنرال دوغول مرة، حين علم باعتقال جون بول سارتر في إحدى المظاهرات: «لا يمكن أن نلقي القبض على فولتير»، في إشارة واضحة منه إلى ما يشبه «القدسية» التي كان يتمتع بها المثقف في فرنسا الستينات.

أما الثاني، فيرتبط بطبيعة القارئ الذي تتوجه إليه صحفنا ومجلاتنا وكتبنا عموما، هنا في هذه المنطقة التي ينعتها الآخرون بشمال إفريقيا والشرق الأوسط. فقد خلق التسارع الكبير للتطورات التكنولوجية قارئا جديدا له اهتمامات وهواجس أخرى قد تبدو لي ولك سطحية وتافهة حتى، ولكن هذا لا ينزع عنها «شرعية الوجود».. قارئ لا يجد نفسه في ما تقدمه الصحف والمجلات والكتب بصيغها التي صارت «تقليدية»، في نظره، ويبدو «أكثر ميلا إلى ثقافة تأخذ ‘‘خفة الكائن’’ الحديث بعين الاعتبار»، على حد قول المفكر المغربي عبد السلام بنعبد العالي.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي