قال بنسعيد آيت إيدير، المقاوم والشخصية السياسية البارزة في المغرب: « إن جهاز الأمن الوطني المغربي عمل على مساعدة جبهة التحرير الوطني الجزائرية وقدم لقيادتها وسائل الاتصال التي كانت ضرورية لعملهم في مواجهة الفرنسيين بعد عام 1956، كما زودهم بجوازات السفر بهويات مزورة لتسهيل حركتهم بين الحدود، وتجنب توقيفهم، بل وأيضا قام بتوريد الأسلحة إليهم بطرق سرية ». وأضاف: « أن مساعدة جهاز الأمن الوطني كانت سرية، وكان أحد ضباطه وهو رشيد سكيرج، يقوم ببعض هذه الأعمال ».
بنسعيد الذي كان يتحدث في حفل تأبين عقده مركز يحمل اسمه يوم الجمعة الفائت، لبعض وجوه المقاومة الذين ماتوا مؤخرا، قال: « إن الكثير من المقاومين الذين كان لديهم دور بارز في تاريخ البلاد قبل الاستقلال وبعده، لا يعرف عنهم سوى القليل، بل إن الجيل الجديد لا يعرف عنهم أي شيء »، لأنه « لم يجر التعريف بأدوارهم وأعمالهم لدى المغاربة، ولم يُعترف بهم في المنصات الرسمية، وكأنهم لم يكونوا أبدا ». وفي هذا الإطار قدم بنسعيد اسم رشيد سكيرج كمثال على ذلك، وقال: « إن سكيرج لا يعرفه سوى القليلين بالرغم من أن أدواره كانت بالغة الأهمية »، فهو بحسب ما يقول: « كان يعمل ضمن صفوف الأمن الوطني، ولما كان يرى أن البوليس السري يخطط لإلحاق الأذى برفاقه بعد الاستقلال، كان يزودهم بكل المعطيات التي يضع يديه عليها كي يجنبهم ملاحقة الشرطة، وبسبب ذلك، كان يقضي أوقاتا من الجحيم أثناء عمله، خصوصا أنه بدأ يستشعر بأن البوليس بات يعرف بما يفعله، ولذلك لم يكن لديه من حل سوى الهروب من المغرب، لأنه كان يعرف بأنه سيتعرض للتصفية الجسدية، وحتى عندما ذهب إلى الجزائر لفترة، لاحقوه هناك لقتله لكنه نجا ».
وسكيرج الذي توفي شهر نونبر الفائت، بحسب ما قال بنسعيد، لم يتردد في تقديم شهادة على عمل أجهزة الشرطة خلال محاكمة الجنرالين محمد أوفقير وأحمد الدليمي في باريس عقب اختطاف المهدي بنبركة عام 1965، لكنه وبالرغم من ذلك، سيعود إلى المغرب لاحقا: « وذلك في مارس 1981، إذ كان من ضمن الأشخاص الذين عادوا إلى البلاد. لقد كان معي، ودخلنا إلى المغرب، لكنه لم يكن يطمئن على نفسه هنا، وكان يشعر بأن أحوال الأجهزة الأمنية لا يمكن أن يحس معها بأي أمان، فقرر أن يبتعد مرة ثانية، وبقي منذ ذلك الحين مجهولا ».
مثال ثان يقدمه المتحدث المذكور ويتعلق بالغالي العراقي، الذي توفي شهر جنبر عام 2013، وفي هذا الصدد يقول بنسعيد: « إن العراقي هو من كان يزود جماعة المقاومة بالدار البيضاء بأقراص السم لقتل الفرنسيين ». وأضاف أن الغالي وعبدالرحمان اليوسفي وعبداللطيف بنجلون كونوا في طنجة لجنة تنسيق مع علال الفاسي، وكان الغالي هو الواجهة الخارجية للمقاومة. بنسعيد قال إن إسبانيا فتحت أبوابا للوطنيين المغاربة لتكوين جيش التحرير في شمال البلاد، ولذلك كان المقاومون والسياسيون يلجؤون عندها في طنجة وتطوان. وفي هذا السياق، يذكر بنسعيد أن الغالي كان ينسق بين جبهة التحرير الوطني بالجزائر وبين القصر في الرباط، وهو من كان يعقد اللقاءات بينهما خصوصا في إسبانيا، فهو لم يكن يفترق عن محمد الخامس ومحمد بوضياف وأحمد بن بلة. وبفضل هذه العلاقات، فقد أقنع الغالي محمد الخامس، يقول بنسعيد، بتلبية مطالب الجزائريين قُبيل حصولهم على الاستقلال بشأن مستقبل البلدين بعد خروج الفرنسيين.
وبالرغم من علاقته بالقصر، كما يستدرك بنسعيد، لم يكن الغالي شخصا خاضعا للتعليمات السياسية، كما لم يكن منفذا لأوامر الأجهزة. « لقد كان يرفض القيام بأي مهام لا يقتنع بها، وقد طُلب منه أن ينفذ مهمة في أحداث الريف عام 1959، لكنه رفض.. كانت الأجهزة تعتقد بأن دوره سيكون جوهريا في تلك الأحداث إن تدخل، لكنه لم يستجب لتلك الأوامر.