الصندوق المغلق لسياسة الدفاع

22 فبراير 2017 - 17:00

كان الجنرال الفرنسي، شارل دوغول، يوصي وزراءه، قبل الحديث في السياسة الدولية، أن يفتحوا الخريطة أمامهم، ويتطلعوا إلى حقائق الجغرافيا السياسية على الأرض قبل أي قرار أو تحليل أو رأي، ولو عاش الرئيس الفرنسي إلى اليوم فربما كان سيوصي معاونيه بأن يفتحوا خريطة أخرى، لا تقل أهمية عن الأولى، وهي خريطة التسلّح حول العالم، وفحص رقم معاملات تجارة القتل، وما وراءها من سياسات واستراتيجيات واقتصاديات ومؤامرات وحروب.

هذا الأسبوع، نشر معهدان كبيران، هما المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم وStrategic Defence Intelligence، تقريرين عن مبيعات السلاح في العالم، وعن رقم معاملات تجارة الموت، التي تتجاوز سنويا 2000 مليار دولار، دون احتساب رقم معاملات تجارة السلاح في السوق السوداء، وهي أرقام قد تتجاوز الرقم الأول بحوالي 20%.

في التقريرين معا نقرأ أن المغرب ماض في السباق نحو التسلّح، وأن فاتورته من شراء السلاح الأمريكي والفرنسي والروسي وصلت، السنة الماضية، إلى 3,5 ملايير دولار (حوالي 3,2% من PIB الناتج الداخلي الخام)، في الوقت الذي لا تصرف دولة كبيرة وغنية، مثل فرنسا، سوى 2% من PIB، ناتجها الخام، على فاتورة السلاح، هذا فيما تصرف جارتنا الجزائر أكثر من 10 ملايير دولار على شراء السلاح من روسيا وأوروبا الشرقية وأمريكا، وهو ما يمثل أكثر من 6% من ناتجها الداخلي الخام. فرغم نزول أسعار النفط، ورغم دخول البلاد في سياسة تقشفية، فإن مشتريات جارتنا من السلاح لم تنزل، وهذا مفهوم، على كل حال، نظرا إلى نفوذ الجيش الجزائري في القرار، ونظرا إلى أن صفقات التسلّح عند جيراننا لا تخلو من فساد وعمولات وأشياء أخرى.

التقريران معا يتوقعان، بالنظر إلى الظرفية الدولية، أن يزداد الإنفاق على التسلّح في المغرب ليصل إلى أربعة ملايير دولار من هنا إلى سنة 2022، والشيء نفسه بالنسبة إلى الجزائر، حيث ستستمر في شراء أسلحة كمية ونوعية، لأن سياستها الدفاعية وتركيبة الحكم فيها تفرضان عليها ملء خزائنها بالسلاح حتى وإن لم تكن بحاجة إليه.

الذي يقرأ التقريرين يلاحظ أن العرب هم أكبر زبائن السلاح في العالم، ومنهم من ضاعف مشترياته 220 في المائة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، وهنا تتكشف سياسات الفوضى الخلاقة التي تزرعها أمريكا وأوروبا في هذه المنطقة المدرة حروبها أرباحا خيالية على خزائن الحكومات الغربية، من خلال إنعاش آلة التصنيع الحربي، وتوفير مناصب للشغل، وحصد ضرائب ضخمة من أموال النفط النائمة في خزائن البنوك العالمية.

لنرجع إلى المغرب، حيث لا الحكومة ولا البرلمان ولا الإعلام ولا مراكز البحث تناقش سياسة الدفاع في المملكة، وكأنها طابو محرم على المغاربة الاقتراب منه. وحتى إن فكر أحد في مناقشة هذا الموضوع، فليس أمامه سوى التقارير الدولية، أما في الداخل، فإن الصمت سيد الموقف، وإغلاق صنبور المعلومات هو السياسة المعروفة عن مؤسسة الجيش، في بلاد تصرف أكثر من المعدل الدولي على التسلّح (ميزانية المغرب السنوية حوالي 27 مليار دولار، يصرف المغرب منها 3,5 في المائة على شراء الأسلحة فقط، دون ميزانية التجهيز والتسيير، حسب معهد ستوكهولم).

نعم، سؤال الحرب والسلم هو السؤال الأول في السياسة والقرار، وهو الرهان رقم واحد بالنسبة إلى الحاكم والمحكوم، لكن كل هذا يجب أن يعرض على المؤسسات، وأن يكون محل تشاور وتداول وتفكير جماعي في الحكومة والبرلمان ومؤسسات التفكير الاستراتيجي. بعدها يأتي صاحب القرار ليختار بين بدائل عدة، وسياسات ناضجة، واختيارات واعية. لا يوجد تعارض بين التشاور في سياسات الدفاع والمجال المحفوظ للملك؛ الأول يتصل بصناعة القرار، والثاني يتصل باتخاذ القرار.

سياسة الدفاع لا تقف عند الطائرات والدبابات والصواريخ والجنود.. استراتيجية الدفاع تبنى، أولا، بأدوات سياسية ودبلوماسية، وبالتموقع الجيد في الخريطة الدولية، والعمل على تقليل الأعداء، وزيادة الحلفاء، ثم تبنى سياسة الدفاع وحماية السلم والحفاظ على الأرض والسيادة والمصالح عبر تقوية الجبهة الداخلية، وتعزيز المسار الديمقراطي في بلاد لا نفط فيها ولا غاز.. بلاد اختارت الليبرالية سياسة، والرأسمالية اقتصادا، والشراكة مع أوروبا دبلوماسية. إذن، نحن لسنا روسيا ولا الصين ولا السعودية… ثالثا، سياسات الدفاع اليوم تفكر في المخاطر الجديدة، حيث لم تعد التهديدات تأتي من جيوش بلدان أخرى، ومواجهات بين عساكر، بل أصبح الخطر قادما من منظمات non étatiques غير حكومية، كما أن التهديدات لم تعد تمس فقط الأرض والجو والبحر، بل صارت الأخطار تمس مواقع هشة ومفتوحة، بل ومكشوفة لم يكن العلم العسكري التقليدي يهتم بها. صارت المدن والمنشآت المدنية عرضة للخطر، وأضحى الهجوم على شبكة الاتصالات والنيت cyber-attaques، مثلا، أكثر كلفة من مهاجمة ثكنة عسكرية أو نقطة حدودية.

هذه الأرقام والمعطيات تسمح بنظرة أخرى إلى موضوع النزاع في الصحراء، وإشكالية التطبيع مع الجزائر، وإخراج هذه الأخيرة من دائرة معاداة المغرب، التي سجنت نفسها فيها لعقود طويلة. دورنا هنا هو مساعدة الجار العنيد على الرجوع إلى منطق العقل وإلى مقاربة التعاون، عِوَض أن يجرنا هو إلى منطق السباق المجنون نحو التسلّح.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

عصام منذ 8 سنوات

ليس هناك اي خلط ، ففي الفقرة الاولى قال فاتورة وهذه الأخيرة جزء من الميزانية وفي الفقرة التانية قال ميزانية يصرف منها...، هناك اختلاف بين الرقمين الاول 3.2 و هي نسبة و التاني 3.5 كان يقصد بها المبلغ 3.5 مليار دولار على ما اعتقد... المهم هو مضمون المقال

واقعي منذ 8 سنوات

حتى في الجزائر لا يطلق سراح معلومة عن الجيش و عن ميزانيته و عن ترسانته و عن و عن ووو،،، إلا إن كانت تخدم الظرفية الراهنة للبلاد حتى ولو كانت كادبة لا لشيء إلا لتهدئة و تسكين فورة احتجاج ما أو تحرك معارض لسياسات البلاد أو تدخل خارجي من دولة أو منظمة ما و يوم تعاملت الدولة مع الشعب الجزائري بشفافية و صراحة في الشأن العسكري كانت العشرية السوداء هي اللغة الصريحة و الواقعية و الدليل القاطع حتى يفهم الشعب نوعية تسلح و قدرات الجيش الوطني و كذا توجهات سياساته و أهدافه الداخلية المقصودة أما الخارجية فكلام في كلام و لكم كذلك في سوريا و مصر وووو خير دليل،،، أما في المغرب فللبلاد ملك هو - حامي حمى الوطن و الدين و في يده كل المفاتيح و السياسات والقرارات و هو الضامن للسلم الحدودي و المجتمعي و الديني،،، - و كذلك هو القائد الأعلى لأركان القواة المسلحة ( الملكية أقول الملكية و ليس الشعبية أو الوطنية) إذا الأمر العسكري في المملكة مكفول له كله و ليس لأحد غيره و إلا فأمثال أوفقير و المدبوح و غيرهم كثير،، في المغرب إسم واضح و هو " القواة المسلحة الملكية" و ليس جيش التحرير الوطني أو القوات المسلحة الوطنية أو،،، وإن كنتم تنتظرون من الأسد أن يصبح فيلا فانتظروا إلى مالا نهاية

foudil منذ 8 سنوات

très juste c'est la vraie raison c'est comme l'algérie

must منذ 8 سنوات

حقائق مرّة: -أجل الموضوع طابو , وهذا يطرح نظرتين متناقضتين :من جهة حرمان من الحق في المعرفة,والذي يجد مبرر له في اسرار الدولة ومصلحة الوطن ان لا يطلع العدو ... من جهة اخرى يتمنى المرء المحب للسلم والامن ان لا يكون هناك سلاح ولا حديث ولا معرفة عن الحروب -الجيش هو القوة الضاربة والحاكمة الفعلية في اي بلد فالبانتاكون هو الحاكم الفعلي في امريكا وليس الرئيس او الكومكريس , اما في الدول المتخلفة كالجزائر فهو المتصرف الحقيقي في كل كبيرة وصغيرة , ينصب ويخلع الرئيس , ويمول ويراقب الاعلام ووو في المغرب ايضا , قوة الدولة في جيشها .. وكبار قادة الجيش كالاطفال مع اللعب , يريدون كل مرة سلاحا جديدا خرج الى الوجود -الصراع المغربي الجزائري ازلي , عندما نعود الى عهود غابرة , كان المغرب يعمل دوما على استقرار الامن في الجزائر لانها كانت جزءا من المملكة المغربية عبر العصور , وكانت دوما متمردة , فيبعث الملك من فاس او مراكش جيشه لاخضاعها , وهذا هو مركب نقص قادة الجزائر اليوم , وهذا ما جعلهم يتعقدون من المغرب , ويجعلون منه خصما ازليا - لو تم حل قضية الصحراء , سيتم افتعال مشكلة اخرى ليستمر الصراع المغربي الجزائري كمحرك وحيد للجوار بين بلدين ينخرهما التخلف -السلا ح ثم السلاح ولو ان الحرب غير آنية , لان الحرب تحتاج الى اقتصاد قوي يمولها ويضمن استمرارها حتى "النصر" , وبما ان الاقتصاد هش , يتم الاستعداد عبر سنين كثيرة للحرب بالتدجج باسلحة كثيرة ومتنوعة لعلها تكون كافية , يوم نشوب الحرب , لاسقاط اكبر عدد من الارواح البشرية

omar ayoubi منذ 8 سنوات

الحين لا المغرب ولا الجزائر تستطيع تخفيظ فاتورة شراء السلاح, لانه اذا تم ذالك ستقول الدول المصنعة والمزودة لهم (هذوا عاقو بنا ارا نشعلو لفتيلة بينتهم).

مجيد منذ 8 سنوات

أحسنت ملاحظة في محلها

alhaaiche منذ 8 سنوات

Est ce que tu sait a si Taoufiq le pourcentage dial -Al Gamila- des 3,5 milliards Anass rah kadreb ala Al Gamila, c'est pour ca que le sujet est tabout

أيوب رضواني منذ 8 سنوات

سيد توفيق هناك فرق بين الناتج الداخلي الخام و بين الميزانية، و من الواضح أنك تخلط بينهما بدليل أنك قلت أن ميزانية التسلح المغربي هي 3,5 من الناتج الخام ، ثم قلت في فقرة موالية أن ميزانية التسلح هي 3,5% من الميزانية. المرجو ضبط المفاهيم الاقتصادية

للعقلاء منذ 8 سنوات

المصلحة عبر تقوية الجبهة الداخلية، وتعزيز المسار الديمقراطي في بلاد وهو كما حصل في تركيا الم يقف الشعب المحب لوطنه وحاكمه في وجه الدبابات وحمى حاكمه الى متى تعي وزارة الداخلية هذا الامر وتحبب الناس في وطنهم وتساوي بينهم حتى يحبوا بلدهم وحاكمهم بدل الاستمرار في هذه السياسة الخرقاء وسب اطياف من الشعب ونعتهم بالمتطرفين واليدرسوا علم النفس والتربية السلوكية الم يعلمونا الا ننعت الطفل بالكذاب لان ذلك يجعل منه بالفعل كذابا لانه يتعود على هذا النعت ويستشربه في نفسه حتى يقنع نفسه بالقول "انه مادمت في نظرهم كذابا فانهم لن يصدقوني حتى وان صدقت وعليه فلماذ اصدق فالاعش كذابا " وهكذا لمن ننعته بالمتطرف او الارهابي او العميل او.......

أمل منذ 8 سنوات

كلام جميل ومنطقي لطالما ظلت ميزانية الدفاع وما يرتبط بها منطقة سوداء يطالها التكتم. يجب أن تطرح للنقاش في البرلمان وأمام الرأي العام شأنها شأن باقي القطاعات. ألم يحن الوقت لكي يصبح لنا وزير دفاع يكون مسؤولا عن هذا القطاع أمام البرلمان والرأي العام؟

التالي