نصيحة لبنكيران

23 فبراير 2017 - 17:00

يبدو أن انتظار بنكيران في بيته سيطول قبل أن تنقشع غيوم الخريف ويطل الربيع بأزهاره، ويبدو أن ما يصنع نجاح السياسيين الآخرين هو نفسه سبب متاعب زعيم الإسلاميين، أي «الشعبية»، كما ظهرت في نتائج الانتخابات الأخيرة وفي غيرها من المناسبات، ولهذا، لا بأس أن يفتح رئيس الحكومة سيرتين مهمتين، ويطالع تجربتي صاحبيهما، وأقصد كتاب امحمد بوستة، وإن لم يُكتب له أن يدون، وكتاب عبد الواحد الراضي، الذي صدر أخيرا تحت عنوان: «المغرب الذي عشته».

في سيرة الراحل امحمد بوستة، الذي ودعه المشيعون بالدموع والزغاريد، ثلاثة دروس؛ أولها الوطنية العميقة، والاستعداد للتضحية من أجل الوطن ووحدته واستقلاله ورفعته، مهما كلّف هذا الاختيار صاحبه من آلام وتضحيات. والدرس الثاني هو الجمع بين الدفاع عن الملكية كرمز وانتقاد الجالس على العرش كفرد، إذا اقتضى الأمر ذلك، بأدب وكياسة وحكمة، لكن بقول لا عندما تقتضي الأحوال ذلك.. بالخروج إلى المعارضة عندما تصير المشاركة في الحكومة مضرة بالمصالح العليا للدولة ومسارها الديمقراطي. هذا النهج هو الذي دفع حزب الاستقلال، مثلا، إلى تأييد دستور 1962 بكل عيوبه، لكنه رفض تأسيس جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية (الفديك)، والنهج نفسه هو الذي دفع حزب الاستقلال إلى رفض الانقلابين العسكريين ضد الملكية، لكنه، في الوقت نفسه، حمّل الراحل الحسن الثاني الجزء الأكبر من المسؤولية عن تعريض العرش والاستقرار للخطر بسبب إعلان حالة الاستثناء، وتعليق العمل بالدستور، وخلق فراغ سياسي كبير. والنهج نفسه هو الذي جعل امحمد بوستة يقبل منصب الوزير الأول وتشكيل حكومة إبان التناوب الأول سنة 1993، لكنه رفض، في الوقت ذاته، مشاركة إدريس البصري فيها وزيرا للداخلية ولو لمدة ستة أشهر، لأن الأخير كان عدوا للديمقراطية، في حين قبل عبد الرحمان اليوسفي مشاركة البصري في حكومة التناوب التوافقي، وبقية القصة معروفة…

أما الدرس الثالث في سيرة الراحل بوستة فهو أن المحافظة لا تعني الرجعية، والإسلام لا يعني الانغلاق، والعربية لا تعني العنصرية، وأن العراقة لا تتطابق مع التقليدانية بالضرورة. لقد كان خريج جامعة السربون هو نفسه المناضل الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، وكان تلميذ علال الفاسي هو نفسه الذي اقتسم إرث والده مع إخوته الذكور والإناث بالتساوي سنة 1956، وكان دارس الفلسفة في فرنسا هو نفسه المحامي الذي سافر إلى القاهرة للدفاع عن سيد قطب قبل إعدامه من قبل جمال عبد الناصر، وكان سليل الأسرة الاستقلالية القريبة من القصر هو نفسه المحامي الشرس المدافع عن المعتقلين السياسيين.. هكذا عاش رجل دولة لا خادم سلطان.

في سيرة الرجل الثاني، عبد الواحد الراضي، أطال الله عمره، تجربة أخرى، حيث يحكي في كتابه وقائع تستحق أن تروى عن نشوء الحزب السري، وعن يأس النخبة المخزنية من الفوز في الانتخابات، وكيف تحول عندها العداء للديمقراطية إلى إيديولوجيا منذ فشل وزراء الفديك في انتخابات 1963. يقول الراضي، الذي عاش اتحاديا قريبا من القصر، تقدميا بدون فكر ثوري، سياسيا واقعيا بلا أوهام ولا شعبوية: «أصبحوا -نخبة الفديك ومن على شاكلتها- يدركون، منذ تلك اللحظة، أن المغرب، إذا اختار أن يكون ديمقراطيا بالفعل، لن يكون لهم مطلقا أي دور يلعبونه، ومن ثم اختاروا معسكرهم، واختاروا العداء لكل فكر ديمقراطي، ولكل فاعل ديمقراطي… لم يعد لهم أي أمل في أن ينجحوا يوما إذا شاركوا في انتخابات مباشرة نزيهة».

هذه الفقرة يجب أن يقرأها بنكيران ليفهم اليوم أن المقصود بالبلوكاج ليس هو بل مخرجات صندوق الاقتراع، وهذه الفقرة يجب أن يقرأها أيضا إدريس لشكر، الذي جعل من نفسه حجرا في حذاء تشكيل الحكومة بناء على نتائج الاقتراع الأخير، ومن المحزن ألا يستوعب اتحاد لشكر دروس اتحاد بوعبيد واليوسفي واليازغي والراضي… وأن يصبح الحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب بأصوات الفديك الجديد المحمول على الجرار.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

ح سعيد منذ 8 سنوات

بنكيران لا يقف لوحده في وجه العاصفة ، بل يزودها و يقويها ، و لا يكون الوقوف في وجهها و مقاومتها فقط من داخلها و الإرتماء في أتونها ، أما تغيير الدستور فلم يكن جدريا ، و التجربة أثبتت أن تغيير النص الدستوري وحده ليس كافيا

ح سعيد منذ 8 سنوات

بن كيران يقف لوحده في مواجهة العاصفة و اذا لم نسرع لنجدته فسترميه بعيدا و سيحسب من عداد المفقودين ) : بن كيران لا يقف وحده في قلب العاصفة ، هو يقويها و يزودها من حيث يدري و لا يدري ، لقد ارتمى في قلبها فجرفته و لا يستطيع الخروج منها ، لقد أصبح يستعمل للإستهانة بالمغاربة و إذلالهم بعدما استعمل هو و حزبه لامتصاص موجة الربيع العربي و لتدبير مرحلة ، و تمرير قرارات لاشعبية و التراجع عن مكتسبات و امتهان و استنزاف و ابتدال جزء من الحركة و البديل الإسلامي أمام الشعب و الداخل و الخارج ، و مازال البيجيديون يرددون نفس المقولات و يتأملون نفس الآلام و الأحلام و يعيشون في أوهام التغيير من داخل المجال السياسي و أدواته و آلياته المجازية و الخاوية و الصورية و المتضخمة، و يجرون ولراء السراب ، يحاولون تطويع عنقاء و ترويض أخطبوط ضارب في الزمان و المكان و الأنفس ... كم يحتاجون من التجارب و من الوقت و من الأزمات و الصدمات و الخيبات و البراهين و الزدحات للإستفاقة و لوقفة لمراجعة الذات و المسار و القناعات و المنهج ... الأمر ليس متعلقا ببنكيران وحده ، الأمر متعلق بمصير أمة ، لقد صار الحزب و الرجل عقبة و جزء من المشكل و الأزمة بعدما تأملنا و حاولناوحاول هو أن يكون جزء من الحل . الوقوف في وجه العاصفة لا يكون فقط بالمقاومة من داخلها إذا أمكن الخروج منها ... لماذا وقف و حصر أشكال التغيير و الإصلاح في منهج و شكل واحد كأنه من المعلوم من الدين بالضرورة ؟ لماذا الإصرار على طريق و اختيار واحد إذا ثبت خطؤه و عقمه و خطره و لا جدواه و مأزقيته و انقلب فسادا و سلبا و مفسدة ، أم أن القوم استمرؤا منطق السلطة و استعذبوا المقاعد و لم يعودوا يرون ملاذا و لا معاذا أو خلاصا و بديلا خارج أحضان المخزن و بعيدا عن يده الباطشة الحانية و بزولته المذرارة الغرارة ؟؟؟ إلى متى مسلسل التردي و التراجع و البهدلة و الإستنزاف و المهانة التي يتعرض لها الحزب و معه الوطن سائر المواطنين؟ ينبغي أن تخرج من قلب العاصفة و تأخذ مسافة لترى جيدا . صدقني هذا ما حدث معي . لقد كنت من المناضلين في الحزب و كنت لا أحتمل سماع مثل هذا الكمال و أتحسس منه و أدافع عن مواقف الحزب و منهجه... و جد مقتنع بصوابيتها و صحتها و جدواها ... و لا أرى الخير و الرشاد و السداد في غيرها ، لكني و الحمد لله استفقت قبل الإنتخابات البرلمانية بقليل ، أي قبل مهزلة البلوكاج . و الآن كشف عني غطاء الأوهام و الشعارات و التأمل في المخزن... فبصري اليوم حديد ، و الرؤية من الداخل ليست كالرؤية من الخارج ...لقد أدركت و وعيت أن جل نضالي و جهودي و جهود الحزب تصب بالشكل الذي سارت عليه الأمور و واقع التجربة و في ظل السياق و المجال السياسي المغربي و موازين القوة و إراداتها ...، تصب في المحصلة الأخيرة في خدمة رغبات و مخططات و مصالح المتنفذين و مالكي وسائل الإنتاج و الإكراه داخليا و خارجيا (البنك الدولي.... ) و في تكريس مزيد من التحكم و السلطوية ... لقد تبدى لي نضال الحزب و صولاته و جولاته السياسية و الإنتخابية و الخطابية زوبعة في فنجان النظام المخزني و اصطكاكا و جلبة و صرير نقود في جيوب و صناديق الطبقة المسيرة و المالكة ،

Hassna منذ 8 سنوات

بنكيران أغرق المغرب في الديون و أنهم كاهل الطبقة الشغيلة بإصلاحات التي أصلا تخدم مصالح من تسببوا في ما سمي بالبلوكاج. إذن بنكيران هو الشخص الذي خلق كراهية عميقة في نفوس المغاربة تجاهه

امين منذ 8 سنوات

الارث يا صديقي بدوره خاضع لاعادة القراء وفق الارضية المتاحة ووفق المصالح ..الله تعالى اعطى الحد الادنى والاعلى ولا يجوز الخروج عنهما ولك ان تقضي كيفما ترى المصلحة .. والله اعلم

امين منذ 8 سنوات

هذا الذي اراه ايضاوالله اعلم

محمدالحجي منذ 8 سنوات

راي كمواطن نطلب من جلالة الملك نصره الله ان يامر باستفتا شعبي عن الفصل المختلف حوله في الدستور ويدعوا الموطنين الى التصويط بكثافة، اما بنعم اولا لتغير ،وليتحمل كل مسؤليته وكفى الله المومنين شر القتال.

أبو سامي منذ 8 سنوات

أبو سامي إلى صاحب التعليق "مغربي حر" أقول لك لقد أصبت عين الصواب وإذا ما ترك السيد بنكيران لوحده في مواجهة العاصفة فإن جحافل المفاسدين والمفسدين والانتهازيين ستتمكن من دواليب السلطة لامتصاص مزيد من خيرات هذا البلد الأمين المعطاء بدون حياء ولا عفة .ولنأخذ العبرة من طلائع 20 فبراير الغراء التي أتت أكلها بتغيير جذري في الدستور . ونحن لا نريد ثورة تأتي على الأخضر واليابس بل نريد إرساء دعائم الديمقراطية الحقة دون تدخل المخزن والاحتكام لصناديق الاقتراع بكل شفافية، أهذا المطلب عسير ومستعصي التحقيق؟

حماد fr منذ 8 سنوات

صدقت يا سيدي المحترم موحا: الظهور بالزهد المفرط يوحي ببعض الافتخار و التراءي امام العامة تماما كما يفعل الان برلمانيو ألبام الذين يريدون ان لا ياخذوا رواتبهم. يقول مثل قديم لا اذكره كاملا: ( أوريو لك من الربح قنطار و ياخذوا لك راس مالك) اللهم ارحم امواتنا و الحقنا بهم مسلمين ءامين

رشيد رداد منذ 8 سنوات

أنااعتقد ان على بنكيران ان يشكل الحكومة من حزبه وحزب التقدم والاشتاكية وحزب الاستقلال ويضيف اليهم حزب لشكر وحزب الحركة بالتشاور معهم. ياك هوما بغاو الاتحاد الاشتراكي وداروه على راس البرلمان هاهي الحكومة مشكلة منو. اما حزر الاحرار و الدستوري فقد اعطيت لهم الفرصة. إذا قبلت هذه التشكيلة فبها ونعمت واذا رفضت فبنكيران دار اللي عليه

محمد**المغرب منذ 8 سنوات

غراءب مغرب اليوم : لشكر والعماري ثوريون في الارث ،المرحوم تقاسم ارث ابيه بالتساوي مع اخوته تصدقا وليس تعطيلا لاحكام نص .

Argaz from Spokane منذ 8 سنوات

المخزن أو النظام يريد إستعمال بنكيران كمنديل يستعمله إلا في حالة الزكام يعني عندما تكون قرارات لا شعبية .بالعربية تعرابيت " الزْوِينَة حْنَا مَّالِيهَا و الْخَايْبَة هُمَا سْبَابْها "

M.KACEMI منذ 8 سنوات

سيرة عبد الواحد هي البرلمان، حيث يقطن منذ 1963. فأية مصداقية يمكن توخيها على هذا الأساس؟

moha منذ 8 سنوات

من خلال التتبع وقراءة المشهد السياسي المغربي وانطلاقا من تجربتي المتواضعة استطيع أن أقول وأجزم أن حزب العدالة والتنمية خارج حسابات المخزن بمعنى انه لن تكون هناك هذه المرة حكومة بقيادة بنكيران والقصر حسم في ذلك ولن يسمح للاسلامين ل5 سنوات أخرى في دفة الحكم مهما كلفه الثمن (قضي الامر الذي فيه تستفتيان)، وأبشر ايضا أصحاب القرار أن سنة 2017 ستكون سنة الثورة في المغرب كما أرادها العماري ولشكر قبل الانتخابات. ملاحظة: الكاتب لم يحسن الاستشهاد بقوله "كان تلميذ علال الفاسي هو نفسه الذي اقتسم إرث والده مع إخوته الذكور والإناث بالتساوي" لان في ذلك اساءة الى الخالق عز وجل الذي أنزل أحكام الارث وجعل لذكر مثل حظ الانثيين وهو أعدل الحاكمين، كأن المراد من القسمة بالتساوي أن الله لم يعدل عندما أنزل حكمه في كتابه الكريم. وشكرا

hammad. Fr منذ 8 سنوات

vous avez entièrement raison mon frere maghrabi hour. Almakhzan est entrain de préparer un nouveau BASRI pour nous faire retourner en arrière et vivre comme des esclaves dans notre pays où nos parents et grand parents ont payé un grand tribu. IL YA PAS TRENTE SIX SOLUTIONS, mais soit c'est Benkirane qui reste à sa place ou alors il faut refaire les élections et laisser les marocains choisir. JE pense qu'il faut réfléchir deux fois avant de prendre une autre solution qui peut être irresponsable. Par pitié m. khanouch, laisser nous construire notre pays assez de le prendre pour une vache à lait pour seulement les même profiteurs. Les temps ont changé

tawfik belkhouchi منذ 8 سنوات

ألم تكل سيدي العزيز من إعطاء النصيحة لبنكيران. أنا شخصيا صرت أضجر من قرائتها كل مرة على هاذا العمود. صاحبنا غارق في التقليدانية وفكره المحافظ صار يلامس العبودية.

مغربي حر منذ 8 سنوات

رسالة الى الشعب المغربي الكبير . بن كيران يقف لوحده في مواجهة العاصفة و اذا لم نسرع لنجدته فسترميه بعيدا و سيحسب من عداد المفقودين ، لقد حان الوقت أن يقول المغاربة الديمقراطيين كلمتهم ، الديمقراطية و مستقبل أبنائنا هي المستهدفة بهذا البلوكاج و ليس بن كيران و رفاقه ، على جميع المغاربة أن يعلموا أن المليارديرات هم من يقف في وجه الفقراء المحرومين من أبسط ظروف العيش الكريم و ما أكثرهم في مغربنا الحبيب ، أصحاب البلوكاج هم نفس الأشخاص الذين حرمونا من حقوقنا لسنين و سرقوا ثروات أجدادنا و أبائنا و ثرواتنا و الان يريدون سرقة ثروات أبنائنا ، أظن أنه حان الوقت للشعب المغربي أن يقول كلمته هاته المرة ، لا أفهم الشباب الذين يغامرون بحياتهم في البحار من أجل الفردوس الأوروپي فيما الفردوس الحقيقي يوجد في بلادهم و ما عليهم الا أن يطلبوا حقهم وبدون تراجع ...المغرب يعيش لحظة تاريخية فارقة فإما أن يكون أو لا يكون ، إذا فرطنا في هذه الفرصة التاريخية فأعدكم بأننا سنعود الى سنوات القمع و الحكرة كما كنّا مرة أخرى

مصطفى منذ 8 سنوات

المقال واضح في مسألة ومبهم في مسألة: -المقال يوضح ان في المغرب نظام ملكي مخزني , والشخصيات المذكورة كبوستة والراضي وبنكيران , والاحزاب كالاستقلال والاتحاد والفديك والبام جميعها متشبثة بالقصر والمخزن والنظام , اذن اين المشكلة؟ -المسألة المبهمة هي مسألة الديموقراطية , فليس واضحا وليس اكيدا ان نظاما ديموقراطيا , كما هو متعارف عليه دوليا , قابلا للقيام في ظل وسط , همّ "الفاعلين" فيه هو انتهاز كل الفرص واستخدام كل الوسائل , ولو على حساب المصالح الوطنية , للوصول الى المناصب ومراكز القرار والثروة هل من مصلحة بنكيران ان ينزل الى المعارضة , ولن تكون معارضة عادية كما كانت من قبل , ولكن معارضة فيها تحالف مع العدل والاحسان , ونزول مستمر الى الشارع بمطلب وحيد وهو انتخابات جديدة تمكن من حصول حزبين من طينة واحدة على الاغلبية المريحة, وهل المخزن الذي يشد بزمام الامور يسمح بهذا المسار؟ بنكيران في وضع لا يحسد عليه سواء في الحكومة او في المعارضة

التالي