هدر زمن الإصلاح

01 مارس 2017 - 17:00

يبحث المغاربة عن حكومة ولا يعثرون عليها، يفتشون عنها مرة في بيت بنكيران، وأخرى في فيلا أخنوش، وثالثة في مقر العرعار، ثم يكتشفون أن لا حكومة حتى يرجع الملك من السفر. الأحزاب تتصرف في السياسة وفق خطاطة الأب والابن.

ينظر المغربي حوله بيأس عميق.. صندوق الاقتراع غير مؤهل ليلد حكومة، حتى وإن كانت ضعيفة ولا تُمارس نشاطها بفعالية وقوة. هذا هو حال بلاد تقول منذ قرن إن داء العطب فيها قديم، وإن تاريخها هو تاريخ إجهاض الإصلاحات.

ينظر العالم المهتم بهذه القطعة الجغرافية من شمال إفريقيا إليها باستغراب متسائلا: كيف لا يصل أهل المغرب إلى توافق يفضي إلى حكومة إصلاحية وليست ثورية، محافظة وليست «تقدمية». كانت الحكومات في بلاد المغرب، على الدوام، ائتلافية، وكانت دائما تعرف حدودها، وتشتغل بالدستور المكتوب وغير المكتوب، فماذا حصل الآن؟ ثم يراجع المهتمون أوراقهم ودروسهم عن الخصوصية المغربية، وعن الاستثناء الذي رفع شعارا منذ خمس سنوات، واتضح أنه مجرد شعار.

بنكيران يجلس بقشابته البيضاء في منزله عنوانا على انتهاء ليس فقط الكلام، ولكن انتهاء الفعل أيضا، في بلاد مشلولة منذ خمسة أشهر. البعض ينصحه بإرجاع المفاتيح إلى صاحبها والذهاب إلى انتخابات جديدة، والبعض ينصحه بالصبر وتفهم مشاعر الدولة التي صدمت بنتائج الاقتراع، ويقول له: «انس نتائج السابع من أكتوبر إذا أحببت أن ترجع إلى كرسي رئاسة الحكومة»، والبعض يدعوه إلى الانحناء للعاصفة وقبول شروط أخنوش ومن يقف وراء أخنوش، فيما هو لايزال متشبثا ببعض من كرامته، ويقول: «لقد قدمت ما يكفي من التنازلات، وإذا دخل لشكر إلى الحكومة من النافذة، فإن ما بقي من ‘‘المعقول’’ في السياسة سيخرج من الباب الرئيس، وبعدها لا يعود للمعنى من جدوى.. لقد جئت للمساعدة في الإصلاح، وإذا لم يعد الأمر ممكنا فسأنسحب للمعارضة، ولمَ لا نحل هذا الحزب المزعج ‘‘گاع’’».

أكبر متشائم من تطور الحياة السياسية لم يتوقع سيناريو مماثلا، يشل حركة البلاد لمدة خمسة أشهر، ويعطل المؤسسات الحيوية فيها (الحكومة، البرلمان، المجلس الأعلى للسلطة القضائية، مجلس المنافسة، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المحكمة الدستورية…)، لكن غير المتوقع وقع، وغير المنطقي حدث، وغير المفكر فيه أصبح واقعا أمامنا… ماذا يعني هذا؟

هذه الأزمة التي تعصف بالبلاد، وتجعل الدستور وثيقة غير قادرة على إنتاج حلول تضمن السير العادي للمؤسسات.. هذه الأزمة معناها العميق أن الدولة المغربية أصبحت عاجزة عن مسايرة إيقاع المجتمع، وأن السلطة أضحت جامدة أمام حراك مجتمعي يتطور، وأن وعي الناس يكبر، فيما صدر السلطة يضيق ذرعا بالتعددية السياسية، والممارسات الديمقراطية، وحرية القول والفعل والانتخاب… باقي المشهد مجرد تفاصيل.

عندما لم تستطع الدولة وأحزابها أن توجه العملية الانتخابية، وأن تتحكم في كل أصوات الناخبين، أوقفت اللعبة، مثل ذلك الذي يقطع التيار الكهربائي عن ملعب تجري فيه مقابلة لكرة القدم لا تعجبه نتائجها… هذا ما حدث مع بنكيران الذي فاز في اقتراع السابع من أكتوبر، رغم كل الحواجز التي وضعت في طريقه، لكنه فشل في تشكيل حكومة مع أحزاب شكلت تحالفا للبلوكاج بعد ساعات فقط من ظهور نتائج الاقتراع، وقررت أن تحرم المنتصر من ميدالية الفوز… ثم بدأت «شروط الخزيرات» توضع أمام بنكيران، مثل إبعاد حزب الاستقلال عن الحكومة بدون مبرر، وحتى قبل تصريحات شباط ضد موريتانيا، وامتناع الحكومة المقبلة عن صرف الدعم للفقراء، وقبول الاتحادين الدستوري والاشتراكي ضمن الحكومة لتشكيل أغلبية مريحة، وإن لم تكن الحاجة قائمة إليهما، وإعطاء رئاسة مجلس النواب هدية للحبيب المالكي… وهكذا دخلت البلاد في خطة لقتل الوقت، ولقتل زمن الإصلاح، ولتبريد حرارة اللحظة الانتخابية، والاتجاه إلى تشكيل حكومة لا صلة لها بالسابع من أكتوبر.

أصبحنا وكأننا أمام عقاب جماعي للمغاربة كافة لأن مليونين منهم صوتوا لحزب بنكيران، وصدقوا أن الانتخابات حرة ونزيهة، وأن الدولة تقف على مسافة متساوية بين كل الأطراف، والآن اتضح أن الناس لم يفهموا الرسالة، أو فهموها وتصرفوا عكسها، ولهذا، يجب أن يؤدوا ثمن ذلك من فرص الشغل ومعدل النمو وجدول الإصلاحات المعلقة على باب حكومة غير موجودة.

الذين يقودون هذا البلوكاج، الذي أصبح مكلفا جدا، يعرفون ما لا يريدون، لكنهم لا يعرفون ماذا يريدون. بعبارة أخرى، «جبهة البلوكاج» لا تريد بنكيران، أو لا تقبل به رئيسا للحكومة، لكنها لا تعرف كيف تجد له بديلا، ولا تقدر على تحمل مخاطر خلق حكومة مفصولة عن السند الشعبي، وتجميع أحزاب الإدارة في ائتلاف له مقاعد برلمانية لا تساوي الكثير في ميزان المشروعية السياسية… وإلى أن تجد حلا لهذه المعادلة الصعبة، فإن البلوكاج مستمر، وهدر الزمن متواصل، فالدفع من جيب الغير سهل.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

ايمن منذ 8 سنوات

مع كل احترامي للسي بوعشرين و تحاليله و تعليقاته، البلوكاج فيه طرفان : الفاعل و المفعول به. اذا كان الفاعل "واضح و باين و وضوح الشمس في نهار جميل" و تحليلاتكم احاطت بأهدافه و خلفياته و محركاته بما يكفي ، ما نريد معرفته منكم يا السي بوعشرين هي أهداف و محركات و خلفيات المفعول به ، أي رئيس الحكومة المعين . ماذا يتنظر ليضع حدا لهذه الوضعية ؟

نافع الحامدي منذ 8 سنوات

''وإن تاريخها هو تاريخ إجهاض الإصلاحات.'' عن أية إصلاحات تتكلم والبلاد وصلت إلى حد طغى فيه الفساد في كل شيء؟ فاقد الشيء لا يعطيه يا سيدي... فمن الأفضل أن يغادر المكان بهدوء ورباطة جأش قبل أن يخرج منه برباطة ''جحش''...

hakim منذ 8 سنوات

شاؤم والسلبية ٠ عنوان ما خطّطت ياأخي, إذا أردت أن تبحث عن مالم يفعله بنكيران، فلن يكفيك مداد البحر.لأننا بلد تجدر في غالبية شعبه الجهل، لأننا دولة تعج بخدام الدولة بينما نحن في أمس حاجة إلى رجال الدولة، لأننا ٤٠مليون قاضي نحكم من خلال ما يُقال لنا ومن خلال ما أرادوه مخرجي المسرحية. أما إذا أردت أن تعرف ما فعله بنكيران فيكفي ألغاء الدعم عن الوقود(المرجو أن تبحث مامعنى ذالك) أصبح الرميد إسمه وزير العزل وليس وزيرالعدل(المرجو أن تبحث لماذا) متى سمعنا عن تخفيض ثمن أي شيئ منذ الإستقلال ، خفض بنكيران ثمن ١٥٠٠دواء هذا غيض من فيض من ما يمكن أن تراه إذا قلعت نظارة التشاؤم واللائحة طويلة جدا أما ما لا يمكن أن تعرفه إلا إذا كنت ذا إختصاص فحدث ولا حرج. ياأخي لما تحكم على بنكيران فإنك تحكم على حكومة بعلمائها ومهندسيها ودكاترتها وأساتدتها إلخ.... لكل إختصاصه ولكي تفهم عمق إختصاص واحد يلزمك سنين في مقاعد الجامعة. ولهاذا أظن أن قراءة ثلاثة جرائد لا تخول لك الحكم على الأساتذة

yassine منذ 8 سنوات

عليه بالصبر وتفهم مشاعر الدولة التي صدمت بنتائج الاقتراع،

محمد منذ 8 سنوات

الى المسمى الثمن تنكرون كل شيء وتريدون إصلاحا على مقاسكم. نادوا على لشكر ليرأس حكومتكم ب 20 مقعدا

hafida ait hmou منذ 8 سنوات

اييه كيندمونا علاش صوتنا على بن كيران............ولكن اذا الشعب يوما اراد......فلابد ان يستجيب القدر

rata منذ 8 سنوات

Non aux frères non musulmans

الثمن ... منذ 8 سنوات

عن اي اصلاح يتحدث بوعشرين ، ما هي القيمة المضافة التي قدمها بنكيران الى الحقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي ... ماذا استفاد المغاربة من حكومة بنكيران غير المديونية ومزيدا من الاستسلام للمؤسسات المالية والتي كلفتها ستؤديها الاجيال المقبلة حتى تلك التي لم تولد بعد ، ماذا قدمت حكومة بنكيران للشباب المغربي غير الارتفاع في نسب البطالة ، ماذا قدمت حكومة بنكيران للطبقة الوسطى غير الانهيار ومزيد من الاقتطاعات وتحمل كلفة اصلاح مفترى عنه ليست هذه الطبقة هي المسؤولة عن تلك الاختلالات الأمر الذي ساهم في هروب جماعي من الوظيفة العمومية من خلال التقاعد النسبي فها هي الاقسام بالمؤسسات التعليمية مكدسة الى حد التخمة ، ماذا قدمت حكومة بنكيران من اصلاح لمنظومة الريع غير استفادة بنكيران وحزبه على المستوى الاداري من السطو على المناصب والمراكز ومن الأموال التي تتكدس لصالح الحزب واهله وهي اموال تؤخذ من جيوب دافعي الضرائب ، ماذا حققت الحكومة على مستوى منظومة حقوق الانسان غير التراجعات وكثرة الدم الذي سال في شوارع المدن المغربية خلال هذه الحكومة وحصار للجمعيات الحقوقية ، ماذا قدمت هذه الحكومة للمنظومة الاعلامية غير اعلام غير مرئي من السب والشتم واسألوا السيد الخلفي عن ابداعه ، ماذا قدم بنكيران للمنظومة السياسية غير شعبوية التبوريد وديالي اكبر من ديالك من داخل مؤسسات كان يجب ان تكون وجه المغرب السياسي التشريعي البناء ، ماذا قدمت حكومة بنكيران للمنظومة التربوية والبارحة جاء رئيس المجلس الأعلى للتعليم يبكي واقع التعليم المر ... ، ماذا قدمت حكومة بنكيران للحوار الاجتماعي والتشاركية الاجتماعية غير سنة بيضاء من انتظارات المغاربة ، امر لم يحدث حتى في عهد الحكومات السابقة ، ماذا قدمت حكومة بنكيران غير اذلال المغاربة ورهنهم للعبودية بلا كرامة من خلال العمل بالعقدة ... لا افهم الاصلاح الذي يتحدثون عنه ، الذي افهمه ورايته هو ان جزءا كبيرا من المغاربة قاطعوا الانتخابات ، نعم هناك جزء بسيط من المغاربة تفاعل مع هذه العملية السياسية وهؤلاء في الغالب تعرف دوافعهم اما الذين كانوا ينتظرون الاصلاح بعد كل الذي شاهدوه ولامسوه التزموا منازلهم ، الاصلاح الحقيقي الذي كان ينشده المغاربة لم يكن في عرف بنكيران غير تطبيل وغياطة ... فبنكيران وحزبه تسلم الثمن وبالزيادة فطبل وغيط ما شاء له ان يطبل ويغيط خلال الخمس سنوات فانتفخت اوداجه و... واستكسى بلباس من الترف والابهه ... ربما كان هذا هو الاصلاح الذي لا نعرفه ...

mohamed منذ 8 سنوات

انا الدولة. "Louis 14 a dit:"L'Etat c'est moi

ABOU SAMI منذ 8 سنوات

لذين يقودون هذا البلوكاج، الذي أصبح مكلفا جدا، يعرفون ما لا يريدون، لكنهم لا يعرفون ماذا يريدون. بعبارة أخرى، «جبهة البلوكاج» لا تريد بنكيران، أو لا تقبل به رئيسا للحكومة، لكنها لا تعرف كيف تجد له بديلا، ولا تقدر على تحمل مخاطر خلق حكومة مفصولة عن السند الشعبي، وتجميع أحزاب الإدارة في ائتلاف له مقاعد برلمانية لا تساوي الكثير في ميزان المشروعية السياسية… وإلى أن تجد حلا لهذه المعادلة الصعبة، فإن البلوكاج مستمر، وهدر الزمن متواصل، فالدفع من جيب الغير سهل.vrement c'est la réalité amère de notre pseudo democratie qui n'a pas d'exeùplaire de part le monde . c'est vraiment trés decevant pour notre peuple qui merite mieu que ces maneuvres ridicules qui essaient de faconner la vie politique aux guise de ces troubleurs de l'echiquier politique. politique.

بوزيان منذ 8 سنوات

أحسنت كعادتك أستاذ بوعشرين شكرا

مصطفى منذ 8 سنوات

بجرة "برودكان"(حذاء عسكري) الغى عسكر الجزائر انتخابات فوز "الفيس" جبهة الانقاذ الاسلامية فعرفت الجزائر عشرية دامية , ولا زال الارهاب حتى اليوم ينهش جسد الدولة العسكراتية الاستبدادية الجزائرية , ولا زالت البلاد تائهة بدون ادنى الاصلاحات الحافظة لكرامة الانسان الجزائري.. وبالبرودكان ايضا انهى السيسي وصول الاسلاميين الى السلطة , ولا زالت مصر تبحث عن الطريق السالكة الى اصلاحات تخرج الشعي المصري المسكين من الفقر المدقع...وتحاول تونس , بواسطة حكومة وطنية يشارك فيها الاسلاميون ولا يقودونها , ان تغادر عهد سيىء العابدين البائد , لكن بصعوبة ومشقة مضنية .. اما المغرب , يريد مخزنه أن يتميز بخصوصيته ويبرز استثناءه , فيزيح الاسلاميين باساليب ناعمة , ويدفعهم الى الاستسلام "لقانون سير" غير مكتوب ولا مسطر في اي دستور .. وبما ان "الحكومة " في المغرب مجرد جهاز يضم موظفين كبار بأجور سمينة وبدون سلطة سياسية , يصهرون على تنفيذ توجيهات ملكية مرسومة سلفا , فلا يوجد اي مشكل ولا تأخير لاي اصلاح نتيجة التأخر في تنصيب "الحكومة الموقرة , ومتى جاء "الخير" ينفع...

التالي