فرصة ضائعة

07 أبريل 2017 - 16:00

عندما انزاح أفلاطون بفعل « kubernan » من معناه الأصلي – « أي قيادة السفينة أو العربة » ووظفه كاستعارة لتدبير شؤون المدينة، لم يكن يتصور أبدا أنه سيأتي وقت تتحول فيه الكلمة، التي اشتقت منها لفظة « gouvernement » و »government » و »gobierno » ومثيلاتها في مجمل اللغات الأوروبية، إلى مجرد عملية لتوزيع المناصب والحقائب وتطويق تنظيم سياسي معين بطريقة لا علاقة لها من قريب أو بعيد، بمعطيات الواقع الذي أفرزه بالمغرب التمرين على الاحتكام إلى صناديق الاقتراع رغم كل عللها.

لم أكن يوما من أنصار العدالة والتنمية، ولا أحسب أنني سأكون يوما من ناخبيه، حتى لو أفلحنا يوما ما في الارتقاء إلى عهد يكتمل فيه بناء الفرد ويصبح صوته سلطة حقيقية. ولكن كنت أود أن يشرف على تدبير شؤون البلاد بشكل كامل مادام قد منحه تمرين صناديق الاقتراع المرتبة الأولى، حتى يتحمل المسؤولية الكاملة في نهاية ولايته الحكومية الحالية، ولا يتذرع بكونه كان « محاصرا » بتنظيمات يُوحى إليها.

كنت أود أن « يقود » البيجيدي (بالمعنى الذي ولده الانزياح الأفلاطوني) سفينة الحكومة، مادام حصل على نوع من « التفويض الشعبي » (ولو كان نسبيا) حتى أقف أكثر على حقيقة خطابه وحدوده، وقد ظهر منها الكثير في السنوات الخمس الماضية التي كان فيها الأمين العام لحزب المصباح رئيسا للحكومة.

كنت أود أن تتوقف تلك الأيادي التي تتحرك خلف الستار، ولو لفترة وتأخذ استراحة وتتراجع قليلا، وتترك هذا الكائن المغربي يتمرن أكثر على تفعيل صوته والقبول بنتائج اختياراته. ويتعلم كيف يجعل الساعين والمهرولين إلى تدبير شؤونه يقيمون ألف حساب وحساب لصوته ولمطالبه.

كنت أود حقا ألا تغلق تلك الكوة الصغيرة التي فتحت في جدارنا بعد 20 فبراير، بل أن تتوسع قليلا، ويستوعب ثلة من المشرفين على عدد من التنظيمات السياسية أن دورهم ليس انتظار ذلك « الوحي »، بل المبادرة واقتراح برامج والدفاع عنها.. أن دورهم هو محاولة « تأطير » الكائن المغربي والسعي إلى رفعه إلى مرتبة الفرد، وليس تطويق ومحاصرة تنظيم سياسي مهما اختلفنا مع قيمه وتوجهاته.

صحيح أننا مازلنا بعيدين كثيرا عن الممارسة الديمقراطية الحقة التي تتطلب فردا فاعلا، ومجتمعا متحررا من أثقال طابعه المحافظ، ومن سطوة الدين على ساحته العامة، رغم كل ذلك كانت أمام هذه البلاد فرصة لتجريب ولو شبهة حكومة تمثل ما أفرزه تمرين صناديق الاقتراع.. فرصة قد نحتاج إلى كثير من الوقت قبل أن تتاح مرة أخرى.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

يسار منذ 8 سنوات

"الاصلاح في ضل الاستقرار" فشل و فشل معه حزب العدالة و التنمية الذي يمكن الحاقه اليوم بباقي الاحزاب الوطنية منها و الادارية و التي اصبحت دمى و لعبا في يد المخزن ! يجب على المغاربة أن يبدعوا و يخترعوا أساليب جديدة للعمل السياسي بعيدا عن الاحزاب السياسية

التالي