العثماني يغطي تماسيح بنكيران

28 أبريل 2017 - 17:00

تبخر واحد من المبررات الرئيسة التي كان يسوقها عزيز أخنوش لإدخال ستة أحزاب إلى حكومة بنكيران، وبعدها حكومة العثماني، وهذا المبرر كان هو التوفر على أغلبية مريحة. أول أمس، وبمناسبة التصويت على تنصيب الحكومة، غاب 35 نائبا برلمانيا من «الأغلبية المريحة»، ولم يصوت لحكومة العثماني سوى 208 من أصل 243 نائبا في حوزة الأغلبية الحكومية، وجل هذه الغيابات سجلت في صفوف أحزاب التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، في حين أن حكومة بنكيران حصلت، سنة 2012، على 218 صوتا لصالحها، ولم يكن في أغلبيتها سوى أربعة أحزاب، والآن مع ستة أحزاب لم تمر الحكومة إلا بأغلبية صغيرة، ولو لم يعبئ حزب المصباح كتيبته البرلمانية، لكانت الحكومة سقطت يوم الأربعاء، لأن الدستور يشترط حصولها على أغلبية الأعضاء الذين يتشكل منهم مجلس النواب، أي 198 نائبا.

ما الذي سيمنع كتلة برلمانية من 35 نائبا من حضور جلسة تصويت يتقرر فيها مصير الحكومة؟ الجواب الأول هو أن الأحزاب المشاركة في الحكومة لا سلطة لها على نوابها، وأن هؤلاء جلهم «سماسرة انتخابات»، لا تهمهم حكومة ولا برنامج ولا سياسة، يخوضون الانتخابات من أجل «الحصانة»، والوجاهة الكاذبة التي يعتقدون أن المقعد البرلماني يعطيها لصاحبه. ثانيا، «الأغلبية المريحة» كانت مجرد حيلة لتبرير البلوكاج، وتهييء الأجواء لإفشال محاولات بنكيران جمع أغلبية لتشكيل الحكومة تمهيدا لصرفه من الخدمة قبل الأوان. وحيث إن الهدف تحقق، فلا حاجة لاستنفار أعضاء أغلبية «البونج» المريحة.

وعد العثماني المغاربة بأنه سيترك بصمته في هذه الحكومة، وأنا أصدقه، فجميع من مر من هذا الكرسي، في طبعته القديمة أو طبعته الجديدة، ترك بصمته إن سلبا أو إيجابا، لكن المهم هو طبيعة هذه البصمة، ومدى إسهامها في دعم الخيار الديمقراطي أو الخيار السلطوي.

لقد سجل الدكتور أولى بصماته في حزبه، حيث هو الآن تحت وقع الصدمة، يحاول أن يحصي الخسائر، وأن يقي المصباح مخاطر الانقسام، وزرع بذور عدم الثقة بين قادته، الذين بدؤوا يعلنون خلافاتهم مع بنكيران، ويدعونه إلى التقاعد المبكر، وترك الطبيب النفسي يشتغل في هدوء، ويجرب حظه مع المخزن الذي فشل بنكيران في التطبيع معه، لأنه لا يعرف كيف يطبق بأسنانه على لسانه، فيما يعتقد تيار آخر أن أفضل جواب عن ضربة المقص التي أطاحت برأس الزعيم، هو التجديد له لولاية ثالثة، وإبعاد رئاسة الحكومة عن رئاسة الحزب، مادام الأخير لم تكن له يد في ميلاد الحكومة العثمانية، التي جرت بعيدا عن نتائج الاقتراع.

ورث العثماني عن اهتمامه المبكر بالفقه حيله، ولهذا، حاول أن يبرر أشياء لا تقبل التبرير، مثل «نفوذ التقنوقراط في حكومته»، حيث اعتبر أنه الأقل في حكومته من حيث العدد منذ حكومة التناوب، والحال أن تعويم المقارنات مع حكومات ما قبل دستور 2011 أمر لا يستقيم، ففي حكومة بنكيران الأولى كانت الداخلية والخارجية والتعليم في يد وزراء حزبيين، والآن نرى أن الداخلية والخارجية وحتى التعليم في يد تقنوقراط لا علاقة لهم بأي حزب، حيث صبغ بعضهم على عجل، مثل حصاد، الذي نزل بالمظلة على السنبلة الفارغة من أي مضمون سياسي.

من الحيل السياسية التي استعملها الفقيه العثماني في الرد على إحداث وزارة لحقوق الإنسان، لا يوجد مثلها في أي بلد متقدم أو نصف متقدم، وهو ما سمته هيومان رايتس ووتش «المهزلة».. قوله إن عمل المندوبية الخاصة بحقوق الإنسان أظهر محدوديته في التنسيق في مجال حقوق الإنسان على المستوى الأعلى (المستوى الوزاري)، وليس فقط المستوى القطاعي. علاوة على هذا، جرى خلق وزارة لحقوق الإنسان لتتكفل بقطاع الحريات الذي فصل عن وزارة العدل.

هل يتصور عاقل أن الرميد سيحمل عصا وسيطوف على 39 وزارة، وسيطلب منها احترام حقوق الإنسان في الكوميساريات والمحاكم والسجون والمستشفيات والإدارات والمطارات والطرق والجامعات والمدارس والتلفزات والثكنات… وإذا افترضنا أن العثماني منحه مرسوما واسعا للدفاع عن حقوق الإنسان على المستوى الأعلى، ومنحه ميزانية ضخمة لبناء إدارة كبيرة بمندوبيات كثيرة، حتى تغطي جل مدن المملكة وعشرات الآلاف من الموظفين، الذين سيعدون التقارير عن حقوق الإنسان في كل المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية واللغوية… فهل سيقبل وزراء الحكومة وصاية الرميد الحقوقية عليهم؟ ثم كيف أنهم لم « يضربوا له حسابا » طيلة خمس سنوات، وقد كانت بيده النيابة العامة، المختصة قانونا في تحريك الدعوى العمومية، وسيذعنون له الآن وليس عنده حتى مكتب مستقل عن رئاسة الحكومة؟ ثم عن أي قطاع للحريات يتحدث العثماني، ويزعم أنه فصل عن وزارة العدل؟ هذا قطاع لم يجرِ تفعيله في وزارة العدل، ولم تكن له حتى مديرية، ولو صغيرة، في بناية الوزارة، لهذا، احذر يا سيد العثماني من «تعمار الشوارج» على المواطنين، فأمامك خمس سنوات ستحتاج فيها إلى قدر كبير من المصداقية التي وحدها أسعفت سلفك بنكيران لإنقاذ رأسه وماء وجهه عندما عزت الإنجازات وضعف الالتزام بالأجندة الديمقراطية، فلم يكن يستعمل لغة الخشب، ولا لسان التبرير، ولا خدع الجمل الحمالة الأوجه.. كان يقول الحقيقة للناس، ويعترف بقلة حيلته إزاء التماسيح والعفاريت.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مواطن من تطاون منذ 8 سنوات

من الضروري على قيادات حزب العدالة والتنمية وقواعده المناضلة التي تناضل حق النضال وااتي لها غيرة كبيرة على قوة الحزب وتخشى على تقسيمه وتفتيته ان تعمل جاهدة ان تعيد هيكلة الحزب وبناء مؤسساته الداخلية ، ذلك ان استبدال بنكيران بالعثماني على راس الحكومة الحالية كان له هدف رييسي وهو تقسيم الحزب وخلق صراعات داخله وهذا ما تجلى فعلا عبر ردود الفعل المتصادمة بين فصيل بنكيران وفصيل العثماني . ولهذا ينبغي خصوصا على اعضاء المجلس الوطني للحزب وقواعده المناضلة ان يستوعبوا جيدا هذه الحالة الصادمة ويتجاوزونها حتى لا تعود بالويل والوبال على لحمة الحزب ووحدته ومصداقية وجوده واستمراريته .

Kamal منذ 8 سنوات

سي توفيق من فضلك أعر بعض اهتمامك لما يقع في الريف فإنه أهم بكثير من الحكومة و أخبارها و أصحابها

marocain منذ 8 سنوات

Monsieur Benkirane avait dit en arabe, INTAHA LKALAM, et moi je dis c est fini la politique dans notre pays, c est fini la démocratie. Maintenant et depuis le dernier blocage, je dis pour moi plus de politique, plus de vote. On laisse ces messieurs qui ne savent rien de la politique et qui sont contre la démocratie, faites ce que vous voulez de nous

aziz منذ 8 سنوات

التماسيح والعفاريت موجودون حقا ويعارضون أي تقدم ديموقراطي تكون فيه الكلمة للشعب لأنه مساس بحليب البزولة الذي رضعوه ويرضعونه واستأنسوا، وعندهم دونه خرط القتاد كما يقول المثل لِنَرَ ، إذا كان للتماسيح حساب مع رأس ابن كيران أو رأس الحزب، فإن هي ساعدت على إنجاح مهمة العثماني فقد كانت تريد إزالة رأس الأول، وإن لم تساعده (بالعصا فالرويضا) فهي إذن تريد إزالة الرأسين معا، وطبعا معهم رأس الشعب وصناديق الاقتراع كذلك

محمد عامير منذ 8 سنوات

وهل تظن ان التماسيح والعفاريت اختفت بغياب بنكيران؟ ومن الذي افشل الربيع العربي غيرهم؟ الان اصبح العثماني يقود حكومة تحت وصايتهم. الملك انتدب رئيسا للحكومة بعيدا عن ارادة الناخبين

عبد الحق منذ 8 سنوات

كان يقول الحقيقة للناس، ويعترف بقلة حيلته إزاء التماسيح والعفاريت. بمعنى أن قلة حيلته إزاء التماسيح و العفاريت اضطرته إلى قول الحقيقة للناس من أجل البقاء في السلطة . و السؤال هو ما الذي تقتضيه عملية الاعتراف بالضعف و الهوان وقلة الحيلة ، هل الابتعاد عن السلطة من أجل الكرامة أم الإذعان و القبول بالإهنة طيلة خمس سنوات من أجل الحفاظ على الكرسي لولاية ثانية؟

M.KACEMI منذ 8 سنوات

ربما كان ذلك من فرط يأسي وإحباطي، لكني صرت أرى نوع الكلام الذي ورد في المقال كمحاولة للتمييز بين "حامو وتامو". أي أفق بقي للإصلاح بعد "عفا الله عما سلف" التي تبين أن تشمل الحاضر كذلك؟

نزهة منذ 8 سنوات

هذه الحكومة كلها مهازل (إذا صح التعبير)وأكثرها طبعا مهزلة وزارة حقوق الإنسان

morad منذ 8 سنوات

العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الذي يمارس السياسة في المغرب والأحزاب الأخرى مثل تحفة مجموعة باللساق skotche

أبو سامي منذ 8 سنوات

إذا كان هؤلاء «السماسرة الانتخابات»،يخوضون الانتخابات من أجل «الحصانة»، والوجاهة التي يعطيها المقعد البرلماني لصاحبه فحري بالسي العثماني أن يتخذ الإجراءات اللازمة من أجل خفض تعويضات هؤلاء البرلمانيين الأشباح بل جعل التعويض لايتعدى 10.000 درهم في جميع الأحوال وتوفير مليار و 330 مليون شهريا من رواتب 665 برلمانيي الغرفتين يمكن ضخ هذا المبلغ لتشغيل الاف العاطلين. والتساؤل العريض الذي يمكن أن يطرحه أي مسؤول له ضمير حي هو هل المغرب وميزانيته المتواضعة يمكن أن تتحمل تعويضات 665 برامانيا إضافة إلى ميزانية ضخمة لتسير الغرفتين من موضفين واقتناء سيارات فخمة ولوازم المكاتب وغيرها إننا نخبط خبط عشواء وبعيدين كل البعد عن ترشيج النفقات العمومية والحكامة الجيدة في تدبيرها.

Kamal منذ 8 سنوات

مثل الإخوة الغاضبين في العدالة و التنمية كمثل رجل فقع عيني بأصبعه لكن لا مشكلة لي معه بل لا زلت أكن كل الاحترام و التقدير و الطاعة و و و غير أن لي موقفا رافضا قويا و صارما ضد أصبعه أيها الإخوة إن لشكر نال بغضبكم حجما أكبر من حقيقته بكثييييير

ابراهيم أقنسوس منذ 8 سنوات

في تقديري أن الطقس الآن تغير ، نحن اليوم في سياق آخر ، تغيب فيه الكثير من شروط العمل السياسي الجاد ، والناجع ، بالمعنى النضالي للكلمة ، وبالتالي فالكلمات تفقد الكثير من معانيها ، بل وتصبح بلا معنى أحيانا ، فماذا تعني كلمة الأغلبية ، أو المعارضة ، هذه الأيام . طبعا على السيد العثماني أن يتحمل مسؤوليته ، لغته ، غير لغة سلفه بن كيران ، لكن ، لا أعتقد أنه سيسقط في التبرير ، الشخصية أسلوب ، وهذا أسلوبه ، أتصور أنه سيبذل جهده ، وسيعاني كثيرا ، وعليه أن يقول كلمته ، وبطريقته ، ولكن ، علينا مرة أخرى أن نستحضر تغير السياق . هذا رأيي وشكرا لكم .

ابراهيم بن عبداله منذ 8 سنوات

أرى أنك تتجنب الكلام عن حكومة ابن كيران الثانية وما قدمه من تنازلات حيث أن كل من الخارجبة في شخص بوريطة و الأوقاف و الذاخلية و الفلاحة في شخص أخنوش و التعليم كذلك كانو وزراء التكنوقراط،فقط الفرق استبدال أخنوش بحصاد أم مع ابنكيران ماشي مشكل ولكن مع العثماني تبحث عن جزءيات الجزءيات ومقارنات عير صحيحة و الوقوف عند ويل للمصلين من أجل إدلال الرجل . تحامل كبير أ الي بوعشرين على السي العثماني فإن كنت لا تعرف الرجلحق المعرفة إنه مناضل كبير أيام سنوات الرصاص فقد تغرص للاعتقال مذة 4 أشهر بدون محاكمة و كان بجانب الشعب إبان حراك 20 فبراير. على العكس من شيخك و زعيمك الذي تدافع عنه ليل نهار بمبررات واهية فنعت الذين خرجوا مع 20فبراير بالطبالة و الغياطة ونعت الامازيعية بالشنوية. في اعتقادي مع احترامي لك أنك تحسد العثماني عن المنصب لسبب في نفس يعقوب.غلإقةل لك فالعثماني لتهمه المناصب ولا الشهرة فكان واضحا مع حزبه حين قال إذا أردتم أن أعتذر للملك عن تشكيل الحكومة لفعلت، هل ابنكيران له نفس الشجاعة .....

محمد السعيد / أكادير منذ 8 سنوات

رجعنا السي توفيق مرة اخرى للتماسيح والعفاريت كأننا لم نبارح مكاننا ،كأن "بركة " المياه الراكدة تبلع كل شيء ولا يسلم منها الا التماسيح والعفاريت . على بضع كيلومترات من مدينة أكادير توجد حديقة للتماسيح يصل عددها الى حوالي 200 تمساح هي الانجاز الوحيد الذي شهد النور في المدينة خلال عهد "عشير التما..والعفا.." عفا الله عنا وعن مصباحه الذي كان بإمكانه استعماله لتطويع العفاريت . دعوا الدكتور يشتغل ومهما كانت نتائج حكومته فإنني متيقن أن من انتدبه عالم بأوضاع البلاد ، وأن صهد البارود وجحافل المهاجرين الذين "يمدون" أياديهم في كل الأماكن العامة وخصوصا على قارعة الطرقات قد "أقنعت "المواطن المغربي بسوء عاقبة "الربيع العربي"فما لنا الا الصبر خيارا و"الحلم ،الحلم"سلوكا وأملا . كيفما جاءت تشكيلة الحكومة فهي نفسها بأغلبيتها وحلفائها وتقنوقراطييها لا محيد عن ذلك ، لكن الأهم هو أن تطبق "البرنامج الملكي " الأكثر تجاوبا مع نبض الشعب من أي "برمجة خاوية "للأحزاب كلها .

التالي