حماس تحمل غصن عرفات

03 مايو 2017 - 17:00

بعد ربع قرن، التحقت حركة حماس بمنظمة التحرير الفلسطينية، وأعلنت قبولها بدولة فلسطينية على حدود 67، بعدما ظلت تعارض وتكفر وتخون جماعة أوسلو، وعلى رأسها ياسر عرفات، الذي عدل ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية سنة… ليتكيف مع المتغيرات الدولية، وليفتح لشعبه ممرات للعودة إلى جزء من الأرض المحتلة، بعدما ضاق العالم العربي بالبندقية الفلسطينية، وصارت الكوفية الشهيرة تحرج رؤساء 22 بلدا عربيا كانوا، زمن الخمسينات والستينات والسبعينات، يستثمرون اسم فلسطين لبسط سلطتهم على شعبهم باسم تحرير أولى القبلتين وثاني الحرمين، وبعدما تغيرت أحوال الزمن، وذابت ثلوج الحرب الباردة، وهيمنت أمريكا على العالم، وازداد نفوذ إسرائيل في واشنطن وفي جل عواصم أوروبا، صارت قضية فلسطين عبئا على الحكام العرب، وصاروا يتجنبون لقاء عرفات ورموز الثورة الفلسطينية، فما كان من «أبوعمار» إلا أن جنح إلى التسوية مع إسرائيل، وإلى خفض سقف مطالبه عله يجد للفلسطينيين مكانا تحت الشمس… لكن حماس التسعينات ليست هي حماس اليوم.. منذ دخول عرفات إلى غزة وأريحا، وجزء من الصفة الغربية، وهي ترمي الملح في الجرح، محاولة تخريب العملية السلمية كلها باسم مبدأ تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وأمس فقط فهمت أن هذا حلم مشروع وليس خريطة طريق واقعية.

في ميثاقها المعلن سنة 1988، ووثيقتها السياسية المعلنة في فاتح ماي 2017، مسافة سياسية وإيديولوجية كبيرة، لا يمكن للمراقب أن يقفز حولها… كانت حماس قبل 30 سنة تعرف نفسها كحركة دينية، وأصبحت 2017 تعرف نفسها كحركة مدنية بمرجعية إسلامية. كانت حماس قبل 30 سنة تعلن بوضوح انتسابها إلى جماعة الإخوان المسلمين، فصارت اليوم تأخذ مسافة من جماعة البنا، ولا تعلن أي انتساب إليها، في وثيقتها الجديدة نقرأ: «تؤكد حماس استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، وعدم ارتهانها لأي جهة خارجية، وانفتاح حماس على كل التيارات الوطنية، والبحث عن المشترك الإنساني بينهما». كانت حماس قبل 30 سنة تعتبر عملها في فلسطين جهادا دينيا ضد اليهود المحتلين لأرض الإسلام، التي حررها عمر بن الخطاب، فصارت سنة 2017 تعتبر مقاومتها ضد الاحتلال والصهيونية وليس ضد اليهود كيهود، بل ذهبت أكثر من هذا، عندما استنكرت، في الميثاق الجديد، ما تعرض له اليهود من اضطهاد في أوروبا: «ترفض حماس اضطهاد أي إنسان، أو الانتقاص من حقوقه على أساس قومي أو ديني أو طائفي، وترى أن المشكلة اليهودية والعداء للسامية واضطهاد اليهود ظواهر ارتبطت أساسا بالتاريخ الأوروبي». كانت حماس ترفض أي حل جزئي للاحتلال، وتطالب بكل شيء أو لا شيء، وصارت اليوم تقبل بإقامة دولة فلسطينية على حدود 67، أي على أقل من 25% من أرض فلسطين التاريخية، وتقول في ميثاقها الجديد: «حماس تعتبر أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على خطوط الرابع من حزيران 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة». في الوثيقة القديمة كانت حماس تجاهد وفق النصوص المقدسة في القرآن والسنة، وفي وثيقة اليوم تتحدث حماس عن مقاومتها في ظل القانون الدولي وشرائع الأرض وحقوق الإنسان.. ماذا يعني كل هذا؟

أولا: هذا معناه أن حماس، باعتبارها تيارا ينتمي إلى جماعات الإسلام السياسي، التحقت بركب المراجعات العميقة التي طالت وتطال الحركات الأصولية في العالم العربي، التي فهمت متأخرة أنها تعيش في زمن مختلف عن زمن الرعيل الأول للإسلام، وأن الاشتغال بالسياسة والمقاومة والنضال، في عالم معقد وإكراهات متعددة، يتطلب الكثير من المرونة والذكاء، والتعاون مع الآخر المختلف معك سياسيا وإيديولوجيا، وحتى دينيا، وإن الواقعية في الحركة لا تناقض المبدئية في التفكير.

ثانيا: مراجعات حركة المقاومة الإسلامية حماس جاءت بعدما انتقلت من كونها حركة تناضل وتقاوم إلى كونها سلطة، وجهاز إدارة يقوم على شؤون الناس في غزة، التي تضم حوالي مليوني فلسطيني، يعيشون في أكبر سجن في العالم، وهنا يتضح الدور الذي تلعبه المشاركة السياسية في إدارة الحكم في تغيير الفكر والمنهج والإيديولوجيا لدى كل التيارات، حتى المتشددة منها، ولهذا، كلما كانت المجتمعات العربية والمسلمة مفتوحة لمشاركة جميع التيارات في تدبير القرار المحلي أو الوطني والخضوع للآليات الديمقراطية، ظلت الأفكار والإيديولوجيات والمشاريع السياسية مسيجة بإطار من الاعتدال والواقعية والتسامح والقبول بالاختلاف، والعكس صحيح.

القضية الفلسطينية لن تحل أبدا إذا ظلت قضية دينية وعقدية، لأن الإنسان، أي إنسان، يمكن أن يتفاوض على كل شيء سوى على دينه وعقيدته، وسيظل البشر عالقين في بؤرة التوتر هذه إلى ما لا نهاية، خاصة الفلسطينيين، الطرف الأضعف في هذه السلسلة. لا بد من إرجاع الصراع إلى طابعه العقاري وليس الديني، أي أن الصراع اليوم هو حول احتلال أرض، وتشريد شعب، وسياسة ميز عنصري ضد الفلسطينيين، وليس قضية دينية بين مسلمين ويهود، بين مسجد وكنيس، بين قدس وحائط مبكى. إن التكييف الديني للمسألة الفلسطينية لا يخدم إلا اليمين الإسرائيلي المتعصب، الذي يستثمر في الطابع الديني للصراع ليجعل جبهته موحدة، وليمنع عقل العالم من التفكير في أقدم صراع على وجه الأرض.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

بدر منذ 6 سنوات

يبدو ان السيد توفيق لم يقرأ الوثيقة.ربما سمع عنها في وسائل الاعلام فقط.اود ان احيله الى مقال الصحفي المرموق وائل قنديل بخصوص الموضوع.

mustapha منذ 6 سنوات

سي توفيق..للمرة الثانية أخبرك بأني ما زلت أنتظر نشر تعليقي..واش 5 سطور ديالي قلقوك و أنت كاتب صفحة على قدها ..وسع الخاطر و ما تكونش حتى أنت من أصحاب بني وي وي..و هذا السلوك السلبي يلاحظ بشكل مستمر على موقعكم و خصوصا عندا يتعلق الأمر بانتقاد الزعيم الواحد الأوحد المعبود بنكيران بالإضاة راه خاصك تنقص شوية من أعضاء البيجيدي فالموقع ديالك أو دير وحدين آخرين مستقيلن في المواقف و التفكير ديالهم أنا في انتظارك..شكرا

BA MILOUD منذ 6 سنوات

يقول الصحفي الفلسطيني صالح النعماني (و هو متخصص في الشأن الفلسطيني) ((في تقديري، كلمة السر بالنسة لحماس يجب أن تكون "شراء الوقت" لتفويت الفرصة على أعدائها والمتربصين بها وللتخلص في الوقت ذاته من تبعات أخطائها... منطق الأحداث يدفع للاعتقاد أن المنطقة مقبلة على مزيد من التحولات الإقليمية وستحدث تغييرات على المعادلات التي تحكم علاقات القوة...وبعض هذه التحولات ستصب بشكل مباشر أو غير مباشر في صالح الحركة....وفي الوقت ذاته ستفرز تحديات كبيرة لإسرائيل تقلص من مكانة غزة في سلم الأولويات الصهيونية... من هنا، فأن المطلوب من حماس أن تفوت الفرصة على إسرائيل والأطراف الإقليمية والداخلية التي تحاول الآن صنع الأزمات التي توفر بيئة لمواجهة طاحنة مع الحركة في هذا التوقيت الأسوأ للحركة على كل الصعد. أنصح أن تحني حماس رأسها للعاصفة وعليها أن تقبل مبادرة عباس لاستعادة حكومة الحمد الله مقاليد الأمور في القطاع...مع أنه غير جاد، لكن استجابة حماس لها ستمنحها القدرة على تسجيل موقف أمام الرأي العام...والأكثر أهمية من ذلك بكثير هو شراء الوقت.... ليس فقط أنا من يتوقع حدوث التحولات الإقليمية الحتمية....بل الصهاينة ينطلقون من هذا الأساس....وعليكم معاينة ما صدر اليوم عن درور شالوم، رئيس لواء الأبحاث في الاستخبارات الصهيونية الذي توقع موجة تحولات أخرى قد تطيح بأنظمة أخرى في المنطقة.))

الفيكيكي منذ 6 سنوات

تحليل ينم عن جهل عميق لحركةالمقاومة الإسلامية حماس وللقضية الفلسطينية عموما.

أوعسري علي منذ 6 سنوات

قرأت هذا المقال في الجريدة وللتو قررت التفاعل معه أولا هذا التغيير في مواقف حماس لا يمكن فصله عن سياقه التاريخي، أي بعد فشل رهان حماس باعتبارها من التنظيم العالمي للاخوان المسلمين على "الربيع العربي" التدميري الذي جاء كله لصالح اسرائيل. وقد انخرطت فيه حماس بشكل مباشر أو غير مباشر لدوافع ذات صلة بارتباطها بالاخوان المسلمين رأس الحربة في مشروع "الربيع العربي" قبل فشلهم في هذا المشروع . الكل يعرف أن حماس بعد أن ضاق بها الامر في الاردن وفي أماكن أخرى منها بلدان دعمت "الربيع العربي"، بعد ان ضاق بها الامر وجدت في سوريا ملاذا آمنا ودعما وصل حد تخصيص معسكرات التدريب لحماس في افق المواجهة مع اسرائيل... لكن ماذا حصل... في بداية الربيع العربي اصطفت حماس الى جانب جبهة النصرة التي هي منها واليها... واكتشفت السلطات السورية ان المعسكرات المخصصة لتدريب "المقاومين" ضد اسرائيل قد فرخت "مجاهدين" ضد النظام السوري... هكذا يكون الرد على حسن الضيافة والدعم .... ثانيا ز خروج حماس بهذه الوثيقة جاء بعد انهيار مشروع "الربيع العربي" واصطدامه في سوريا بحرب لا علاقة لها ب"الديمقراطية" بل بلعبة الامم الكبرى التي أدت الى انهيار دول كانت على الاقل ظاهريا ممانعة لاسرائيل وداعمة للمقاومة (اي سوريا). أمام هذا الانهيار وفي ظل الترتيبات الامريكية الروسية لايجاد تسوية دولية في سوريا تفوق رهانات المشيخات القطرية والسعودية الداعمة للارهاب، كان لا بد لهذه المشيخات ان تضغط في اتجاه أن تقبل حماس بما قبلت به اليوم. وهنا لا بد من الاشارة الى الى كم من الزمن ضيعت حماس برؤيتها العقدية وارتباطها بالتنظيم العالمي للاخوان .. كم من الزمن ضيعت على القضية الفلسطينية... لو وصلت حماس الى هذا الرشد ودعمت عرفات (الذي كان ضحية مزايدات داخلية وخارجية وثبت الواقع اليوم كم كان محقا رحمه الله) لاستطاع ان ينتزع أكثر مما تم انتزاعه لانه كان سيكون مدعوما بوحدة شعبية ستفرض على الاحتلال الاسرائيلي معطيات اخرى... أما وانه كان يفاوض وهو ضعيف داخليا فلم يكن امامه سوى تحقيق ما حققه. وهو بالمناسبة انجاز لانه برؤيته الواقعية والثاقبة مكن الشعب الفلسطيني المشتت من استنبات مقومات كيانه السياسسي والوطني ولوعلى جزء من ارض فلسطين التي ستأتي لاحقا حماس لتقسيمه من خلال انقلاب غزة لعام 2007. المرجو النشر السيد الفاضل بوعشرين

ppsta منذ 6 سنوات

ياسر عرفات لم يجد لشعبه مكان تحت الشمس بسبب عجرفة حركة حماس التي شقت صف الفلسطينيين و ارادت ان تسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية بدعوى شرعية الانتخابات و هاجرت بفكرها الى غزة و اقامت دولة و حكومة بعيدا عن السلطة الفلسطينية ما اعطى اسرائيل مبررا لوقف جميع اشكال التفاوظ مع السلطة الفلسطينية لان موفقة حماس على اي اتفاق لا يمكن ان يظمنها عرفات و لا عباس هذه كانت اكبر هدية قدمتها حماس لاسرائيل لتتراجع عن كل ما التزمت به سابقا مع الفلسطينيين و الان و بعد الخريف العربي من سيعير اهتماما بالميثاق الجديد لحماس و من من الانظمة العربية سيجازف بمصالحه و يتكلم عن القظية الفلسطينية هل بعد قانون جاستا الامريكي ستفعل السعودية مثلا شيئا ما للقظية الفلسطينية? العرب دائما ما يئتون متاخرين......

mustapha منذ 6 سنوات

سي توفيق ..ما زلت أنتظر نشر تعليقي رغم مرور ساعات على ذلك .شكرا

morad منذ 6 سنوات

لما سمعت حماس تتبرأ من الإخوان ادركت أن اتفاق سري بين إسرائيل وفتح وحماس ودول الخليج بانسحاب إسرائيل إلى حدود 67 وبالتالي التفرغ لإيران ولما لا تبادل السفراء مع إسرائيل المهم نتمنى انتهاء معانات الشعب الفلسطيني

جودار منذ 6 سنوات

عفوا أسي توفيق...أنت تكون أكثر توفيقا عندماتتناول قضايا مغربية، أما مقالك هذا عن حماس ووثيقتها الجديدة وعن القضية الفلسطينية فما أبعده عن التحليل الرصين، حماس لم تتنازل عن فلسطين من البحر إلى النهر، ومن رفح حتى الناقورة، وهي إن رضيت بإقامة دولة على حدود 67 فما ذلك إلا خطوة في طريق تحرير الأرض والإنسان تحريرا كاملا، ولذلك أصرت على عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولم تلق السلاح وتتنكر للبندقية كما فعل عرفات الذي تدافع ضمنا عن اختياره بقولك إنه كان يبحث لشعبه عن مكان تحت الشمس،فهل لي أن أسألك هل وجد لهم هذا المكان بعد كل ما قدم من تنازلات أم أن كل ما استطاع أن يعده لهم ولرجال المقاومة خصيصا هو الزنازين وأقبية السجون ومخافر سلطة أوسلو عبر التنسيق الأمني مع اليهود، حتى لقد بلغ لوقت ما عدد المعتقلين في زنازين عرفات أكثر من المعتقلين في سجون الاحتلال. مسار أوسلو الاستسلامي الذي تسميه عملية سلمية ليس حلما مشروعا كما تدعي، إلا أن يكون حلما للمستوطنين أو المتخاذلين ... الكلام يطول لكن باختصار : حماس لازالت حماس، وإن تولت يوما ففلسطين أكبر منها، ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم.)

Kamal منذ 6 سنوات

خطوة موفقة من حماس نتمنى أن يسحب بها البساط من تحت أقدام عباس و عصابته