الاحتجاج على الـ"système"

04 مايو 2017 - 16:04

إن الحملة الانتخابية الفرنسية، إسوة بتلك التي سبقتها في بريطانيا العظمى، والولايات المتحدة وهولاندا، وتلك المقبلة في بلدان أخرى فرصة مواتية لعدد كبير من المرشحين للترافع ضد “النظام” (système)، المسؤول عن كل المآسي، كل الإخفاقات، وكل الصعوبات. فهذا “النظام” هو الذي تسبب في تفاقم البطالة، والفقر، وأزمة السكن، وسوء العيش، وسوء التغذية، والإرهاب، بل وحتى الاحتباس الحراري، كما يدعي بعضهم.

ليس أمرا جديدا أن نبحث عن سبب واحد ووحيد لكل المآسي والصعوبات التي تعصف بزمن ما. بل إنه ممارسة مألوفة. أطلق عليها الإغريق اسم “الفارمكون” (pharmacon)، وتمت ترجمتها فيما بعد إلى “كبش الفداء”، في إشارة إلى ذاك التقليد القديم الذي كان سائدا في “يهودا” (الاسم الذي يطلق في الأدبيات اليهودية والمسيحية القديمة على منطقة في الضفة الغربية). وهذه العبارة تعني: ذلك الذي يتم عقابه على كل الجرائم والخطايا التي ارتكبها الجميع، وذلك لتجنب انتقام الناس بعضهم من بعض، وبموته يستتب النظام الاجتماعي. وعبر التاريخ قام بهذا الدور الكثير من الشعوب ومن الجماعات البشرية: الساحرات، الغجر، السود، العرب، الماسونيون، اليهود، المسيحيون، المسلمون، وكثيرون آخرون كانوا يعتبرون “غرباء” عن الجماعة.

ومنذ فترة، صار هذا الدور يلصق أكثر فأكثر بـ”كيان” غريب (entité) يسمى “النظام” (système). والكلمة غامضة بما يكفي لكي يضفي عليها كل واحد ممن يستعلمونها، وكل واحد ممن يسمعونها ما يحلو لهم من مدلولات. بالنسبة إلى بعض مستخدميها، تعني رجال السياسة، وبالنسبة إلى آخرين تحيل على أرباب المقاولات والأغنياء، وبالنسبة إلى فئة ثالثة تعني الموظفين السامين، سواء أكانوا فرنسيين أو أوروبيين. وهي تطلق بشكل عام على كل أولئك الذين يسهرون على اشتغال المجتمع كما هو اليوم؛ وبشكل أعم تحيل على كل أولئك الذين حققوا النجاح باتباع قواعد اللعب المعتمد حاليا والذين نصفهم بـ”الأوليغارشيا”. وتعني بشكل أكثر عمومية، قواعد اللعب نفسها، أي اقتصاد السوق، الحدود المفتوحة، النظام البرلماني والديمقراطية.

هذا “النظام” (système) الذي يفضي بنا اليوم، إلى وضعية محبطة وغير عادلة ولا مقبولة، على عدة مستويات، بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة الذين فقدوا الأمل في تحسن أوضاعهم.. وضعية حيث تراكم أقلية، صارت وراثية، الامتيازات.

من جانب آخر يعطيها الذين يسمعونها معنى معينا، وفي الغالب يجعلونها سبب إحساسهم بالظلم والإحباط.

وبالتالي، لما يحدث وتصل إلى أسماعكم الحديث عن “النظام”، اسألوا أنفسكم فيما تفكرون، وستقفون على ما يزعجكم في المجتمع. وستسألون أنفسكم إن كان الأمر عادلا. ستتساءلون بخصوص مقصد كل هؤلاء الذين ينتقدونه (أي النظام)، وإن كانوا لا يقيمون أي وزن لمحدثيهم الذين يعتقدون أنهم قادرون على إقناعهم بكل هذه العموميات الغارقة في الاختزال.

ستتساءلون إن لم يكن هذا “النظام”، بالنسبة إلى كل واحد منا، هو “الآخرون” حين نجد صعوبة في قبول نجاحهم.. حين نعتبر قوتهم أو ثراءهم أو نجاحهم أمرا غير مشروع. وستتساءلون إن كان من الضروري حقا إعادة النظر في كل ما تتكون منه ديمقراطيتنا.. أسلوب حياتنا.. علمانيتنا.. انفتاح حدودنا.. قدرتنا على استقبال حقنا من بؤس العالم.. وستتساءلون، كذلك، أليس من الأفضل العمل على تحسين هذا التوازن الهش والدقيق الذي نسميه “ديمقراطية السوق”، حتى نجعل حكمة الأولى تُوازِن حيوية الثاني.

 

ترجمة مبارك مرابط عن “ليكسبريس”

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *