بنعدي: النخب الحالية فاشلة.. بما فيها تلك التي تدبر شؤون الدولة

13 يونيو 2017 - 12:02

يرى الأمين العام السابق للأصالة والمعاصرة حسن بنعدي، أن ما يحدث في الريف يعبر عن فشل كل مؤسسات الوساطة، وبأن النخب الحالية بما فيها النخب التي تدبر دواليب الدولة، فاشلة، وبأن الفاعلين الموجودين في الساحة منقسمون إلى صنفين، صنف يريد فقط دفع المسؤولية عن نفسه، وصنف يقول أنا متورط فليس أمامي حل سوى الهروب إلى الأمام، وهؤلاء جميعا أصبحوا جزءا من المشكل.
السي بنعدي، أنت كنقابي مجرب وأستاذ الفلسفة، كيف ترى حراك الريف؟
من الصعب الجمع بين مقاربة النقابي وأستاذ الفلسفة، لأن النقابي يتفاعل تلقائيا مع كل ما هو مطلبي وينظر إليه من وجهة نظر نقابية محضة، وينظر إلى مدى مشروعيتها ومدى استجابتها للتطلعات الحقيقية للناس، في حين أن أستاذ الفلسفة مفروض عليه أن يأخذ مسافة من كل ما يجري من الأحداث، ومع الفاعلين وردود فعلهم والتفاعلات المختلفة، لأنه يحاول أن يعرف اتجاه تطور الأمور، وما هي الإمكانيات المُحتملة. صراحة أنا لا يمكن أن أنسلخ عن ذاتي وألا أرى الأمور من الواجهتين، فمن الناحية المطلبية، لن أضيف شيئا استثنائيا عن غالبية من تحدثوا في الموضوع، حيث لا ينكر أحد مشروعية المطالب المرفوعة التي هي مادية وحقوقية واجتماعية، هذا شيء بديهي. أما من ناحية أين تسير الأمور، إذا سمحت لي، هنا سأعود قليلا إلى الوراء، فقد سبق لي منذ سنتين أن اعتمدت على دراسات موضوعية قام بها بعض علماء الاجتماع، مثل إيمانويل تود على ما سمي بـ »الربيع العربي »، ودرسوا وربطوا تلك الأحداث بتحولات موضوعية عرفتها التركيبة الديمغرافية على مستوى البلدان العربية. ماذا كان يقول الدارسون؟ كانوا يقولون إن المغرب في سنة 2017 من ناحية تركيبته الديمغرافية، سيصل إلى المنعطف الذي وصله المجتمع المصري والتونسي سنة 2010، لم يقولوا إنه ستقع ثورات، لكن قالوا إنه ستكون أمامه تحديات كبرى. كما أن تقرير الخمسينية نفسه حين درس واستشرف التطورات القادمة ودرس التحديات نبه هو أيضا إلى هاته المخاطر. إذن فما يحدث هو موضوعي وما يجري في الحسيمة أنا أعتبره فقط تجليا لأشياء يمكن أن تتجلى في كل مناطق المغرب.
تَجَلٍ لماذا؟
في المغرب قبل 25 سنة كنّا قد وصلنا أوج تزايد السكان، وبعدها ستأتي أفواج كبيرة من الناس الذين يبلغ عمرهم بين 20 و30 سنة، وهاته الأفواج ينبغي أن تحصل على شغل وأن تلبي حاجياتها، وينبغي أن تكون قد استفادت من تعليم جيد ومن اختصاص قادر على إدماجهم في سوق الشغل. والاختصاصيون يجمعون على أن الـ 300000 الذين يفدون كل سنة على سوق الشغل لا يمكن أن تستوعب منهم سوى 100000، ما بين قطاع خاص وتعليم عال ووظيفة عمومية، ولا نعرف مصير الـ 200000 ألف الأخرى. فكل خمس سنوات، هناك مليون من المغاربة لا تعرفهم، ولكن هم مواطنون موجودون ويتفاعلون ويستعملون الهواتف الذكية ولهم أحلام وطموحات في العيش كالآخرين. وهذا كله يشكل ضغطا معينا ينبغي الاستجابة له. ما يقع في المغرب هو أن الجميع يجمع حاليا أن مؤسسات الوساطة فاشلة من أحزاب وجمعيات وغير ذلك، بمعنى كل ما تنتجه لنا النخب الحالية بما فيها النخب التي تدبر الأمور في دواليب الدولة والنخب التي تنشط في المجتمع المدني وغيره، فاشل، إنها الأسباب الموضوعية لكل ما يحدث.
تتحدث إجمالا عن أسباب موضوعية، أليست هناك خصوصية لما يقع بالريف؟
في بعض الأحيان يتم تضخيم الأبعاد الخصوصية والهوياتية، هناك بالفعل من شخص الأمور وحصرها في الحسيمة، نعم هناك خصوصية لكن الذي يضخم هذا الجانب تكون له أهداف أخرى. والآن، بسبب ذلك هناك مجهود كبير وتبذير للوقت فقط كي يبعد المحتجون عن أنفسهم تهمة الانفصال، إذن فهذا التضخيم من الخصوصية خلق نقاشا مغلوطا، هذا من جهة. أما المسألة الثانية، فهي خطاب « التلاوم »، « أقبل بعضهم على بعض يتلاومون »، وهو النقاش السياسي الذي وقع في البرلمان، الحكومة تقول للبعض أنتم من توجدون على رأس الجهة، والآخرون يقولون لا هي مسؤولية الحكومة.. وفي نظري فكل هذا الخطاب الآن لا يفيد بل يزيد في تعقيد الأمور وتوسيع الشرخ، كطاقم يقود باخرة وفي فترة ضباب وخطر عِوَض طمأنة الناس يبدأ أفراد الطاقم في الشد والجذب بينهم. ولهذا أتمنى أن تسود الحكمة وألا يتم تحميل الأمور أكثر مما تحتمل.
ما هو المخرج الذي تراه ممكنا في ظل هذا الوضع؟
أنا أعتقد أن المخرج ينبغي التفكير فيه بمنأى عن الضوضاء القائمة الآن، الفاعلون الحقيقيون الموجودون حاليا في الساحة الآن هم صنفان: صنف يريد فقط درء المسؤولية عن نفسه، وصنف يقول أنا متورط فليس أمامي حل سوى الهروب إلى الأمام وهؤلاء جميعا أصبحوا جزءا من المشكل. وأنا أظن أنه ليس هناك خوف على الاستقرار وتماسك الدولة، لكن إذا استطعنا التفكير بتأن للجواب عن عمق المشكل، لا ينبغي فقط حصر الأمر بالحسيمة، بل ينبغي التركيز على معضلة الشباب المغربي العاطل وكيف يمكن أن نفتح له عمليا أفقا.
ذكرت فشل وسائل الوساطة، ألا ترى أن البام في الريف فشل في مهمة المصالحة وفشل في لعب دور الوساطة وأصبح جزءا من المشكلة؟
أنا لم أحضر في المؤتمر الأخير، وحينما تتاح لي الفرصة أن أكون حاضرا معهم، الكلام الذي أقوله لك الآن أقوله دائما، وأعتقد أنه ليس البام فقط وحده جزءا من المشكل، فالذي يقع حاليا يعبر عن أن كل آليات الوساطة هي جزء من المشكل. لأننا اختزلنا العمل السياسي في لعبة سياسوية، وأتمنى أن يكون ما يحدث بالحسيمة درسا لإعادة النظر في تجربتنا في العمل السياسي، ولا يقتصر الأمر على أزمة الحسيمة، بل حتى ما سمي بـ »البلوكاج » الذي دام ستة أشهر يظهر أن هناك خللا، إذن فليس البام وحده جزء من المشكل.
لكن أزمة الريف حاليا هي في عقر داره وفي معقله..
البام يسير جهات أخرى وليس فقط تلك الجهة، من السهل أن نقول إن ما يحدث هو في عقر داره إذا كان المراد فقط إلقاء المسؤولية على البام. أنا أقول إن المشكل في البام هو أنه صعب (بضم العين) عليه أن يقوم بالسياسة بشكل مغاير، وكان هذا هو الهدف من التأسيس، أن نعطي نموذجا مغايرا للعمل السياسي. لكن الذي وقع هو أننا تمادينا مع الموروث أكثر من أن نغيره، وجئت للبام بهاته الفكرة، وسبق أن كتبت أن المنظومة الحزبية بالمغرب تم تجاوزها من طرف المجتمع، وبلغة الماركسيين، البنية التحتية كلها تجاوزت البنية الفوقية وأصبحت غير ناجعة ولا تستجيب ولا تعبر عن تطلعات المجتمع وحاجاته، وبالتالي يجب إعادة النظر فيها. غير أنه لدينا حظ ليس عند آخرين، وهو أنه لدينا دولة قديمة ولها تاريخ، نسميها ما شئنا: المخزن أو الدولة السلطانية، ولكن بها مؤسسة وهي المؤسسة الملكية، وهاته الأخيرة ميزتها الكبرى هي أنها تتجاوز الأجيال وتتجاوز المجالات، فهي لا ترتبط بمجال دون آخر، وهي لا تشتغل بهدف انتخابي، بل لها نظرة متجاوزة للزمن، لأن هناك مبدأ الاستمرارية.
والناس الذين يقولون إن المؤسسة الملكية يجب أن تتدخل في أزمة الريف، أقول لهم إن المؤسسة الملكية لا تتدخل إلا إذا كان المشكل ذا بعد وطني، أما أمور التدبير اليومي فهناك مؤسسات أخرى رغم أن بها أعطابا.
ألا ترى أن الأمور بدأت تأخذ بعدا وطنيا، والناس لا يخاطبون مؤسسات التدبير اليومي التي أصبحت متجاوزة في نظر الكثيرين؟
بلادنا وصلت منعطفا تتطلب حلولا استثنائية، وهذا التغيير لا يمكن أن تقوده سوى المؤسسة الملكية لأنها هي محط الثقة، والآخرون ينبغي أن يراجعوا ذواتهم، كي نعطي للمغاربة أحزابا وجمعيات يمكن أن يثقوا فيها.
هل تعتقد أن مسار بنكيران انتهى بإقالته من رئاسة الحكومة أم لا؟
يصعب الإجابة عن هذا السؤال، يقال في السياسة إنه فقط الذين ماتوا هم الذين لا يعودون. يروج في قاموسنا السياسي كلام من قبيل أن فلان انتهت مرحلته، و »هذا دوز وقتو »، و »هذا رجل الساعة »، هذا يصلح في كرة القدم وليس في السياسة.
وبنكيران في نظرك استنفذ وقته أم أزيح و »الوقت مازال محتاجاه »؟
قلت لك الأموات هم الذين لا يعودون.
إذن قد يعود مادام أنه لازال حيا يرزق؟
(يضحك)، سأقول لك أمرا أعمق من كل هذا، أحيانا يتم استغلال الزمن السياسي، ولهذا أقول المؤسسة الملكية تتجاوز الزمان والمجال. فقد كنا في وقت من الأوقات نستغل مسألة الزمن السياسي لإقصاء العديد من الكفاءات وتهميشها. وبلادنا بالتحديات الحالية تحتاج إلى الجميع. وحزب بنكيران في نهاية المطاف هو من سيقرر، أما أنا فليس لي أي مشكل معهم وإنما أقول دائما « خاص غير تامغربيت تكون سابقة الإيديولوجيا ».
ما رأيك في حكومة العثماني؟
أنا أرى أنها نتيجة الخلل العام الذي نعيشه.
وما هو هذا الخلل العام؟
هو البناء المؤسساتي الذي كنا نقوم به منذ سنة 2011، وتبين أنه يجب إعادة النظر في العديد من الأشياء، والأساسي منها قبل كل شيء هو قانون الأحزاب، يجب إعادة النظر فيه وكذلك قانون الانتخابات، كي نرى أنه كنا بالفعل قادرين على السير نحو مؤسسات حكومية قادرة على تحمل مسؤوليتها، فالحكومة الحالية تبدو دون تطلعات المجتمع ولا تطلعات الرأي العام.
وما الذي جعلها بهذا الشكل؟
فعلا « من الخيمة خرج مايل »، هذا أمر واضح. وبغض النظر عن الإمكانيات والمزايا الذاتية للدكتور سعد الدين العثماني، فهناك ظرفية تجعل الحكومة دون التطلعات كما قلت، لأن هناك تناقضات وعدم انسجام كبير.
هل تعتقد أنها ستكمل ولايتها؟
لا يعلم الغيب إلا الله.
نعم، لكن السياسي بإمكانه استشراف المستقبل وتبدو له الاتجاهات العامة..
أنا أرى المصلحة تقتضي أنه في كامل الهدوء وفي منأى عن جميع تشنجات الفاعلين، سواء الذين يريدون أن يسقطوا آخرين أو الذين يريدون الهروب إلى الأمام، أن نفكر وليس من العيب أن نعيد النظر في الوضع بأكمله، لأن المغرب بشبابه وطاقاته يستحق ما هو أفضل.
كيف ترى مستقبل البام في الوضع الراهن الذي لخصته في كون المجتمع تجاوز كل مؤسسات الوساطة؟
مستقبل البام بين يدي البام، لديه الآن تسع سنوات من عمره، إما أنه ستكون له قدرة للقيام بقراءة متأنية في تجربته ونقد ذاتي قويم ونزيه، بعيدا عن الحسابات بين الأشخاص ويخرج بمراجعة حقيقية تمكن من تحرير طاقات الكثير ممن هم قادرون على الاقتراح والتفكير، وإما أن يقول كالجميع إنه بحال جيدة وأفضل من الجميع وسيستمر يقولها لوحده.
وسيستمر؟
سيستمر مثله مثل كل الأحزاب التي فشلت الآن في أزمة الريف، حينما يكون وضع كهذا فهناك خياران، إما أن أنظر للوضعية بجد وأنظر لعمقها وأستخلص منها العبر، وإما أن أنفيها وأرفض الاعتراف بها أو على الأقل أغيب كل ما لا يعجبني. والآن أصبحت الأمور سهلة مع التعامل المنحرف الذي أصبح عند الطبقة السياسية مع وسائل الإعلام، حيث أصبحت وسائل الإعلام كثيرة وكل واحد يبحث عن « اللي يغني عليه »، وهنا يصبح سهلا أن يغيب أي كان ما لا يعجبه، لأنه سيجد دائما من يقول له « نتا زوين »، وسيستمر يوميا في إنتاج خطاب لإلغاء الواقع.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي