الشأن العسكري.. المجال المحفوظ الذي لم يقترب منه بنكيران

13 يونيو 2017 - 22:00

علاقة رئيس الحكومة السابق، عبدالإله بنكيران، مع المؤسسة  العسكرية، كانت علاقة واضحة، وتقوم على عدم التدخل. فإذا كان بنكيران قد بادر إلى اقتراح بديل لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، وفي الوقت الذي أدرج وزارتي الداخلية والخارجية ضمن مجال مبادرته بالاقتراح، رغم إيمانه بضرورة بقائهما خارج يد الأحزاب السياسية؛ فإن موقعين اثنين اعتبرهما بنكيران من البداية خارج مجال تأثيره واقتراحه، وهما الأمانة العامة للحكومة، المرتبطة عضويا بالديوان الملكي، وإدارة الدفاع الوطني. اسما إدريس الضحاك وعبداللطيف الوديي، كانا على رأس لائحة الوزراء التي كتبها بنكيران ومعه عبدالله بها، لتقترح على الملك كي يعيّن الحكومة.

منذ اللحظات الأولى لدخول بنكيران إلى مكتبه بالمشور السعيد، كان مشروع أول قانون يوضع بين يديه، يجمع بين القطاعين الحساسين اللذين تركهما على حالهما السابق. الأمانة العامة للحكومة، طرحت فورا مشروع قانون، يوفّر الحماية القانونية والقضائية لأفراد القوات المسلحة الملكية، والذي سيعرف إعلاميا بقانون حصانة العسكريين. « لم ينظر بنكيران إلى ذلك المشروع كمحاولة للاختبار أو مهمة صعبة تتطلب التفكير والنقاش. هذ مجال عسكري يختص به جلالة الملك فقط، ومادام المشروع قد صدر في صيغته النهائية، فلا مجال للتفكير »، يقول مصدر مقرب من تفاصيل تلك المرحلة. المصدر أوضح أن تفسير بنكيران لهذا الموقف، « يأتي من اعتباره أن المجال العسكري يتسم بخصوصيات كثيرة، من إكراهات واعتبارات خارجية وسيادية، خاصة أن المغرب مازال يعتبر في حالة حرب وإن كانت مع وقف إطلاق النار، وبالتالي فهو اعتبر هذا المجال الأبعد من دائرة تدخله وإدراكه لتفاصيلها، أكثر من الحقل الديني الذي يظل رغم الاختصاص الملكي فيه، مجالا قابلا للفهم والمعرفة الدقيقين. لهذا لم يكن ذلك المشروع موضوع أي نقاش، بل صودق عليه داخل الحكومة بكل سهولة ».

مصادقة سريعة سوف لن تتكرّر في المرحلة الموالية، أي بعد إحالة مشروع القانون على البرلمان، حيث كان نواب حزب العدالة والتنمية في مقدمة منتقدي المشروع والمطالبين بتعديله، خاصة في مادته السابعة الشهيرة. هذه المادة كانت تنص على أنه « لا يسأل جنائيا العسكريون بالقوات المسلحة الملكية الذين يقومون، تنفيذا للأوامر التي تلقوها من رؤسائهم التسلسليين، في إطار عملية عسكرية تجري داخل التراب الوطني بمهمتهم ». وتضيف المادة المضمنة في مشروع القانون الجديد، أن العسكريين المغاربة يتمتعون بـ »حماية الدولة مما قد يتعرضون إليه، من تهديدات ومتابعات أو تهجمات أو ضرب أو سب أو قذف أو إهانة، بمناسبة مزاولة مهامهم أو أثناء القيام بها أو بعدها ».

نواب من حزب العدالة والتنمية تصدروا كوكبة المعارضين لهذه الحصانة الجنائية لفئة من المغاربة، حيث اعتبر زعيم شبيبة الحزب، خالد البوقرعي، أن تلك المادة كان المفروض « أن تعرف نوعا من التدقيق، لأنها قد تكون سبب نزول هذا المشروع بكامله، نحن لا نعترض على توفير حماية للعسكريين أثناء القيام بمهامهم وهم من يتولى حماية حوزة الوطن والحدود والمواطنين، لكن في إطار القانون والضوابط الدستورية والقانون الدولي ». البرلمانيون الإسلاميون، تساءلوا عن سبب التنصيص على منع الانخراط في أي هيئة ذات طبيعة دينية، وقال بوقرعي داخل لجنة الدفاع والشؤون الخارجية بمجلس النواب، إن مجموعة من الجمعيات أسست بناء على ظهير الحريات العامة وهي تنشط في التوعية الدينية ويمكن اعتبارها ضمن الهيئات الدينية. فيما ذهب رضا بنخلدون، السفير الحالي بماليزيا، إلى أن هناك جنودا ينتمون إلى بعض الطرق مثل الطريقة البوتشيشية، « وحذر من أن يخلق ذلك مشكلا نحن في غنى عنه، إذ هناك جمعيات مدنية تنشط في المجال الديني، ويجب تجنب الوقوع في أي انزلاق ». من جانبه عبدالسلام بلاجي، زميل بنخلدون في الحزب، تساءل عما إن كانت الحصانة المنصوص عليها زائدة عن اللزوم « خاصة أنها تشمل حتى أصحاب الحقوق، وبالتالي المفهوم قد يتوسع أكثر من اللازم ». فيما اعتبرت أصغر نائبة في كتلة « الإسلاميين » اعتماد الزاهدي، أن التنصيص على الحصانة تجاه المساءلة الجنائية، جاءت خالية من أي شروط أو تدقيق، داعية إلى التدقيق « من الآن » في هذا الموضوع.

انتقاد ردّ عليه الوزير المنتدب في الدفاع، عبداللطيف الوديي، بالقول إن هناك مرشدين دينيين متمتعين بوضعية خاصة داخل المجال العسكري، حيث يكون لهم تكوين خاص ويزورون جميع الثكنات وهم تابعون لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وأن الجانب الديني مغطى بالكامل. وبعد مخاض عسير ونقاشات صاخبة، صادق مجلس النواب مستهل يوليوز على مشروع القانون المتعلق بالضمانات الأساسية الممنوحة للعسكريين بالقوات المسلحة الملكية، وذلك بإجماع النواب الذين حضروا جلسة عامة خصصت للتشريع. ووضع المجلس بهذه المصادقة حدا للجدل الذي أثارته المادة السابعة من هذا المشروع، والتي أصبحت في الصيغة التالية: « يتمتع بحماية الدولة، العسكريون بالقوات المسلحة الملكية الذين يقومون٬ تنفيذا للأوامر التي تلقوها من رؤسائهم التسلسليين٬ بالمهام القانونية المنوطة بهم داخل التراب الوطني٬ وفق الأحكام التشريعية السارية المفعول. وطبقا للأحكام التشريعية الجاري بها العمل٬ يتمتع العسكريون بالحماية نفسها مما قد يتعرضون إليه٬ من تهديدات أو متابعات أو تهجمات أو ضرب أو سب أو قذف أو إهانة٬ بمناسبة مزاولة مهامهم أو أثناء القيام بها أو بعدها ».

احتكاك بنكيران المباشر مع المجال العسكري، ستكون له مناسبة أخرى، تكتسي صبغة اجتماعية خالصة. فبينما كان ابن كيران يهم بمغادرة البرلمان بعد إحدى جلسات مساءلته الشهرية؛ أحاط به الجنود المغاربة السابقون، والذين قضوا عقودا من الأسر في قبضة جبهة البوليساريو، وانتقلوا إلى الرباط حينها ليعتصموا طيلة شهور، مطالبين بتعويضات تحمي أبناءهم من أخطار المستقبل. الأسرى السابقون لدى جبهة البوليساريو، حاصروا رئيس الحكومة بمطالبهم، مصرين على التدخل لإنصافهم وتأمين مستقبل أبنائهم الذين لم ينجبوهم إلا بعدما نخرت الأمراض أجسادهم المثقلة بآثار التعذيب والتنكيل.

« كان الأمر مندرجا بدوره في الاختصاص الملكي، وبالتالي لم يكن بإمكان الحكومة أو غيرها من الجهات التدخل أو اتخاذ القرار. والحل الوحيد أمام بنكيران، كان هو طرح الملف بين يدي جلالة الملك ». خطوة سوف ينتهز بنكيران أول فرصة أتيحت له للقاء الملك بمناسبة أحد الأنشطة الرسمية، « وفاتحه بالفعل في هذا الموضوع، حيث قال له يا جلالة الملك، إنه لا يليق بنا كدولة بقاء هؤلاء الناس معتصمين في الشارع، وأنه يلتمس منه أن ينظر في مطالبهم ». رحّب الملك بملتمس رئيس الحكومة، ووعد بالنظر في الموضوع. وفي الوقت الذي كان الأسرى السابقون لدى البوليساريو، يحتفظون بمحضر اجتماع ضمّهم بمقر ولاية الرباط، إلى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان إدريس اليزمي، تلتزم بموجبه الدولة بالاستجابة للمطالب الاجتماعية للأسرى السابقين؛ تولّت مصالح وزارة الداخلية النظر في تلك المطالب، حيث قام عمال وولاة الجهات التي ينحدرون منها، بمعالجة هذا الملف بطرق مختلفة، حسب الإمكانات المتاحة في كل منطقة، بين رخص قابلة للاستغلال وبقع أرضية…

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي