شكّلت سنة 2014 لحظة انطلاقة جديدة لعبدالإله بنكيران، وانبعاثا لطموح سياسي كبير تسبّبت عواصف السنة السابقة في ضموره. فلحظة تعيين الملك محمد السادس لحكومة عبدالإله بنكيران بداية أكتوبر 2013، شكّلت بالنسبة إلى بنكيران إشارة طمأنة جديدة ومؤشرا على عدم انسياق المؤسسة الملكية وراء موجة إغلاق قوس الربيع العربي، والتي جرفت في صيف تلك السنة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، بدعم ومباركة خليجيين. مؤشّر الصمود الملكي أمام هذه الموجة العاتية، تجلى أيضا في أولى المهام التي أوكلها القصر إلى رئيس الحكومة، والمتمثلة في تمثيل الملك محمد السادس في قمم ولقاءات خليجية. « ذهب بنكيران في البداية إلى الكويت، للمشاركة في أشغال المؤتمر العربي الإفريقي. هذا المؤتمر كان يحظى بأهمية خاصة، حيث شارك المغرب في مساعدة الكويت في تنظيمه، بعدما كانت قد طلبت مساعدة المغرب في الإعداد لهذا المؤتمر الإقليمي الكبير، وكان وزير خارجيتها قد التقى بالعثماني شهر شتنبر 2013″، يقول مصدر مطلع.
مهمة بنكيران في الكويت شهر نونبر، تلتها مهمة أخرى في قطر شهر دجنبر الموالي. بنكيران حلّ بالعاصمة القطرية الدوحة، قادما إليها من باريس، حيث مثّل الملك محمد السادس في القمة الفرنسية الإفريقية حول الأمن والسلم. ولقاء جمع بين بنكيران وأمير قطر، تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، بمجرد وصول رئيس الحكومة المغربية إلى هذا البلد الخليجي. « كل هذه كانت مؤشرات تؤكد مناعة التجربة المغربية رغم أنها كانت من ثمار الربيع العربي، وبالتالي تبيّن بعد ذلك البلوكاج الطويل الذي عاشته البلاد وقيام جلالة الملك بتعيين حكومة ثانية لحزب العدالة والتنمية، أن هذه التجربة ستكمل ولايتها »، يضيف مصدر « أخبار اليوم ».
في المقابل، واجه بنكيران عددا من العواصف داخل هيئته الحزبية، بسبب التنازلات الكبيرة التي قدّمها في مقابل استعادته الأغلبية الحكومية بالتحاق حزب الأحرار بدلا من حزب الاستقلال. وحتى وهو يستقبل الصحافة في برنامج تلفزيوني خاص بالإقامة الرسمية لرئيس الحكومة بالرباط، دافع زعيم المصباح عن خيار السرية والتكتم الذي حكم مشاوراته لتشكيل الحكومة الجديدة، وقال إن قرار التحالف مع التجمع لم يكن سهلا، وأن التكتم في هذه المسائل طبيعي. « أشياء كثيرة تطرح أثناء المفاوضات، حيث يكون من حق كل طرف أن يطالب بما يريد، لكن لا فائدة من إعلان تلك التفاصيل التي قد تخلق حزازات مجانية. ما يهم الناس هو نتيجة تلك المشاورات ومآلها »، يقول مصدر « أخبار اليوم » الذي خبر أسرار التجربة الحكومية السابقة.
بانتهاء 2013 ودخول 2014، تبيّن أن الخطة التي صعد بموجبها حميد شباط إلى زعامة حزب الاستقلال، قد فشلت. فأحد السيناريوهات التي رافقت هذا الصعود، كان يقول بإعفاء حكومة بنكيران بعد خسارتها الأغلبية، وتعيين رئيس للحكومة من الحزب الثاني في انتخابات 2011، والذي لم يكن سوى حزب الاستقلال. « انتهاء المعركة بتلك الطريقة شجّعت بنكيران على إنهاء مرحلة انحنائه للعاصفة، وشنّ هجوما قويا ضد شباط بعدما تجاهله كثيرا. قمة هذا الهجوم كانت في جلسة المساءلة الشهرية، التي لمّح فيها بنكيران إلى وجود ملفات تثبت تهريب قيادات في حزب الاستقلال للأموال نحو الخارج، دون أن يذكر شباط بالاسم »، يقول مصدر موثوق. فتحت هذه الخرجة ملف سلاح ملفات الفساد وتوظيفها في الصراع السياسي، « رغم أن بنكيران ظل يرفض استعمال ملفات الفساد التي اطلع عليها حزبه من موقع المسؤولية الحكومية »، يقول المصدر نفسه.
عودة قوية لم تكن نهاية الصعوبات التي واجهتها حكومة بنكيران. وسرعان ما أقدم المجلس الدستوري على اجتهاد جديد يقضي بسحب اختصاص تعيين الأمين العام للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من رئيس الحكومة ومنحه للملك، إضافة إلى اختصاص تعيين رئيس المجلس. هذا الأخير أمر بإعادة هذا القانون إلى البرلمان، من أجل حذف المقتضى الذي كان ينص على تعيين الأمين العام للمجلس بمرسوم يصدره رئيس الحكومة، معتبرا ذلك « غير مطابق للدستور ». ومع حلول الذكرى الثالثة لخروج حركة 20 فبراير، كان بنكيران يعود إلى العلاقة مع المؤسسة الملكية، بإثارته موضوع قانون « ما للملك وما لبنكيران ». هذا الأخير بادر من منصة منتدى المدرسة الوطنية للإدارة، إلى فتح الموضوع قائلا إن أخبارا راجت تفيد أنه تنازل للملك عن كثير من صلاحياته، بمناسبة تحديد لائحة المؤسسات الاستراتيجية التي يجب أن يتولى الملك تعيين رؤسائها. « البعض قال إنها يجب ألا تتجاوز ست أو سبع مؤسسات، لكنني لا أفهم تنزيل الدستور بكونه الدخول في مشادات مع جلالة الملك، المهم أن التعيينات تتم في الحالتين باقتراح مني، البعض يعتقد أنني سأكمل مسارهم السياسي، بينما أنا لي مسار سياسي الخاص بي، والعلاقة يجب أن تكون علاقة تعاون وليست صراعا ».
أكثر مراحل الارتياح في عمر الولاية الحكومية السابقة، أي العام 2014، جمع بين جني بنكيران أولى ثمار قراراته غير الشعبية باستعادة تدريجية لعافية التوازنات المالية الكبرى، واحتفاظه بمنسوب مرتفع من الشعبية. فقد كشف البارومتر السياسي الذي تعدّه مؤسسة « أفرتي » بشراكة مع جمعية « مبادرة طارق بن زياد »؛ عن احتفاظ رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران، بثقة أكثر من نصف المستجوبين، بل وارتفاع كبير في مستوى ثقة الفئة الشابة المتراوح عمرها بين 18 و24 سنة، حيث بات أكثر من 81 في المائة من هؤلاء يعبرون عن ثقتهم في رئيس الحكومة. وأغرب ما في نتائج البارومتر الجديد، هو نسبة الثقة الضئيلة في المعارضة، والتي يفترض أنها تشكل البديل المحتمل عن الحكومة. فخلال ستة أشهر، وبعد كل القرارات التقشفية التي اتخذتها الحكومة، لم ترتفع ثقة المغاربة في المعارضة إلا بنسبة 6 في المائة، لتصل إلى 19 في المائة. المستجوبون قالوا إن أحزاب المعارضة حققت تقدما من حيث قوة الظهور، لكنها تراجعت من حيث الجدية، وذلك بنسبة 7 في المائة.
بعد أقل من شهرين، وفي بداية أبريل 2014، كان استطلاع آخر يقول إن بنكيران قادر على الفوز بأية انتخابات تنظم حينها. الاستطلاع الذي أنجزته مؤسسة « سونيرجيا » المتخصصة، لفائدة يومية « ليكونوميست »، قال إن بنكيران يحتفظ بدعم 45 في المائة من المستجوبين الممثلين بشكل شبه محكم للمجتمع المغربي، فيما لا يشكّل الذين عبّروا عن عدم رضاهم عن أدائه الحكومة، سوى 31 في المائة من مجموع المستجوبين. معطيات من بين أخرى ستشجع بنكيران بعد بضعة أسابيع على مخاطبة أتباعه مبشرا إياهم بالفوز بالانتخابات المحلية المقبلة، رغم خسارتهم لبعض الاستحقاقات الجزئية التي نظمت حينها.
عندما شارفت سنة 2014 على الانتهاء، وضعت الأمانة العامة للحكومة مشروع المرسوم الضروري للإفراج عن أول دعم مالي مباشر للفقراء في عهد حكومة عبدالإله بنكيران على طاولة المجلس الحكومي. فبعد التأرجح بين عتبتي 500 و1000 درهم شهريا، ثم اللجوء إلى المبالغ التي تم اعتمادها بالنسبة إلى النساء المطلقات اللواتي يعجز أزواجهن عن دفع النفقة، وخصّص لهنّ مبلغ 350 درهما شهريا عن كل فرد من أفراد الأسرة في حدود ثلاثة أفراد. معطى أكمل عناصر الوصفة التي ستحمل بنكيران إلى موجة صعوده الانتخابي الثانية، في محليات 2015، ثم تشريعيات 2016.