منجب: السلاطين دأبوا عبر التاريخ على تأديب وزرائهم

29 أكتوبر 2017 - 20:00

ما هي فلسفة عقاب خدام الدولة في التقاليد المخزنية؟

ما تسميه “فلسفة” عقاب الخدام في التقاليد المخزنية، هو امتداد لثقافة “التربية” عند الأسرة والعائلة الممتدة وهذه الممارسات العنيفة رمزيا أو ماديا عرفها تاريخ المغرب منذ قرون. وقد يكون لنفس الفعل العقابي وقع مادي ودلالة رمزية. وقد كانت الأم “تربي” أبناءها بالجلد بالعصا أو الحزام الجلدي وبناتها “بالتقراص” حتى سن المراهقة على الأقل. أما رب العائلة الذكر فيمكنه أن يعاقب أبناءه مهما كان عمرهم، رغم أن ممارسة العقاب الجسدي تصبح نادرة عندما يتزوجون ويكونون أسرة. نفس أساليب العقاب وأحيانا التعذيب، مورست داخل دار المخزن، ليس فقط من لدن السلطان ضد أبنائه وخدمه، ولكن، كذلك، ضد معاونيه، بل ووزرائه.

قبل الاستعمار كيف كان السلاطين يعاقبون خدام العرش من وزراء ومسؤولين؟

كانت وسائل العقاب متعددة، وهنا أذكر فقط ما يرد بذهني الآن، مثل مصادرة الأملاك أو “التتريك”، العزل من الوظيفة بصفة مؤقتة أو نهائية، النفي خارج قبيلة المعني أو مدينته أو من حاضرة الدولة أي العاصمة، إرسال المعني إلى الحج الذي كان يدوم طويلا، وهذا النوع من العقاب المؤقت والخفيف نسبيا كان يقتصر على المقربين من أعضاء العائلة السلطانية أو الخدام الذين يتوفرون على تقدير خاص لدى السلطان. كما أن هناك عقابا يتجلى في اعتقال وربط يدي وجسم المعاقب بالحبال وتطويفه بالمدينة ورأسه عاريا ليكون عرضة لسخرية الناس وضربهم وقد يبصقون عليه. وهناك طبعا من يرثى لحاله فيعطيه خبزا أو قدح ماء أو حليب أو يقترح مالا لفديته. وهناك أسلوب جلد المغضوب عليهم من طرف فرقة متخصصة من رق القصر تسمى “عبيد العافية”. وهناك، طبعا، السجن والقتل..

وللحقيقة والتاريخ يجب التذكير هنا أن ممارسات المخزن السلطاني لم تكن أعنف بكثير من ممارسات القبيلة، بل قل والعائلة والعشيرة.

فتهمة الخيانة السياسية أو محاولة قلب النظام، والتي كانت تعاقب في الغالب الأعم بالقتل، كانت تقابلها على مستوى العائلة جرائم الشرف، حيث يقتل الأخ أو الأب أو الزوج قريبته أو رفيقة حياته بسبب ربطها علاقة خارج الزواج، خصوصا إذا انفضح الأمر وأصبح حديث الناس أو إذا وقع حمل ظاهر أو ازدياد طفل من علاقة غير شرعية.

ما هي أبرز قصص العقاب في تاريخ المغرب؟

أذكر بعض الأمثلة العالقة بذهني ولا أقول إنها الأبرز ضرورة. هناك قضية قائد دكالة ومحنته مع السلطان سليمان (1796-1822). كان السلطان سليمان العلوي رجل ورع وخلوق، وهذا شيء نادر في تاريخ المغرب السياسي. كان لا يحب ظلم القواد للرعية وفسادهم وحارب ما أمكن، خصوصا في النصف الأول من عهد حكمه، طغيان عماله وممثلي المخزن بالأقاليم. جاءه قايد دكالة بعد مدة قصيرة من تعيينه في منصبه بهدية عظيمة ليتقرب من السلطان وبها “خوابي” السمن والعسل والخراف وأشياء أخرى نفيسة، فقال له السلطان مستنكرا، ما معناه، كيف جمعت كل هذا في هذه المدة الوجيزة وأمر بسجنه لمدة طويلة، بل إنه ألح ليكلف بتنظيف المراحيض الجماعية بالسجن.

أما تحت حكم السلطان عبدالعزيز، فقد حدثت نكبة الأخوين المعطي ومحمد الجامعي في نهاية القرن التاسع عشر. كان أحدهما صدرا أعظم والآخر وزيرا للدفاع. تم اعتقالهما بعد وشاية كاذبة من باحماد الشهير بعدوانيته، حيث ألب عليهما السلطان الشاب المنعدم الخبرة. وُضعا بسجن تطوان وهما مقيدان الواحد بالآخر لمدة حوالي عشر سنوات. ولما تمت وفاة أحدهما خاف عامل تطوان أن يظن السلطان أنه لم يمت حقيقة، وإنما أطلق سراحه العامل لرشوة أو تعاطف، فترك الميت مربوطا مع أخيه الحي حتى تحللت جثته، وذلك في انتظار أن يقرر السلطان في شأنهما. لقد احتفظ السلطان بالأخوين في السجن رغم وفاة باحماد سنة 1900. أما السلطان عبدالحفيظ، وهو أخو عبدالعزيز، فقد رمى باشا فاس، بنعيسى بنحمو، بالسجن هو وعشرون من أفراد عائلته، متهما إياه بالولاء للسلطان السابق. وكان هدف عبدالحفيظ الحقيقي، هو الاستيلاء على ثروة الباشا السابق المعروف بغناه، وقد عذبت السيدة الباتول زوجة هذا الأخير تعذيبا جهنميا ولمدة أسابيع طويلة لتعترف بمكان “كنز” زوجها. انفضح الأمر ووصل للصحافة البريطانية ثم الفرنسية، فبدأت بعض الدول الأوروبية تضغط على سلطان المغرب ليطلق سراح المرأة وعائلتها. كانت تلك إحدى أولى فضائح حقوق الإنسان بالمغرب، والتي تحولت إلى قضية دبلوماسية ودولية، بطريقة تشبه قضية تازممارت ثمانين عاما بعد ذلك… طبعا، بعد الحملة الإعلامية والدبلوماسية، اضطر عبدالحفيظ لإطلاق سراحها دون أن تطلق هي سراح الكنز إذا كان هناك من كنز.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي