الإفريقي تكتب: التهمة تليق بك

26 فبراير 2018 - 15:37

لا تدري نَفْسٌ متى تُعتقلُ غداً، ولا بأي تُهمةٍ تُحاكَم، وحدهم العليمون..نحن متأكدون فقط، من نزول القضاء ونسألهم اللطف فيه.

فقدرُنا مسطَّرٌ سلفا، ورقمُ زنزانتنا معروف، صورُنا من اليسار واليمين والأمامالتقطتْها عدسةٌ خفية ورُتبت بعنايةٍ في ملف خاص، الكتيبة التي ستتكلف بالإشادةبالقبض علينا أخذت مستحقاتها مسبقا، والبلاغ الذي ستنشره وكالاتُ الأنباء شبهُجاهز، ينقص فقط، نوعُ التهمة لينزل القضاء المقدر الذي ينعدم فيه اللطف.

إعداد التهمة المناسبة لمقاسك ولونِ عينيك ونبضِ قلمك، هو الإشكالُ الوحيد الذيقد يؤخر القضاء المنزل في دولة الحق والقانون، التهمة تحتاج ترتيبا دقيقا، وتفكيراعميقا، وتخطيطا مسبقا، وسيناريو مشوق ومتماسك في حبكته الدرامية.. فبلدالإنصاف والمصالحة لا يقمع الحريات ولا يمنع الحق في الرأي ولا يضع معارضيهداخل الأكياس في الظلام الدامس ويخفيهم عن الأنظار في المعتقلات السرية، بلدإصلاح العدالة يفضل القبض عليهم في الصباح الباكر، يَطرق بابهم بأدب، يمنح لهمالوقت لأخذ حمامهم وفطورهم وتقبيل جبين من يحبون، ثم يأخذهم إلى الجحيم،بتهمة واضحة المعالم، ومعللة بالقرائن والأدلة وأدوات الجريمة، مع توفير كلالإكسسوارات الشكلية لتبدو المتابعة عادلة.

في بلد دستور الحريات، يمكنك النوم في أمان بعد أن تنشر على حائطك حكمة عن الحرية، ويمكنك السير مطمئنا في درب ضيق بعد عودتك من وقفة تطالب بفصلحقيقي للسلط، ويمكنك تأمل البحر بعد تحقيقك الصحفي عن التوزيع غير العادللثروات البلد، كما يمكنك شرب قهوة مع صديق في شرفة مشمسة بعد أن تنشر مقالاعن الربيع ..ففي الوقت الذي تنشغل فيه بالحلم أو بكتابة قصيدة حب في الوطن،يكونون منشغلين بكتابة أخرى، كتابة السيناريو المحبك للتهمة.

التهمة.. مهمة صعبة، كلما علا شأنك في سلم الأخلاق والقيم، تعقدت مهمةحبكها..وكلما تشابكت علاقاتك، تأخرت العقدة الدرامية..وكلما اتسعت رقعة الأتباعوالمريدين والمعجبين، تطلب الأمر تهمة حقيقية من صنع يديك، لهذا يربطونشرايينك بجهاز للرصد لضبطك متلبسا بخفقة قلب أو زلة لسان أولمسة زر أو رسالةطائشة أورعشة محرمة أو بسمة على شفتيك وأنت تشاهد فيديو.

لن تنال أبدا شرف التهمة النبيلة، تهمة عشق الوطن والهيام بالحرية..فالتهمةالمناسبة للمطالبين بالكرامة يجب أن تكون مذلة ومنحطة ومقززة وكريهة الرائحة،ومن الأفضل أن تحمل أثر الدم أو رائحة الحشيش أو بقايا غبار حوافر خيولالقاعدة أو بقعة أحمر شفاه بائعة هوى..

والتهمة يجب أن تكون صادمة وفضائحية ومتعددة الوظائف، لا يكفي أن تدينفقط المتهم البريء، بل من الأفضل أن تدمر الصورة الأخلاقية لمهنته النبيلةأوحركته الاحتجاجية أوحزبه السياسي أو هيأته الحقوقية.. تأملوا معي هذا«الكاطالوغ» المتنوع من التهم، وتأملوا وقعها الساحر على الرأي العام: تهمة الزنىلفنان من العدل والإحسان في بيت للدعارة، تهمة المتاجرة في الكوكايين لنقابييدافع عن العمال الفقراء في شركة نافذة، تهمة بيع الحشيش لناشط في 20 فبراير،تهمة النصب لمدير نشر جريدة مزعجة، تهمة الضرب لحاقد على الوضع، وتهمةالإرهاب لصحفي يطالب بالديمقراطية

تأملوا الذكاء في حبك التهم، رسالتها المشتركة هي: لا تصدقوهم، ولا تلتفتوالهذيانهم، إنهم مجرد صعاليك وحشّاشين وإرهابيين وقُطَّاع طرق.

* نشر في موقع « اليوم24 » في 26 شتنبر  2013

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

yalli hanie منذ 6 سنوات

كلمات وكلمات، هكذا قدرنا أن نقرأ ونكتب الكلمات ولا حق لنا في العيش بكرامة في هذا البلد العجيب ، لقد لوثوا أذهان الشعب والذي أصبح بقدرة قادر عبد لهم و في خانة الغباء والجهل المركب، ماذا يفيد أن نعلم بأن هذه المؤسسة المحترمة أو أن هذا المسؤول عن ثروات وخيرات البلاد قد فعل وفعل وفعل .... الشيء الضروري أن نفعل نحن ، بيدينا هاته، وأن نغير الواقع المزري الذي نعيش فيه، وليس السرد المجاني مع ما يرافقه من تعابير جميلة و مع ما يتخللها من تشبيهات ومجاز وبلاغة وتناص ... التي ليس لها حكم قيمة تصرف علة أرض الواقع الحقيقة وفي عالم البورصات العالمية التي تؤمن بمبدأ الربح والربح فقط وتبعا لذلك لن تغير شيئا من هذا الواقع المغربي المضحك والمبكي في آن واحد .... ربما لن أطيل في الكلام لأن الكلام في وقتنا هذا لا يشتري لا رغيفا ولا يستأجر شقة عادية في حي شعبي ولا حتى ثمن رحلة عبر ربوع مغربنا العزيز ، عفوا مغربهم هم وبقرتهم الحلوب هم أما نحن فبمثابة غير مرغوب فيهم و مشاهدين لحبكة مسرحية معروفة أفق انتظارها طبعا ....... وأخيرا وليس آخرا يجب أن نسئل أنفسنا أولا : "لماذا نحن هنا" ولماذا نقبل أن نعيش بدون كرامة .. ؟؟ ولماذا لم ندق جدران الخزان بعد ؟؟؟" كما في رواية غسان كنفاني رغم علم أبطال الرواية بأن الموت وشيك وأن اختناقهم مسألة وقت ليس إلا، ومع ذلك فقد فاختاروا الموت المجاني و لأنهم في الحقيقة عرفوا بأنهم موتى ومع سبق الإصرار والترصد لا غير ...

بلحفيظ حسن منذ 6 سنوات

كلما قالته اختي الصحافية فاطمة المحترمة والانيقة في كتابتها وبرامجها التلفزية هو تمديد ما حدث لعدة شرفاء الدين دافعوا عن الحق والدموقراطية ومحاربة الفساد والاستبداد في هاذا البلد الجميل.شكرآ فاطمة على هاذا التعليق الانيق الذي لخصت فيه عن كل من له مبادئ دمقراطية

أحمد منذ 6 سنوات

أحمد أحييك وأتمنى لقلمك السلامة من كل تلفيق. شكرا على ا المقال الرائع. هكذا إذن مهمة التلفيق ليست سهلة فهي تتطلب منهم صبر وتربص وفنية وذكاء. كان الألى أن يصرف هذا المجهود في حل مشاكلنا العالقة. مودتي

عبد اللطيف منذ 6 سنوات

الف شكر لك سيدتي ، عبرت عما في اعماقنا جميعا ، لكن مهما تفننوا في تلفيق التهم ، تهمتنا التي نستحقها بجدارة ، اكبر واشنع وابشع ، انها تهمةللاسف الشديد ، يقترفها اغلب من يسمون ظلما وزورا : نخبتنا وعقلاؤنا .انها تهمة الخنوع والخضوع والتملق ،حفاظا على مكاسب قاتلة ، تحول بيننا وبين ان تكون احياءا بصدق .

فدوى منذ 6 سنوات

اتمنى أن تكوني بخير بعد هذا المقال

Samesamaranc منذ 6 سنوات

السلام عليكم شكرا اختي على هذا المقال الذي يلخص واقعنا المر .

Omar.Oujda. منذ 6 سنوات

Un grand salut à Fatima,c'est toujours un plaisir de vous lire.

عبد الرحيم منذ 6 سنوات

احتفظوا بهذه المقالة فما زالتم في حاجة إليها مستقبلا

simo منذ 6 سنوات

كلام يوزن بالذهب

المهدي منذ 6 سنوات

المقال لا زال يحتفظ براهنيته. ترى على من سيأتي الدور ؟

مهدي فاروق منذ 6 سنوات

انه فعلا الواقع المر للبلاد فمتى ينتصر الشعب

Abderrahman kenitra منذ 6 سنوات

Très bien dit

كريم منذ 6 سنوات

لو ان أجهزتنا تتفنن في خلق الحلول وابتكار الطرق للسمو بالوطن كما تتفنن في تلفيق التهم ... لارتقينا بوطننا العزيز الى أعلى المراتب . يوما بعد يوم نفقد الثقة في حتى في أنفسنا أن لا يتجسس علينا ظلنا .. تحية عالية للمناضلة الافريقي ...

john titor منذ 6 سنوات

يُظهِر النظام، يوما بعد يوم، ما يكفي من الغباء لكي يُنْهِيَ نفسه..

Yassine yassine منذ 6 سنوات

كلام الأمس يعبر عن واقع اليوم.

المغرب قبل كل شيء منذ 6 سنوات

دائما مبدعة أحيي جميع النساء المغربيات من طينتك..

Aminos منذ 6 سنوات

تحياتي الخالصة من القلب للأستاذة المحترمة فاطمة الافريقي, وتحياتي كذلك لمن أعاد نشر هذا المقال الرائع في موقعكم الالكتروني المحترم , وأخيرا وليس آخرا وهو الخوف من الا تبقى الشفافية سو ى في ملابسات الداخلية

ابو سفيان منذ 6 سنوات

هذه المقالة المفصلة تفصيلادقيقا على مقاص الانظمة العربية ستبقى صالحة ما بقي في الارض مستبد

سلامة منذ 6 سنوات

تحية للاستاذة الافريقي تغريدتك كانت الصائبة. زينت حائط الجريدة وما علينا الا استعان بالصابر.

فؤادوحة منذ 6 سنوات

جدا ابدعتي وقلتي وعبرتي عن داخلي بحرقة ومرارت وضنك عيش في ضل سلطة متسلطة على كل سليط لسان او قلم حبر لا ينضب من قول الحق واظهار الفساد للعامة

ppsta منذ 6 سنوات

شكرا لك يا افريقية يا فاطمة لقد اشفيت غليلي باسلوبك الجميل و كلماتك النافذة الى اعماق الجرح . شكرا لك مرة اخرى و حفضك الله من التهم الجاهزة

التالي