من «غاندي» إلى «هازاري».. الحكمة المقبلة من الهند

21 مايو 2018 - 12:39

تجربة المقاطعة الشعبية التي تستهدف عددا من المنتجات الاستهلاكية من مياه معدنية ومنتجات الحليب ومشتقاته، إضافة إلى المحروقات، ليست فعلا مغربيا خالصا؛ بل هي امتداد لتجارب عالمية ناجحة، عرف المغاربة كيف يوظفونها في السياق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي تعرفه البلاد. هذا الفعل المدني الحضاري يمكن أن يتجاوز توظيفه تحقيق أثر على المستوى الاقتصادي في الجانب المتعلق بالأسعار وحماية القدرة الشرائية للمستهلك، إلى فعل مدني يمارس ضغطا على الفاعلين السياسيين ويؤثر في صنع السياسات العمومية والاحترام التام للقوانين والتشريعات. الهند بلد يصر، دائما، على أن يُدهشنا، خاصة عبر الوفاء لتجربة « غاندي » الشهيرة في مواجهته السلمية واللاعنفية للإمبراطورية البريطانية، التي لا تغرب عنها الشمس.

تقول الحكاية الهندية إن « كيسان بابوراو هازار »، المعروف في الهند شعبيا بـ »آنا هازاري »، وهو من مواليد العام 1937، ناشط اجتماعي هندي وقيادي بارز في حركة 2011 لمكافحة الفساد بالهند، أضرب عن الطعام في 5 أبريل 2011، معتمدا منهج اللاعنفية وتعاليم « المهاتما غاندي »، لممارسة ضغوط على الحكومة من أجل مكافحة الفساد، وكما أكدت وكالات أنباء وجرائد مختلفة بأن الناشط الهندي طالب بإنشاء جهاز يُعرف بـ (أمين المظالم)، ينظر في قضايا الفساد ضد أي شخص بمن فيهم رئيس الوزراء وكبار القضاة وجميع المستويات من البيروقراطيين.

عقب إقرار الحكومة الهندية مشروع ذلك القانون في البرلمان، مستثنية منه كبار القضاة ورئيس الوزراء، دخل « هازاري » في إضراب عن الطعام وسط ساحة عمومية في مومباي، ما خلف احتجاجات واسعة في الهند.

الحكومة الهندية التي أُصيبت بالارتباك من الأسلوب، الذي اختاره « أنا هازاري »، وخوفا من اتساع هذا الأسلوب وسط تعاطف متزايد من الناس، عمدت إلى ارتكاب خطوة بليدة من خلال اعتقال « أنا هازاري » ومنع أي تجمع يتجاوز أربعة أشخاص في مومباي، خوفا من حملة تعاطف واسعة وسط الشارع الهندي، وهو ما حدث بالضبط؛ حيث أجج اعتقال « هازاري »  التعاطف الشعبي معه وأعطى للقضية بعدا دوليا.

وبعد 13 يوما من الإضراب عن الطعام خضعت الحكومة الهندية لمطالب المواطن « هازاري »، وسحبت مشروع القانون من البرلمان لتعديله بما يحقق المساءلة والمحاسبة لكل من يتحمل مسؤولية في السلطة. « أنا هازاري » لم يبتدع شيئا جديدا على الهنود، بل فقط، أعاد الحكمة الهندية القديمة التي أبدعها الرائع « غاندي »، الذي نحت ذات صفاء روحي مقولته الشهيرة:

« في البداية يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك ثم تنتصر « …، حيث انتصر « غاندي » والهنود الفقراء على الإمبراطورية البريطانية بكل عجرفتها وتعنتها.. « أنا هازاري » أعاد الحكاية من البداية بقضية أخرى، وفي زمان آخر. الديمقراطية الهندية لم تمنع الهند من كل مظاهر البؤس والتخلف والفقر..، شوارع مومباي ونيودلهي، لا تختلف عن شوارع أكثر الدول فقرا في إفريقيا جنوب الصحراء، كما أن الديمقراطية الهندية لم تمنع الصراعات العرقية والاثنية والدينية التي لا تنتهي إلا لتبدأ بحدة أكثر وأكبر، ولم تمنع الديمقراطية في الهند صياغة قانون يمنح حماية مطلقة لرجال السياسة، ولم تمنع الديمقراطية في الهند من اعتقال رجل مسالم قرر الإضراب عن الطعام في 74 سنة من العمر…،

لكن هذه الديمقراطية نفسها، هي التي دفعت رجلا لاختيار أنبل أسلوب للاحتجاج دون حرق أو تدمير أو إراقة دماء، وهذه الديمقراطية، أيضا، هي ما جعل وسائل الإعلام المحلية المستقلة حقا (…) تقود حملة تضامن مع « أنا هازاري »، وهذه الديمقراطية، أيضا، هي ما جعلت الحكومة الهندية التي تقود شعبا من مليار ونصف نسمة، تخضع لمواطن هندي وحيد… قاد في مواجهتها معركة الأمعاء الفارغة وحملها على إطلاق سراحه، ثم تنفيذ مطالبه…،

هنا في بلادنا كان جواب الحكومة والشركات لملايين المواطنين المقاطعين، هو سيل من السِّباب والتخوين والاستبلاد، وحتى عندما جاء ما يشبه الاعتذار من طرف رئيس الحكومة، فإننا لم نسجل أي مبادرة فعلية لمعالجة عمق الإشكالية التي طرحتها المقاطعة، والمتمثلة في زواج المال والسلطة، وما ينتج عنه من غياب للمنافسة وتفشي الاحتكار…

باختصار تقول الحكمة الهندية: « إن الديمقراطية هي الحل ».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي