الزفزافي، بنكيران والواتساب

28 سبتمبر 2018 - 12:42

« الشعب يريد إسقاط الجنسية »

« فتحوا لنا الأبواب، خليونا نمشيو فحالنا »

الكثير من الفيديوهات المتداولة مؤخرا تعبر عن قلق عميق يجتاح البلاد والعباد. أطر تهاجر بحثا عن فضاء ملؤه الحرية والعدل والأمان وفيه تحترم آدمية الإنسان، وليس البحث فقط، عن الحاجيات المادية رغم أهميتها. شباب عاطل ويائس ومحكور، لم يعد يتحمل حياة الذل التي يعيشها، حيث تداس كرامته كل يوم.

قد يكون تنامي وتصاعد هذه الظواهر إعلاميا مؤخرا، من فعل فاعل أو فاعلين وأجهزة يتنابزون بينهم لتحديد دوائر نفوذ كل واحد منهم، لكن الظروف الموضوعية مهيأة أصلا وبوفرة في المجتمع.

كيف وصلنا إلى هذا الحد من اليأس من الوطن ومن مستقبله؟ المتتبع لصيرورة الاحتجاجات بالمغرب وبتواليها سيلاحظ ارتفاع وتيرتها وحِدّٙتها وقوتها منذ أشهر عدة. بدأت بطحن ومقتل محسن فكري في شاحنة نفايات بالحسيمة، حَراك الريف، زاكورة، جرادة..، المقاطعة، رفع الشعارات السياسية بالملاعب الرياضية، الحريك…

يمكن إجمال أسباب تسارع الوتيرة في ثلاثة عناصر كبرى وهي: الزفزافي، بنكيران والواتساب.

الزفزافي: بعد تعامل الحكومة القمعي مع حراك الريف والاعتقالات والأحكام الثقيلة الصادرة في حق معتقلي الحراك، وعلى رأسهم رمز الحراك ناصر الزفزافي، فهِم المغاربة جميعا الرسالة الموجهة لهم من طرف الدولة، والتي مفادها أنه لا يوجد هناك مجال للحقوق التي تنتزع، ولا مجال للحرية. هناك فقط أسلوب واحد ووحيد معمول به منذ 60 سنة: « اللي دْوا  يَرْعْف ». كثير من الناس كانوا يعلقون آمالا على أن يدفع الحراك الدولة إلى مراجعة ذاتها وسياساتها للتصالح مع المجتمع والانطلاق نحو البناء، كثير بل الجميع تأكد لهم بعد صدور الأحكام أننا بصدد إعادة إنتاج 60 سنة مرت من تاريخ المغرب. لا النخب ولا الشباب مستعدون لذلك. لقد بدأ البحث عن حل، لكن بعيدا عن هذه « الدولة »..

بنكيران: بعد الاحتجاجات التي قادتها حركة 20 فبراير سنة 2011 وتبني دستور جديد (رغم قِدمه)، كان المغاربة يعقدون الأمل في أن تتحرك الأمور وتتململ السياسات. كان عبدالإله بنكيران بخرجاته يعطي للناس البسطاء انطباعا بأن هناك أملا في الإصلاح، إضافة إلى مساهمته من حيث يدري أو لا يدري في تهدئة النفوس لمدة أربع أو خمس سنوات، تبين للناس في الأخير أنه كان يبيعهم أوهاما ليس إلا. بقيت الاحتجاجات القطاعية، ولكن بقي الأمل عند الناس، كذلك، في غد جديد، دون أن يدركوا أن للسياسة في هذه البلاد قوانينها التي تمهل ولا تهمل.

بعد « البلوكاج » وما رافقه، وبعد إعفاء بنكيران بالطريقة التي أُعفي بها، بغض النظر عن الموقف من ذلك، جزء كبير من الناس أدركوا أن قوس الإصلاحات الموعود بها سنة 2011 يُقْفٙل، ومسلسل التراجعات سيتسارع. لم يعد الناس ينظرون إلى المستقبل، بل إلى أي مستوى ستصل هذه التراجعات؟

الواتساب: هل كانت أوضاع المغاربة أكثر سوءا مما هي عليه الآن؟ أم أفضل من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟ المهم هو أن المغاربة اليوم، أولا، لم يعودوا مطمئنين على مستقبلهم بالمطلق، وثانيا، لم يعودوا أبداً يقبلون بالأوضاع التي يعيشونها حتى وإن افترضنا جدلا أن هذه الأوضاع كانت دائما هكذا أسوأ…

المغاربة اليوم، يرفضون أن يعيشوا أوضاع البطالة، والحكرة واليأس، والفقر.. المغاربة بفضل الوسائط الاجتماعية: الفايسبوك والواتساب، أساسا، يكتشفون يوما بعد آخر كيف أنهم يعيشون خارج التاريخ، وأن معيشة اليأس لا يقبل بها أحد، وأن الإنسان إنسان في بلدان أخرى، أما هنا فهو شيء آخر…

ما يجري اليوم بالمغرب هو لعب بالنار وسط براميل من البارود. وتدارك الأشياء لا يأتي عبر زرع الرعب والتخويف وسط الناس، ولكن من خلال مصالحة حقيقية ومستعجلة تبتدئ بانفراج عام في البلاد، فضلا عن إعادة النظر في السياسة الحالية وتوجيهها نحو نهوض تنموي شامل.. يشارك فيه الجميع ويستفيد منه الجميع.

الطيب حمضي

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي