الدخول في الصحة!

02 أكتوبر 2018 - 14:09

عندما يمرض « أبناء الذوات » يركبون أول طائرة في اتجاه أوروبا أو كندا كي يعالجوا في أفضل المستشفيات، وعندما يتعطل عضو أو جهاز في جسد « بوزبال »، يتشرد على أبواب المستشفيات العمومية أو ينقل على وجه السرعة إلى أول مشعوذ… هذا هو المشهد الصحي في المغرب، ستون عاما بعد استقلال البلاد!

جسد المغربي مثل بيته، كما تتسع الغرفة الصغيرة لعائلة بكاملها دون أن تصنع الدولة شيئا من أجلهم، يتسع الجسد الواحد لعائلة من الأمراض، دون أن يئن أو يشتكي. بعض الإحصائيات تشير إلى أن أكثر من ثلاثة ملايين مغربي مصابون بأمراض مزمنة، مثل السكري والروماتيزم والفشل الكلوي وتشمع الكبد… وكثيرون يجمعون بين كل هذه الأمراض دفعة واحدة، دون أن يمنعهم ذلك من الحياة، والتمتع بالأكل والشرب ومختلف أنواع الشهوات، رافعين شعار المملكة الخالد: « موت وحدة اللي كاينة »، في انتظار زيارة مفاجئة من عزرائيل!

ولو فتشنا عن السبب الرئيس في وفاة السواد الأعظم من المغاربة، لن نجد أيا من الأمراض المزمنة، ولا السرطان ولا السيدا، حفظنا الله وإياكم، بل مرض واحد يمكن أن نسميه « فوبيا الطبيب ». ولا شك أن من علامات التخلف في بلد ما أن يتفادى المواطنون الذهاب إلى الطبيب، رغم تردي أحوالهم الصحية، خوفا من مصاريف العلاج ومن البهدلة على أبواب المستشفيات.  كثير من المواطنين يفضلون أن يتركوا الأمراض تتكدس في أجسادهم كما يتكدس الركاب في حافلة شعبية، بدل إهدار كل ما تملكه الأسرة بين العيادات الخاصة أو التشرد على أبواب « السبيطارات »، بحثا عن « رونديڤو »…

وحتى إذا حصلت المعجزة وعثروا على سرير مهترئ في غرفة رطبة، داخل « الباطوارات » التي تسمى مستشفيات عمومية، يبتزهم الممرضون من عديمي الضمائر، ويتعامل معهم بعض الأطباء كما يتعامل البيطري مع الحيوانات.

بعض المواطنين باتوا يفضلون اللجوء إلى البيطري بدل الطبيب. مؤخرا فقط، لم يستطع نائب وكيل الملك في سطات أن يمسك ضحكته وهو يفحص ملف أحد المشتكين، الذي يتهم شخصا بالاعتداء عليه بالضرب. إذ بينما كان يقلب الوثائق التي بين يديه عثر على شهادة طبية تثبت عجز المشتكي ثلاثين يوما… لا شيء مضحك في القصة لولا أن الشهادة الطبية موقعة من طرف بيطري!

لست متأكدا أن زيارة البيطري أرخص من استشارة الطبيب، لكنها أحد الحلول التي يمكن أن تخفف من خصاص الأطباء في بعض المناطق: توسيع مجال تدخل البياطرة ليشمل بعض الفئات من البشر، خصوصا أن ظروف عيشهم لا تختلف عن حياة الأبقار والحمير والبغال والكلاب!

أما العيادات الخاصة، فإنهم يفحصون جبيك أولا. المريض عندهم مثل نزيل في فندق سيئ الخدمة، مجرد بقرة حلوب ينبغي استنزافها إلى الآخر. يخترعون لك أمراضا إضافية وعمليات لا مبرر لها كي تطول مدة الإقامة، وبسهولة يمكن أن تصاب بجلطة وأنت تغادر إذا ما تأملت الفاتورة، خصوصا أنك تترك شيكا على بياض قبل الدخول… « ودخول الحمّام ماشي بحال خروجو »!

في البلدان التي تحترم مواطنيها، يعالج المريض أيا كان أصله أو عرقه أو مستواه الاجتماعي، دون أن يتحدث معه أحد عن « الثمن »، حتى بالنسبة إلى المهاجرين غير الشرعيين، فإنهم يدخلون المستشفيات العمومية دون أن يشكل غياب أوراق الإقامة أو النقود عائقا في علاجهم، لأن الدولة تملك صناديق خاصة للتكفل بمثل هذه الحالات، وتعتبر الحق في الحياة مقدسا وصحة وكرامة الإنسان قبل كل شيء. لذلك، لا غرابة أن ترى آلاف الشباب ينتظرون « الفونطوم » كي يحملهم إلى الضفة الأخرى، حيث يستعيد الإنسان إنسانيته.

في المغرب، بسبب الفقر وقلة ذات اليد، تأخذ الأمراض راحتها في كل عضو من جسد الإنسان، وتسكن وتتوالد مع توالي السنوات والإهمال. بدل أن يتبهدلوا على أبواب المستشفيات، وأن يوفروا أموال الاستشارة الطبية، يفضل ملايين المواطنين الذهاب عند فقيه أو مشعوذ أو دجال، كي يمنحهم قليلا من الوهم بثمن مناسب، ويتركون الأمراض تتجول بحرية في أجسادهم. « المهم هو السبب والكمال على الله ». إلى أن تبسط الأمراض نفوذها بالكامل على الجسد، « ويأخذ صاحب الأمانة أمانته ». عندها نسمع حوارات سريالية من هذا القبيل: « باش مات مسكين؟ »- « والو، غير موت الله، كان ما بيه ما عليه نعس ما صبح، سبحان الله! ». ولو أجريت تشريحا للجثة لوجدت أن عدد الأمراض التي تحالفت ضد المرحوم أكثر من عدد الدول التي تحالفت للقضاء على تنظيم الدولة.

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي