الدولة والإخوة الأعداء

21 نوفمبر 2018 - 14:25

“إن سلوك الإنسان هو أكثر ما يدل على سياسته”. محمد الغزالي

لم أتصور يوما ما، أن حكومة ستحمل في طياتها هذا القدر الكبير من الحقد بين أعضائها مثل مكونات هذه الحكومة، يبتسمون أمام عدسات الكاميرا، ويحملون خناجرهم اللغوية في السر ليطعنوا بعضهم البعض، كأن زواجهم الحكومي 
كان زواجا مكرها.

لقد عاشت مكونات الأغلبية تفاصيل صراع كبير، داخل اجتماعات اللجان بمجلس النواب، أثناء مناقشة مشروع القانون المالي لسنة 2019، كل ينتقد الآخر، وكل يرقص على جراح الآخر، فأصبحنا كمعارضة في موقع المتفرج في أحزاب تتبادل اللكمات واللغات والاتهامات. وفي الأخير تصوت بشكل جماعي، وفي اتجاه واحد.

إن هذه الازدواجية في مواقف أحزاب الحكومة، باتت تثير التقزز السياسي، حيث حكومة تعارض نفسها بنوابها، وتشتم ذاتها بأحزابها، وبين هذا وذاك تضيع مصالح المواطنين، وكأننا أمام حكومة للتدبير اليومي، وليس حكومة بناء الاستراتيجيات والبرامج الطويلة الأمد، فهل نحن أمام حكومة الاستهلاك السياسي، حكومة اغتيال كل ما هو إيجابي في العملية السياسية؟ أو بصيغة أخرى، هل العداء هو الذي يجمع هذه الحكومة المستنفرة في مواجهة ذاتها، بذل أن يجمعها البرنامج الحكومي؟

لقد بلغت الممارسة السياسية مع هذه الحكومة، مستوى من الضحالة لم تبلغه أي حكومة من قبل، حكومة تتركب من مواقف عدة، كما أمست تتشكل من أجنحة عدة، جناح يريد أن يثأر من الماضي، وجناح آخر يريد أن يحمي المصالح، وآخر يرفض باقي مكونات هذه الحكومة، بل يعتبر الوجود فيها ورطة سياسية، لذلك تموقف منها إن لم نقل أعلن الحرب عليها.

إن هذه التصرفات لا يمكنها إلا أن تدمر العملية السياسية كلها، لأنه لا ندرك أن وراء هذا التراكم السلبي توجد دولة، والدولة موضوع غير قابل للمزاج، ولا يحتمل العبث، لأنها مسؤوليتنا جميعا، ولأن السياسة برمتها هي علم إدارة الدولة، ولأن أي تصرف سلبي قد ينعكس على تلك الدلالة الإيجابية والقيمة الإنسانية للدولة.

إن السياسة الناجحة، هي التي تكون في خدمة الدولة، لا أن تكون الدولة ضحية السياسة، ولذلك، فإن أي تعامل سياسوي قد يفكك الدولة من الداخل، وهذا ما لا يمكن قبوله، لذا على الحكماء أن يتدخلوا، ليعلنوا للجميع أن الاختلاف حول السياسة شيء طبيعي، غير أن الأكثر طبيعية وشرعية هي الوحدة حول الدولة.

لذلك، من يضحي بالدولة بسبب حسابات سياسية ضيقة، لا يسيء للدولة وحدها، بل إلى نفسه كذلك، لأن هذا البلد الذي يجمعنا كفضاء وكدولة، لا يمكننا أن نتعايش وأن نتطور داخله، إلا إذا كنا نمارس سياسة جيدة بأخلاق عالية، وفي ظل دولة قوية.

لذلك، فالحسابات السياسية الضيقة والصغيرة، لن تؤدي في النهاية سوى إلى تحقيق تلك المطالب الظرفية والمؤقتة، لأن منطق احترام الدولة هو الذي يضمن وحدتها، ويضمن استمرارها ويحمي المصلحة الاجتماعية، أما صراع الديكة التي تعيشه أحزاب الأغلبية، فهو يسيء لكل شيء، حتى بالنسبة إلى ذلك الجزء اليسير من الثقة المتبقية في حق السياسيين.  فالدولة مسؤولية الجميع، وأن الحروب التي تعرفها أحزاب الحكومة، ليس إلا هدرا للزمن السياسي، وإساءة للممارسة السياسية، وإخلالا بحسن سير إدارة الشأن العام. فهل سيكف هؤلاء الإخوة الأعداء عن خلط مفهوم السياسة بمفهوم الدولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي