تجريب الفشل مرة أخرى

01 فبراير 2019 - 13:15

أقرب ما يمكن به وصف الحملة الإعلامية ضد حزب العدالة والتنمية، باستعمال سلاح الأخلاق، من لدن منابر إعلامية ونشطاء محسوبين على جهات في السلطة، هو أننا بصدد تجريب وصفة قديمة، كانت نتيجتها الفشل في كل مرة.

قبل انتخابات 7 أكتوبر 2016، جرى استعمال السلاح نفسه، من خلال «تعقب» عمر بنحماد وفاطمة النجار، وكانا حينها نائبي رئيس حركة التوحيد والإصلاح، لأنهما تزوجا عرفيا، وقد استغلت الجهات نفسها تلك الواقعة بشدة للطعن في شرف وأخلاق كل المنتسبين إلى التيار الإسلامي، خصوصا حزب العدالة والتنمية، لأنه حزب منافس. الفرق الوحيد حينها أن تلك الجهات كانت تصطف وراء إلياس العماري، الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، وصارت اليوم «تتبندق» وراء عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار. والنتيجة أن المواطن لم يلتفت إلى تلك الحملة، رغم ضراوتها وحجم الأموال والجهود التي أنفقت فيها، إذ لم تؤثر في شيء على القاعدة الانتخابية للحزب المستهدف، بل حدث العكس، حيث حصد «البيجيدي» مقاعد أكبر من تلك التي حصدها سنة 2011 (انتقل من 105 إلى 125)، علما أن الحكومة التي كان يترأسها لم تحقق شيئا كبيرا لفائدة المواطنين، خصوصا الطبقة المتوسطة، التي صوّتت له بكثافة في 2016، وقبل ذلك في الانتخابات الجماعية سنة 2015، إذ منحته رئاسة أغلب المدن الكبرى والمتوسطة.

طبعا ثمة فرق آخر يمكن رصده، وهو أن حملة 2016 بدأت قبيل الانتخابات بعد أشهر، فيما بدأت الحملة الحالية على بُعد سنتين ونصف من انتخابات 2021، وهذا يعني أننا بصدد حملة ستكون الأطول والأعنف، إذ هذا ما يعنيه الحديث عن استقدام خبرات إنجليزية، وعن تجنيد وسائل إعلامية ورقية وإلكترونية بتمويل كبير، كلها ستركز على «البيجيدي» باستعمال سلاح الأخلاق. وهو السلاح الذي يهدف، حسب ما صرح به أحد الفاعلين في الحملة في حوار صحافي، إلى بث الريبة والشك في نفوس القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، ما يؤدي تدريجيا، وعبر كثافة القصف اليومي، إلى الربط في الأذهان بينه وبين ازدواجية الأخلاق والسلوك، بما يعنيه ذلك في الثقافة الشعبية للمغاربة من نفاق وكذب وخداع، على أمل أن يفضي كل ذلك مع الزمن إلى تحطيم صورة الحزب النظيف أخلاقيا، في أفق تدميره سياسيا بعد ذلك.

من هنا نفهم، أولا، حجم الاستهداف الذي تعرضت له آمنة ماء العينين، أو محمد يتيم، على خلفية نزع الأولى الحجاب في باريس، وظهور الثاني مع فتاة غير محجبة، حيث بدت مواقف أشد العلمانيين تطرفا بشأن الحجاب نسخة مطابقة لمواقف أشد السلفيين تطرفا إزاء القضية نفسها. في حين لو تحلى هؤلاء قليلا بالنزاهة الأخلاقية لرأوا أن غير المحجبات موجودات داخل «البيجيدي»، ومنهن برلمانيات ومنتخبات، لكن العمى الإيديولوجي والحسابات السياسية الضيقة تُخرج صاحبها، في كثير من الحالات، عن رشده السياسي والعقلي.

والواقع أن استعمال سلاح الأخلاق من لدن خصوم «البيجيدي» دليل على ضعف شديد، إذ يؤكد للمغاربة شيئا آخر مسكوتا عنه في هذه الحملة، وهو أن هذا الحزب، الذي قضى في رئاسة الحكومة 7 سنوات وماض نحو استكمال العشر، وربما ولاية ثالثة، لم تتلطخ أيادي قيادييه، من وزراء وبرلمانيين ورؤساء جماعات ومنتخبين، بالسرقة من المال العام، وأن الجهات التي تقود الحرب ضد هذا الحزب، من الداخل والخارج، ليس بين أيديها ملفات جدية حول فساد قادته وأعضائه، وتكشف هذه الحرب، أيضا، أن الكثير من الملفات التي جرى اختلاقها، ونشرت في بعض وسائل الإعلام، إنما كانت محض خيال مريض لبعض المنتسبين إلى مهنة الصحافة فقط.

كما نفهم، ثانيا، حجم التركيز على «المعاش الاستثنائي» لرئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران، والذي منحه إياه الملك محمد السادس، كما فعل هو ووالده الحسن الثاني -رحمه لله- مع معظم رؤساء الحكومات في تاريخ المغرب، باستثناء اثنين؛ الراحل محمد كريم العمراني -رحمه لله- وإدريس جطو -أطال لله في عمره- وكلاهما رجلا أعمال في غنى عن المال العام، ومع ذلك منحهما الملك، تقديرا منه، تعويضا عن أتعابهما في شكل هبات. لم يعترض خصوم «البيجيدي» على العطاء الملكي في حد ذاته، لأنه لم يُسمع لهم يوما موقف رافض للريع، وهذا مفهوم لأن معظمهم يعيش على الريع، من رجال الأعمال إلى مديري النشر في الصحف، لكنهم اعترضوا على الممنوح له، أي بنكيران، والهدف تبليغ رسالة إلى المغاربة تقول إن قادة «البيجيدي»، بمن فيهم كبيرهم، «ملهوطين» على المال العام، مثلهم في ذلك مثل الآخرين، وهي رسالة مردودة، لأن بنكيران ظل 5 سنوات في رئاسة الحكومة، ولا أظن أنهم عثروا على قضية واحدة له مدّ فيها يده إلى المال العام، ولو وجدوها لنشروها منذ زمن.

نحن، إذن، أمام بداية حرب اندلعت، تسهم فيها جهات مختلفة، ومن المرجح أن تستمر طويلا حتى انتخابات 2021، وكانت ستكون مشروعة، مادمنا في سياق الصراع السياسي، لو كانت وسائلها مشروعة أيضا، وهذا غير قائم، لأن الذين يقفون وراءها لا يتوفرون على شرعية سياسية ولا أخلاقية، لذلك، أتوقع أن تفشل هذه الجولة كما فشلت سابقاتها، لأن الوصفة فاسدة من الأساس.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي