سليمان الريسوني يكتب.. زلة مستشار الملك

26 يونيو 2019 - 18:00

ليسمح لي المستشار الملكي، عمر عزيمان أن أقول له إن اعتراضه على عضوية المحامي والقيادي في العدالة والتنمية، عبد الصمد الإدريسي، في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أثار كثيرا من سوء الفهم. لماذا؟ ببساطة، لأن هذا المحامي الشاب لم يعرف له، في المدة الأخيرة، انخراط في قضية حقوقية مثيرة للجدل، إذا ما استثنينا ترافعه في قضية الصحافي توفيق بوعشرين، والتي كان هو من اختار لها عنوان: محاكمة القرن.

وبعيدا عن موقفي الشخصي من هذه القضية، فقد أكد لي العديد من المسؤولين، القريبين والبعيدين عن الإدريسي، أن ما قام به المستشار الملكي هو زلة غير محسوبة، وهدية مجانية لمن يعتبرون قضية بوعشرين قضية دولة، وليست قضية نساء أغلبهن رفضن لعب دور حريم التجريم. لذلك، دعنا نقولها صراحة؛ ما قام به عزيمان أعطى الانطباع كما لو أن الملك له موقف في قضية بوعشرين، وهذا سوء فهم ما فوقه سوء. كيف ذلك؟

لقد فتش إخوان عبد الصمد الإدريسي –قبل اقتراحه للمنصب وبعد رفضه- في سيرته الحقوقية، عن كل ما من شأنه أن يكون سببا في الاعتراض عليه، فلم يجدوا غير قضية توفيق بوعشرين. وفي هذا السياق، يمكن فهم تراجع الإدريسي عن الترافع في هذا الملف. لقد تحدث زملاء الرجل، في المهنة والحزب، عن أن المسافة التي أخذها من ملف بوعشرين، خلال مرحلة الاستئناف، كانت بإيعاز من قياديين بارزين في العدالة والتنمية، نبهوه إلى أن وجوده في هذا الملف سيجر عليه غضب الجهات العليا، ويكون موضوع اعتراض عليه لشغل مسؤوليات في المستقبل.

وإذا سلمنا بأن الاعتراض على عضوية عبد الصمد الإدريسي في المجلس الوطني لحقوق الإنسان كان متوقعا، بناءً على ما سلف، فإن الطريقة التي جرى الاعتراض بها من لدن مستشار ملكي، وأيضا الطريقة التي استُقبل بها الاعتراض وتفعيله من لدن قيادة الحزب، هي التي كانت صادمة، بل ومسيئة للمؤسسة الملكية. لماذا؟

لم يكن ممكنا أن تقبل قيادة العدالة والتنمية بقرار كهذا، وتسارع إلى تقديم اسم بديل للإدريسي، لو تبين لها أن اعتراض عزيمان هو مجرد اجتهاد شخصي من مستشار ملكي. وإذا أضفنا إلى هذا المعطى معطى آخر، هو أن قيادة الحزب كانت قد طلبت من الإدريسي القيام بخطوات إلى الوراء في ملف بوعشرين، تفاديا للاعتراض على عضويته في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فسنجد أنها قد قالت، بشكل غير مباشر، إن الاعتراض على الإدريسي جاء من الملك بسبب بوعشرين! لذلك، فإذا كانت زلة عزيمان واضحة، فإن زلة العثماني فاضحة.

زلة عمر عزيمان زلتان. أولا، لأنه لم يُقدِّر أن قرار الاعتراض على المحامي عبد الصمد الإدريسي -حتى بعدما استجاب لنصيحة حزبه وابتعد عن ملف الصحافي بوعشرين من أجل منصب غير ذي قيمة كبيرة- سوف يأخذ تأويلا لا يليق بالمكانة السيادية للمؤسسة الملكية. ثانيا، لأن عزيمان تعسف على المادة 36 من القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي خصت الملك ورئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان بالتعيين، فيما خصت الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئيس المجلس العلمي الأعلى -مثلا- بالاقتراح فقط. وإذا كنا متأكدين أن السيد عزيمان، وهو الفقيه القانوني، يعرف الفرق الكبير بين التعيين والاقتراح، فقد كان عليه أن ينتصر للتأويل الديمقراطي للقانون، وألا يعترض على تعيين رئيس مجلس النواب عبد الصمد الإدريسي. وقبل ذلك، أن يقدر أن الاعتراض على تعيين محام شاب في منصب ثانوي هو أمر لا يليق بالديوان الملكي، وكان من الحكمة التعامل معه بمنطق: كما حاجة قضيناها بتركها تمر دون اعتراض.

قد يقول قائل إن الجهات العليا طالما اعترضت على تعيين أو اقتراح شخصيات بعينها لبعض المناصب؛ نستحضر هنا الاعتراض على مصطفى الرميد لشغل منصب وزير العدل والحريات في حكومة 2011، بمبرر استقباله خالد مشعل في بيته، ومقابلته حسن نصر لله في بيروت. أو الاعتراض على عبد اللطيف الحاتمي لعضوية مجلس المنافسة، بمبرر علاقته بجماعة العدل والإحسان، قبل أن يجري التراجع عن الاعتراضين. لكن، في حالة عبد الصمد الإدريسي، فإن الاعتراض عليه بمبرر –مضمر- تقديره نيابته في قضية الصحافي توفيق بوعشرين، والتي مازالت معروضة على القضاء، يثير أكثر من علامة استفهام، وأقل ما يمكن أن يقال عنه أنه زلة مستشار ملكي لجر المؤسسة الملكية إلى موضوع نربأ بها عن التدخل فيه.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي