غويتيسولو بالعربي.. الطغاة الأصنام إلى مزبلة التاريخ -الحلقة12

16 يوليو 2019 - 22:40

بعد مرور سنتين على وفاته يوم 4 يوينو 2017، تعيد «أخبار اليوم» خلال هذا الصيف نشر، في حلقات، مجموعة من المقالات التي سبق ونشرها الكاتب الإسباني العالمي خوان غويتيسولو (ازداد سنة 1931) ، في صحيفة «إلباييس» منذ سنة 2000 حول المغرب، بشكل خاص، والمغرب الكبير والعالم العالم، عامة.

تفسر احتياطيات النفط الهائلة -وهي الأكبر في إفريقيا- التي جعلها معمر القذافي مزرعة خاصة له لفرض التذلل والمحاباة وغياب المبادئ في طريقة تعامل الناس معه. منذ انحيازه إلى ما يسمى الدول العربية المعتدلة المعارضة للإرهاب الإسلاموي، أصبح كل شيء مسموحا به للعقيد، ليس فقط ديماغوجيته وخطاباته ضد الإمبريالية الأمريكية، بل كل ما يحاك في مجاري الصرف الصحي للسلطة؛ القمع الدموي لأي محاولة تعبير من لدن المعارضة، ومن بين أشياء أخرى كثيرة، اختفاء والد الروائي هشام مطر، دون ترك أي أثر، ومشاركة أجهزته السرية في هجوم لوكربي سنة 1988، والذي خلف 270 قتيلا بين الركاب؛ والقضية المثيرة للاشمئزاز المتعلقة باتهام الممرضات البلغاريات بنشر مرض السيدا في ليبيا من أجل إخفاء حقيقة قصور النظام الصحي الليبي… فضلا عن أن ولعه غير الموفق بالأزياء والإكسسوارات المعبرة عن «الأصالة البدوية»، كان شيئا فريدًا حقًا. مثلا، كان يضع قبعة بيسبول، وكسوة، وميداليات، ووسام الكتف، وزي الأميرالية، أو وزي سلاح فرسان الإمبراطورية النمساوية المجرية، وطرابيش عثمانية، أو عمائم قبلية، أو سترات زرقاء مع قبعة من القماش نفسه، أو عباءات بكل ألوان قوس قزح، كل هذا ربما إيمانا منه بأن «قبعة جيدة تقبِّع كل شي. رجل ذو قسمات وجه غير معبرة وقاسية مع ذقن مرفوع بازدراء، على منوال موسوليني.

الجنون الاستعراضي يرافق العقيد في كل أسفاره أو مراسيم تحيته من لدن الطغاة الأفارقة. رجل بلغ به الأمر أن نصب خيمته المحمولة في روما وباريس ومدريد ولندن، كما حظي بعناق برلسكوني وساركوزي ورؤساء الوزراء الإسبان والبريطانيين، ولم يتردد في الرد على إهانة شرطة جنيف، التي ألقت القبض على ابنه بتهمة الإساءة الجسدية إلى خادميه، ليس فقط بسحب كل أمواله من البنوك السويسرية، بل تقدم، أيضًا، بمقترح يقضي بمحو الاتحاد السويسري من الخريطة، ولم يتوقف عند هذا، بل نشره ووزعه بمختلف اللغات المستعملة في سويسرا، وهي الألمانية والفرنسية والإيطالية.

كان القذافي هو «حكومة الجماهير الشعبية». كان القذافي يجمع بين يديه كل السلط في بلد دون دستور ولا برلمان ولا أحزاب سياسية، باستثناء تأليهه بلا حدود. لذلك، فمشهد خروج عشرات الآلاف من المتظاهرين في ليبيا، كما في طهران، بشجاعة، إلى الشوارع متحدين رصاص الشرطة والقتلة المستأجرين؛ يملأ نشوةً صدور أولئك الذين يعرفون نظامه القمعي وجنون العظمة الذي يعانيه. ونحن نستنكر سلوك من يعبرون عن استعدادهم لسفك الدماء من أجل القائد الأعلى (فيما لا يسفكون إلا دماء إخوانهم)، فإن صيحات فرح أولئك الذين يدوسون في بنغازي الصور البغيضة للعقيد، تعبر عن بداية التحرر منه. ومهما كانت النتائج التي ستسفر عنها الأحداث الجارية، فإن القذافي أصبح، بالفعل، جزءا من ثالوث أصنام ألقيت في مزبلة التاريخ مع زين العابدين بنعلي وحسني مبارك. مع آمالنا أن يكون الشخص المقبل هو أحمدي نجاد.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي