الفقيه بينبين: كنت مع الملك خلال الانقلاب -الحلقة18

24 يوليو 2019 - 18:21

قضى الفقيه بينبين مدة تناهز 31 عاما يشتغل مؤنسا للملك الحسن الثاني.. ابنه ماحي بينبين، اختار توثيق هذه التجربة المثيرة في رواية «مؤنس الملك» التي تمت ترجمتها لعدة لغات.. في هذه الحلقات نجري حوارا مع الروائي والفنان ماحي بينبين، وقصته مع والده، كما ننشر أبرز فصول الرواية.

في بيت الملك لا وجود للحصانة، ولا أحد بمنأى عن أشد العقوبات. لطالما رفعت إلي مطالب في الأزمات الصعبة، وغالبا ما نجحت في تفادي المتاعب. ولكنني مع ذلك، تعرضت كالجميع لنصيبي من العقاب. دام ذلك عدة أشهر، وتلك كانت الفترة الأشد ظلمة في حياتي كأحد رجال الحاشية، بل في حياتي كرجل. ولسبب وجيه، فقد عوقبت بسبب خطأ ارتكبه شخص آخر، وهو ابني. نزل علي العقاب الشديد كالصاعقة غداة محاولة الانقلاب، حيث حام الشك حول مشاركتي في الجريمة. أتذكر ذلك اليوم المشؤوم حين أخذني السيد بريك من ذراعي، مبتعدا بي عن بقية أفراد المجموعة، قادني إلى غرفة مكتبه القريبة من جناح الملك، والتي تشبه صاحبها في برودتها وغياب أي طابع شخصي عنها، يكسو أرضها وجدرانها الخشب الفاخر، وتوحي بأنها محكمة عسكرية. كان بيننا مكتب يليق بشخص مهووس، ليس على سطحه المصقول أي ورقة أو ملف. قال لي السيد بريك:

هل تعرف أنني أحبك يا محمد؟ لو أن كان علي أن أحتفظ بشخص واحد من بين أفراد الحاشية لما ترددت لحظة في اختيارك. هذا الأمر يصعب عليك تصديقه، أليس كذلك؟ الثرثرة ليست نقطة قوتي، ومع ذلك فلدي من الفكاهة أكثر مما تتخيله. أنت رجل طيب يا محمد. عرفت ذلك منذ وصولك إلى هذا المنزل. وما يشغل بالك حاليا سيتبدد في نهاية المطاف، بدون أي شك. كلنا نعرف أم لا شأن لك في هذه القضية. ولو أنك كنت مطلعا على أي شيء، لتمارضت وغبت عن القصر ليلة الهجوم. المنطق يقول هذا. لكنك كنت حاضرا في المجزرة شأننا كلنا. وكانت حياتك في خطر، مثلنا كلنا. سينصفك التاريخ لأنني كنت حاضرا حين واجهنا الموت، كلنا. كيف أنسى تلك القاعة الصغيرة في الطابق السفلي، حيث أحطنا سيدي، وبقينا أسرى لساعات، متراصين، فيما أصوات الرصاص والقذائف الجهنمية تدوي بلا توقف في الطابق الأعلى؟ رأيتك ترتجف يا محمد، مثلما رأيت الملك مرتبكا، يكاد يكون غائبا عن الواقع، فيما نحن نتلو آيات القرآن. وحين رأيت سيدي يفقد عزيمته ويعجز عن التفكير قمت بواجبك لإعادته إلينا، فقلت له:

ـ سيدي

ـ الأسياد هم من يطلقون علينا النار، أجابك.

ـ أود التعبير عن رغبتي الأخيرة قبل موتي..

ـ عليك أن تتوجه إلى المتمردين يا محمد، مليكك لا يستطيع شيئا لك.

ـ سيصغون إليك يا مولاي، الملك مسموع الكلمة دائما، قبل أن يطلقوا علي النار، قل لهم ألا يصوبوا إلى رأسي المسكين، فلا ذنب له. ليفرغوا رصاصهم في بطني الضخم، فهو وحده المسؤول عما يجري لي، هذه المعدة التي لا تشبع أبدا تستحق أن تمزق إربا. وهي التي قادتني إلى هذا القبو حيث أختبئ كجرذ. أجهل ما إذا كانت ضحكة الملك عصبية أم لا لكنه قهقه ضاحكا، فأثار ذعر الموجودين لأن أمرنا يكاد ينفضح. بعد فترة قصيرة، وكمن عاد إلى صوابه، قرر سيدي أن نغادر مخبأنا، خلافا لرأي أحد الضباط.. وكان في ذلك القرار نجاتنا.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي