هوامش على متن يتكرر..

18 سبتمبر 2019 - 14:38

هامش 1: لا أتفق مع من ذهبوا في اتجاه أن الدولة قد تتجه في منحى تعديل القانون الجنائي بما يقترب من احترام الحريات الفردية، هؤلاء يعتبرون أن استهداف بعض الأشخاص المحسوبين حقا أو افتراء على الإسلاميين بقوانين تجرم العلاقات الرضائية بين راشدين، أو تجرم الإيقاف الإرادي الطبي للحمل، أو ما شابه ذلك، غرضه دفع الكتلة المحافظة في البرلمان لتليين مواقفها بخصوص موضوع الحريات الفردية، ويدافعون ضمنا (وإن لم يشعروا) عن أطروحة: حداثة الدولة/ القصر / السلطة، في مقابل محافظة المجتمع والقوة السياسية المتصدرة انتخابيا (البيجيدي)، وكذا القوة الأولى خارج النسق المؤسساتي (العدل والإحسان).

شخصيا، أعتقد أن تلك الاستهدافات التي تتلوها حملات تشهير لئيمة، لا علاقة لها بأي توريط لطرف ما في أفق تغيير قانون ما، بما يتوافق مع المواثيق الكونية لحقوق الإنسان، فالدولة عندنا لا يمكن أن تتخلى عن جوهرها المحافظ، لأن تكلفة الحداثة سواء المجتمعية أو السياسية هي تكلفة لا تستطيع الدولة تحمل نتائجها، لأنها تمهد السبيل لانبثاق الفرد المسؤول، وتقضم من كل الأبويات، بما فيها أبوية الحاكم.

وفي خضم ارتفاع الخطابات الهوياتية والقومية في العالم كله، حتى الذي قطع أشواطا في الحداثة، وبعد نتائج انتفاضات 2011 في المنطقة التي أفرزت وجود قوتين منظمتين بغض النظر عن امتداداتهما في المجتمع: الجيش والإسلام السياسي.. كان لا بد من دفن شعار: المجتمع الحداثي الديمقراطي، ودفع عرابيه نحو النسيان.. وفي هذه المناخات الإقليمية تعلم الدولة جيدا أنها ستجازف بشرعيتها إذا عاكست التيار العام الغالب الذي ينحو منحى المحافظة.. الدولة تقدم نفسها أنها راعية الأخلاق العامة والتقاليد المرعية وإرث الجدود.

هامش 2: استحضر البعض النقاش المفترض أن يحتضنه البرلمان في دخوله المقبل حول القانون الجنائي، مع التصويت على مشاريع التعديلات المرتبطة به، وذهبوا أن الدولة في قضية هاجر أو غيرها، تسعى إلى الضغط من أجل تعديل يقنن الإجهاض.

في اعتقادي أن التعديلات الخاصة بالإجهاض في المدونة الجنائية قد حسمت، مادام الأمر مرتبطا بتحكيم ملكي، شكلت لجنة له، وأن البيجيدي لم يبد أي اعتراض على الخطوط العريضة لتلك التعديلات، التي هي ليست موضع خلاف بين الكتل البرلمانية، ليس لاقتناعها بها، ولكن لأنها ممهورة برضا ملكي، وهذه التوافقات التي تجهض الحق في الاختلاف، شبيهة بالسيناريو عينه الذي أنتج لنا مدونة الأسرة، بعد تحكيم ملكي كذلك، ولجنة ملكية كذلك، ومعركة بين المحافظين والحداثيين قبل التحكيم كذلك.. مدونة لبّت القليل من مطالب الحداثيين، وأسكتت كثيرا من مخاوف المحافظين، وانفض الجمعان مصفقين مهللين لمدونة تكشف القضايا الرائجة في المحاكم عن قصورها.. الجديد اليوم، أن معركة «الإجهاض» حسمت في زمن قياسي، وبدون ضجيج كثير، فالكل حفظ درس المدونة.. وطبعا، سيصفق فريق من القوم للملك الحداثي، وسيصفق الفريق الآخر للملك الذي لا يحلل حراما ولا يحرم حلالا.. وسيستمر المجتمع في إنتاج مآسيه الاجتماعية ومعضلاته الأخلاقية التي لا يمكن أن تستوعبها قوانين هي نتاج توافقات مفروضة.

هامش ثالث: يعتقد بعض المناضلين أن النضال من أجل رفع التجريم عن العلاقات الرضائية بين راشدين، وغيرها من الحريات الفردية، سيساهم في حرمان السلطوية من أداة تستعملها في التضييق على معارضيها والتشهير بهم، غافلين أن نزع رصاصة من بندقية، لا يعني حرمان القناص من استخدام الرصاصات الأخرى، فالأمر غير مرتبط بتلك القوانين حصرا، بل بقصدية الدولة، فحذف تلك القوانين لن يمنع الدولة من توظيف قوانين أخرى مرتبطة بقضايا الحق العام، ولذلك فالنضال من أجل قانون يحمي الحريات الفردية يجب أن يكون نضالا من أجل هذه الحريات الفردية، وليس لأن تجريم بعض مما يندرج في نطاق هذه الحريات يوظف لتشويه المعارضين.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي