افتتاحيات مغيبة- توفيق بوعشرين.. الــزواج الحـــرام

22 سبتمبر 2019 - 18:00

تعيد جريدة «أخبار اليوم»، وموقع « اليوم24″، نشر افتتاحيات سابقة لمؤسسها توفيق بوعشرين، كل نهاية أسبوع

عيوب كثيرة يمكن تعليقها فوق رأس نظام مبارك في مصر ونظام بنعلي في تونس، من تزوير الانتخابات إلى انتهاك حقوق الإنسان، مرورا بكبت حرية التعبير، لكن ليس هذا وحده الذي أسقط بنعلي ونزع الشرعية عن مبارك.. الذي أشعل النار في قصر قرطاج وقصر الرئاسة في القاهرة، هو الزواج غير الشرعي بين المال والسلطة.. بين الذهب والسياسة.. بين التجارة والإدارة.. بين الربح المادي والربح الرمزي…

حكومات عديدة تعاقبت على مصر كانت تسمى حكومة رجال الأعمال، ولم يكن مبارك وابنه جمال ينزعجان من هذا الوصف، حتى صار حلم رجال الأعمال أن يدخلوا إلى البرلمان والحكومة والحزب الحاكم ودوائر صناعة القرار، على خلاف رجال ونساء الأعمال في البلاد الديمقراطية، حيث يمتنع الرأسمال عن دخول السلطة، ويكتفي بالدفاع عن مصالحه بالطرق المشروعة في واضحة النهار، وليس في الكواليس المظلمة. 30 سنة من عمر هذا الزواج المصري أنجب ثروة ضخمة تشكلت في حجر مبارك وعائلته، قدّرتها جريدة «الغارديان»، نقلا عن خبراء ماليين في لندن، بـ70 مليار دولار. الشيء عينه وقع لبنعلي الذي لاقى حكمه «قبولا» واسعا في بداياته الأولى، فرغم أنه كبت الحريات وقتل وسجن وطارد معارضيه، فإن جل الشعب التونسي كان راضيا عن حصيلته الاقتصادية والاجتماعية، لكن عندما أطلق يد زوجته، ليلى الطرابلسي، وعائلتها في حقل الاقتصاد، صار بنعلي مكروها وممقوتا من قبل شعبه الذي لم يعد يرى فيه سوى «التاجر الأول»، الذي يستغل كرسي الحكم «كأصل تجاري» لجني أكبر قدر من الأرباح.

لقد طُفتُ في شوارع تونس ووسط مظاهرات ثورة الياسمين، ولاحظت أن %80 من الشعارات واللافتات التي تنتقد النظام كانت موجهة ضد عائلة الطرابلسي التي حولت تونس إلى «سوبر ماركت»، وقصر قرطاج إلى بورصة، والحكم إلى شيكات على بياض…

قبل ست سنوات لم يكن التونسيون – عموم التونسيين دعك من المعارضة- يكرهون بنعلي، وإلى الآن يمكن سماع بعض المدح له ولعمله، لكن الناس هناك كرهوه لما تحول في عيونهم إلى «تاجر» استولت عائلته على الشركات الثلاث المخصصة للهاتف، واستأثرت بأجود الأراضي، ووضعت أصابعها على الأبناك والقطاع السياحي، وفي التصدير والاستيراد، وعندما كان المال الوفير يتدفق بين يديها تنقله إلى أبناك سويسرا وصناديق الاستثمار في فرنسا وأمريكا ودبي، وغيرها من عواصم المال والأعمال.

المال يكسب من وراء السلطة، والسلطة تنتعش بالمال، لكن في النهاية يفسد المال السلطة ويصبح المال مطاردا عندما تنهار السلطة. المال كل همه هو الربح، والسلطة، أي سلطة، همها قلوب الناس، لأن شرعيتها مرتبطة بحب هذه القلوب… لهذا إذا كان هناك من درس يستخلص مما جرى في تونس وما يجري في مصر، فهو وضع خطوط حمراء أمام المال، وعدم السماح له بدخول بيت الحكم، وعدم تحويل السياسة إلى « كازينو » قمار. والسلطة إلى شبكة لجني المال.

 

نشرت هذه الافتتاحية يوم 10 فبراير 2011.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي