# free_hamza_haddi

09 أكتوبر 2019 - 14:01

في تاريخ المغرب الراهن، كانت تتلازم طلبات اللجوء السياسي في الخارج مع تصاعد حملات القمع والاعتقالات، يعرف كثيرون أسماء شخصيات معارضة عاشت زمنا غير يسير بالمنافي، قبل أن تعود، منها من عاد من أجل قبر في البلد، ومنها من دخل ليعقد مصالحة بين والد وما ولد، لكن كثيرين يجهلون قصص الهروب  قبل الوصول إلى الضفة الأخرى.

في تلك السنوات البعيدة كان يكفي أن تدبر وسيلة للتخفي من أعين الشرطة والمخابرات وعيونهما في النقط الحدودية، سواء بالشرق في اتجاه الجزائر، أو في الشمال للتسلل نحو سبتة ومليلية المحتلتين، لم تكن ثمة لا فيزا، ولا شينغن، ولا زودياك..

لنكتف بحالتين معبرتين:

بعد أحداث 1984 التي عرفت اقتحام الجيش لمدن تطوان والحسيمة والناضور، وإطلاق الرصاص الحي الذي لم يفرّق بين المحتجين الناقمين من تداعيات سياسة التقويم الهيكلي، وبين نساء وأطفال قادهم حظ أعمى للتواجد في المنطقة الخطأ، بعد هذه الأحداث سيفر شابان نحو الخارج، كانا معروفين بمعارضتهما الجذرية للنظام وسياساته التي كانت تستفز الفقراء والمحرومين، حيث حكايات البذخ التي كانت تتسرب من القصور الملكية وإقامات النافذين، يوازيها فقر مدقع وحرمان رهيب في أسفل القاع الاجتماعي، خصوصا بعد توالي سنوات الجفاف.

أحدهما كان اسمه: جمال بن عمر، وكان قد خرج للتو من السجن بسبب انتمائه إلى حركة «إلى الأمام» الماركسية ــ اللينينية، وهو اليوم، من كبار موظفي منظمة الأمم المتحدة، وقد اشتهر عالميا بسبب تعيينه موفدا للأمين العام في مناطق نزاع مختلفة. ميد البجوقي، الذي تخفى في أزياء نسائية ليفر من ملاحقة الأمن بتطوان، ويصل إلى سبتة المحتلة، ومن إسبانيا واصل نضاله في صفوف جمعية العمال المهاجرين المغاربة بإسبانيا (أتيمي)، والتي ستفتح له طريقا سيار للعبور إلى منصب مستشار رئيس الوزراء الإسباني لشؤون الهجرة.

في التسعينيات ستضعف وتيرة اللجوء السياسي، بل سنشهد بداية رجوع المنفيين إلى المغرب، في فترة شهدت توسيعا للهامش الديمقراطي، وشخصيا أعتبر السنوات الأخيرة من حكم الحسن الثاني أكثر انفتاحا وتقبلا ولو على مضض لجرأة في المعارضة والنقد والتعبير، بالمقارنة مع كل فترات ما سُمي بالعهد الجديد.

بإزاء هذه العودة، كانت ثمة هجرة مضادة نحو أوروبا، هجرة غير نظامية محفوفة بالمخاطر، هجرة يحركها الاجتماعي لا السياسي.. كانت التسعينيات بداية ظهور قوارب الموت بشكل قوي.. كانت جرس إنذار أن الأرض المغربية قد ضاقت بما رحبت بأبنائها، الذين يفضلون أن يكونوا لقمة لأسماك البحر، على أن يظلوا أقنانا لأسماك البر.

بعد حراك الريف الذي وُوجه بعقلية أمنية، تشرعن اللامعقول في تدبير الاحتجاجات الاجتماعية بوهم الحفاظ على هيبة الدولة، هيبة مفترى عليها، هيبة أسقطتها سياسات منح الهدايا الضريبية والعقارية لقلة نافذة، وتفقير الأغلبية المغلوبة على أمرها. بعد كل هذا عادت الظاهرتان كلتاهما: الهجرة لأسباب سياسية ولأسباب اجتماعية. ولعل الجميع يتذكر فيديو أخوين من الحسيمة هاجرا سريا في قارب عبر بهما المتوسط، مباشرة بعد إطلاق سراحهما بسبب مشاركتهما في حراك الريف.. فرا بسبب الفقر، وبسبب الخوف من انتقام المخزن.

حمزة هدي واحد من أبرز وجوه حركة 20 فبراير، اعتقل في 2011 في مسيرة البرنوصي، وقضى عقوبة حبسية، ثم اعتقل ثانية بعد سنتين من وسط مسيرة فاتح ماي التي نظمت تلك السنة بتنسيق بين ثلاث نقابات تدعى الأكثر تمثيلية، ومن تلك السنة قاطعت كل المسيرات التي تنظمها نقابات لم تستطع حماية شباب، كان يصدح بشعارات غاضبة في تظاهرة تحت مسؤوليتها.. وقضى عقوبة حبسية أخرى.. ولما خرج من السجن تنقل بين مهن مختلفة ليكسب ما به يساعد أسرته الفقيرة، وتنقل، كذلك، بين مدن مختلفة علّ الدنيا تبتسم له، وفي كل هذه المعاناة، كان يشارك في كل الأشكال الاحتجاجية ضد الظلم والتفقير وتسييد الرأي الواحد. كان آخر لقاء لي به، في جلسة شاي بعد انتهاء مسيرة في الرباط للمطالبة بالإفراج عن معتقلي حراك الريف.

حمزة هدي صاحب الشعار الشهير «عيشي حرة يا بلادي» معتقل اليوم في اليونان، بعد فشله في محاولة للهجرة غير النظامية انطلاقا من الأراضي التركية.

حمزة هدي مهدد بالسجن، وكثيرون لا يعرفون أن الشرطة اليونانية، وخصوصا الموكل لها ملف صد المهاجرين غير النظاميين من عبور مجالها الترابي، هي محل انتقادات حقوقية بسبب العنف والتعذيب وعمليات القتل خارج القانون التي تنفذها، فضلا عن فبركة ملفات الاتجار بالبشر، لحرمان المهاجرين من طلبات اللجوء (تقارير المجلس اليوناني للاجئين، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وقرارات لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية، وبيانات لجنة مناهضة التعذيب بالبرلمان الأوروبي توثق ذلك).

ورغم أن وكالة «فرونتيكس» المعنية بمراقبة الحدود الأوروبية نفسها، نبهت لهذه الخروقات، يتواصل صمت الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي، الذي دعا مؤخرا حكومة اليونان إلى مزيد من تشديد المراقبة على الحدود، وتسريع إعادة المهاجرين نحو تركيا.

حمزة هدي اليوم، هو عنوان لفشل بلد.. فشل في الديمقراطية وفشل في التنمية..

الذين خرجوا سابقا في مسيرات، كانوا يحملون أملا بتغيير الأحوال، أما الذين يفرون اليوم، رغم كل المخاطر، فهم يعلنون نهاية الأمل، وتسييد اليأس عنوانا للمرحلة.

«دقة تابعة دقة.. شكون يحد الباس».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي