تشاؤم الواقع.. تفاؤل الإرادة

30 أكتوبر 2019 - 14:10

يُنسب إلى غرامشي قوله: «يجب التسلح بتشاؤم الحقيقة، وتفاؤل الإرادة»، ومع تحوير بسيط استبدلنا به الحقيقة بالواقع، (لأن الحقيقة هي الثالث المرفوع في بلدنا)، ومع تقمص للشخصية التي أطلق عليها إميل حبيبي نعت «المتشائل»، سنكتب اليوم بلغة بعيدة نسبيا عما ألفه قراء هذا العمود، لغة تجرب أن تبتعد عن كل ما حدث في الأيام الأخيرة من وقائع تعزز الانطباع أننا بعيدون عن أي انفراج حقوقي (هو واجب الوقت الذي لا يجب تأخيره ولا تعطيه)، وتتطلع لاستنبات بذرة الأمل وسط كل الأعشاب الطفيلية. هذه الأعشاب التي يرعاها بنية استدامة السلطوية من جعلوا الدولة رهينة لوهم «هيبة»، لا تقوم في ظنهم إلا عبر مبيدات «خنق الأنفاس»، هذه الأعشاب التي تجعل بعض قصيري النظر من المندفعين للصراخ والرفض جراء المعاناة أو الإحباط يخلطون لنقص في البصيرة بين الوطن والدولة.

وفي الحقيقة، فقد تولد عندي هذا البصيص من الأمل هذا الصباح، حين قرأت رسالة معتقل الحراك والتشكيلي كريم أمغار، ولنسمها: النداء/الحلم.. يقول كريم أمغار من زنزانته بسجن «طنجة 2»: «حلم لا بد منه /اتفاقية الصلح: تمهیدا لإنضاج سبل حل ملف المعتقلین السیاسيین علی خلفیة حراک الریف، واستجابة لتطلعات ورغبة کل الأطراف لحل هذا الملف، ومراعاة لمصلحة الجمیع، دشن المعتقلون سلسلة من المشاورات المضنیة والمکثفة مع الدولة، ووسائلها من مجلس وطني لحقوق الإنسان، والمجتمع المدني وفاعلین سیاسیین من أجل التوصل إلی توافق وتراض لإنهاء هذا الملف وطيه، وأسفرت هذه المشاورات علی الاتفاق على النقاط التالية:

بالنسبة إلى المعتقلین السیاسیین:

– یلتزم المعتقلون السیاسيون القابعون خلف أسوار السجون بعدم إثارة ملف حراک الریف داخلیا أو خارجیا، کما یلتزمون بإعطاء مهلة إضافیة للدولة لإنجاز الملف المطلبي للحراک.

بالنسبة إلى الدولة:

– تلتزم الدولة بالمقابل، بإطلاق سراح کافة المعتقلین السیاسیین علی خلفیة هذا الحراک، وإلغاء المتابعة القضائیة في حق باقي النشطاء في الداخل والخارج، کما تلتزم بتنفیذ أغلب المطالب الواردة في الملف المطلب، والتخفیف من مظاهر العسکرة بالریف.

ومن خلال هذه الاتفاقية، التي جمعت الدولة والمعتقلین، یکون ملف حراک الریف قد أخذ مساره الطبیعي نحو الحل، بعد توافق جمیع الأطراف علی نقاطه، وتوقیع کل الأطراف علیه، وبذلك یکون هذا الحل التوافقي هو خلاصة جهود کل الأطراف، والذي اتسم بالوضوح والموضوعیة والجدیة وأعطی، بالتالي، النتائج المرجوة.

ومع بشائر الصباح، والضجیج المفتعل من موظفي السجن، وهم یفتحون الأبواب، استفقت، وحلمي الذي کنتُ أظنه حقیقة أصبح سرابا. وانتبهت إلى أن هذا الحلم جاء بعد متابعتي للحوار التلفزیوني الذي بثته قناة «مید1  تفي» مع وزیر الدولة المکلف بحقوق الإنسان في برنامج شباب «فوکس».

اندهشت بداية لقدرة هذا الفنان على القفز فوق متاريس الإحباط المتولد جراء ما وقع مؤخرا من تجاذبات (إضراب الأبلق وبوحدو، بيانات المندوبية، حرق العلم من طرف مجهولين، استمرار الاعتقالات والمحاكمات السياسية..)، لم يسمع كريم أمغار لكل هذا الضجيج، بل قاده حلمه/ حلمنا نحو محاولة فتح نافذة للأمل.. فإذا كان ذلك التونسي الطيب قد صرخ: «هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية»، فنحن نقول بصدق: «تعبنا..».

لقد كانت هناك مساع لحل هذا الملف، وتحركت قليلا صخرة الجمود التي كانت تمنع أي مؤشرات من التحول من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، لكن كان تقرير بنيوب الكارثي ضربة «غادرة» لكل النوايا الحسنة، فكأن الرجل جاءت به جهة ما، لا لتنقية البحيرة من المياه الضحلة، بل لتلويثها وتسميمها، ولم يكتف الرجل بهذا (وأتمنى أن يكون للأمر علاقة بزيادته في «العلم»، وليس مرتبطا بأجندات أنصار المقاربة الأمنية التأزيمية)، بل باع أوهاما لمن جاؤوا به، ترجمت أداء كارثيا في المؤسسات الأممية المعنية بحقوق الإنسان.

سأقتفي أثر الفراشة، والفراشة هنا حلم كريم أمغار، وسأفترض في كلام الرميد يدا مبسوطة، وسأعتبر المرسوم الجديد الذي وقعه مؤخرا العثماني الذي جعل اختصاصات المندوبية كلها بيد الرميد، إشارة إلى انتهاء صلاحية بنيوب الذي باع الوهم للدولة العميقة، وإشارة إلى أن الرميد، ربما، يتوفر على تفويض من جهات «سامية» لحلحلة الملفات الحقوقية المحرجة..

وكما لا يصح «ذوقا» إحراج الرميد، بأن نطلب منه إدانة خطايا الدولة في هذا الملف، فكذلك، لا يجب إحراج المعتقلين بأن نطلب منهم القيام بمراجعات، أو إدانة بعض السلوكيات المنفلتة بالخارج، سيكون ذلك أشبه بالابتزاز.

نريد أن تنتصر إرادة الانفراج على كل نوايا التأزيم الخبيثة، نريد أن نرى بعد كل هذا «الظلام»، الذي يعمي البصائر إرادات قوية تتعالى على كل المشوشين، من عشاق الاستفزاز، والانتقام، وإحراق الجميع تلبية لشهوة الضبط والإسكات.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي