سليمان الريسوني يكتب: ضيعة أحيزون

05 فبراير 2020 - 18:00

في غشت الماضي، كشف تقرير للبنك الدولي أن «اتصالات المغرب» تقف على رأس القطاعات المحررة، التي فهمت، بعد تحريرها من القطاع العام، أنها أصبحت متحررة من كل قواعد وضوابط الانفتاح والمنافسة الحرة، ومن حقها أن تبسط يديها ورجليها أيضا على قطاع الاتصالات، وأن ترفض تقاسم البنيات التحتية مع منافسيها، بما في ذلك شركة الملك محمد السادس (Wana). لقد أكد تقرير البنك الدولي أن عربدة شركة أحيزون تحد من الاستثمار والتطوير، سواء في مجال الاتصالات أو في باقي القطاعات التي ترتبط بشكل غير مباشر بهذا المجال… وقد مرَّ تقرير البنك الدولي مرور الكرام، ربما لأن الكثير من المنظمات غير الحكومية والأصوات النقدية في المغرب أصبحت تحسب ألف حساب قبل التعليق على التقارير الدولية –بما فيها الصادرة عن الأمم المتحدة والبنك الدولي- حتى لا تخرج صحافة السلطة لوصمها بالعمالة للخارج والتحامل على الوطن، أو في أحسن الأحوال بالتواطؤ مع المنظمات الدولية، قبل أن تصف تلك التقارير بعدم الدقة والمبالغة في تسويد الوضع في المغرب.

الآن، ها هي الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (ANRT)، التي يعين الملك مديرها، ويرأسها رئيس الحكومة، ويوجد في مجلسها الإداري وزير الداخلية والوزير المكلف بإدارة الدفاع الوطني.. تنتفض على الهوان الذي ألحقه بها تقرير البنك الدولي إياه، حين قال إن الوكالة، باعتبارها المقنّن المسؤول عن تنظيم قطاع الاتصالات، عجزت عن فرض التحرير الحقيقي في القطاع، وتركت أحيزون يحوز ما له وما ليس له. لقد قررت ANRT، أخيرا، تغريم اتصالات المغرب 330 مليار سنتيم، بسبب الممارسات المخلة بالمنافسة، والتي قالت الوكالة إن اتصالات المغرب ترتكبها منذ 2013. لقد أخبرتنا ANRT بأنها تحركت لتغريم اتصالات المغرب بناء على شكاية تقدمت بها Wana في 2016. وإذا كان المغاربة يقولون إن «الكرعة منين كتلقى الغبار كتنفخ»، فإن «كرعة» أحيزون انتفخت حتى وهي محاطة بصخرتين ثقيلتين من قبيل Wana الملكية وOrange الفرنسية.

الرئيس-المدير العام لشركة اتصالات المغرب لا يكتفي بالزحف على مراعي الحيتان الكبيرة في مجال الاتصالات، بل لا يترك حتى الرخويات من المقاولات الصغيرة تعيش في مجال سليم من المنافسة، في بعض الجوانب المرتبطة بقطاع الاتصالات. وإذا صح ما نشرته الصحافة، قبل أقل من شهرين، ولم يصدر بشأنه أي تكذيب، فإن أحيزون أبرم صفقة اكتراء سيارات مع شركة تعود ملكيتها لإحدى كريماته. وهنا نجد أنفسنا مضطرين إلى العودة إلى التقرير نفسه للبنك الدولي الذي قال إن «الشركات الشابة في المغرب لم تنجح في منافسة تلك الراسخة أو في خلق فرص عمل بمستويات مهمة.. وإن أغلب القطاعات الأكثر دينامية وذات القيمة المضافة المرتفعة لا تمثل سوى حصة ضعيفة في نمو التشغيل».

إن السيد أحيزون، الذي ارتبط اسمه بكثير من المجالات التي عرفت اندحارا كبيرا، مثل ألعاب القوى، أو التي تثير جدلا كبيرا ورفضا واسعا مثل مهرجان موازين، يعرف كيف يشتري الكلام، بقدر ما يُجيد شراء الصمت، ويكفي أن ننقل هنا ما سبق أن قاله عنه الصحافي أبو بكر الجامعي: «هناك صحف تتعامل بشراسة مع السياسيين، لكنها نادرا ما تنبش في ملفات رجال المال والأعمال لاعتبارات عديدة، أهمها الخوف من حرمانها من الإشهار، ومازال الأمر، للأسف، قائما إلى يومنا هذا، فبعض الجرائد قد تجرؤ على انتقاد الملك، لكنها لا تقوى على انتقاد أحيزون».

لذلك، لا نجد تحقيقات صحافية تستقصي حجم الاختلالات ونوعية التجاوزات المنسوبة إلى كل المجالات التي يغشاها أحيزون، سواء في الاتصالات، أو في المجال الرياضي أو الفني أو حتى السياسي. الصدفة وحدها بإمكانها أن تكشف إلى أي عمق قد تمتد أذرع هذا الرجل، وما الذي تحركه، مثلما حدث في مسيرة ولد زروال، في روبورطاج صحافي موثق بالصوت والصورة، عندما سئل شاب يهم بصعود حافلة بعد انتهاء المسيرة-الفضيحة: «شكون جابكم؟»، فأجاب دون تردد: «أحيزون». «شكون أحيزون؟»، أضاف الصحافي، فرد الشاب: «عبد السلام أحيزون».

من المؤكد أن الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات لا تقوى وحدها على إحزان أحيزون بمثل هذا القرار، فالأيام المقبلة ستظهر أن إمبراطور الاتصالات اختلت موازينه في مربع جيو-استراتيجي يضم، إلى جانب الربــاط، أبوظــبي والـــدوحة وباريس، ويتحـرك فيه المغرب بحذر وبراغماتية شديدين.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *