اسماعيل حموي يكتب: ذكرى 20 فبراير.. 9 سنوات من التردد

21 فبراير 2020 - 18:00

حلت الذكرى التاسعة لحركة 20 فبراير هذه السنة، فيما الرأي العام المغربي منشغل بأربع قضايا؛ القرار الملكي بخصوص منتجع «تاغازوت»، والنقاش حول الإثراء غير المشروع في مشروع القانون الجنائي، والتضييق المتواصل على الحريات العامة والفردية (اعتقال نشطاء الفايسبوك)، وانقضاء سنتين على سجن الصحافي توفيق بوعشرين، رفقة ضحايا التغول الأمني، أمثال حميد المهداوي ومعتقلي حراك الريف.

القضايا الأربع هي نتيجة للفشل في معالجة قضيتين شائكتين؛ الأولى ترتبط بعلاقة المال بالسلطة، فقرار هدم مشاريع بنيت خارج القانون بقدر ما يؤكد أن الدولة ضد تجاوز أصحاب النفوذ للقانون، حتى ولو كانوا من الماسكين بجزء من السلطة، أو أدوات لها، فهو يؤكد أن الدولة لم تنجح بعد في ابتداع الحل المناسب للعلاقة بين السلطة والمال. 

أما قضية الإثراء غير المشروع، فهي تضيف بعدا آخر إلى هذه القضية، مفاده أنه ليست الدولة وحدها من لم ينجح بعد في إيجاد حل لهذه الإشكالية، بل إن النخب السياسية والبرلمانية بدورها غير مستعدة لتحمل تبعات تجريم الإثراء غير المشروع، وتفضل الإبقاء على العلاقة الملتبسة بين المال والسلطة، ولا شك في أنها تدافع بذلك عن مصالحها الخاصة.

تخص القضية الثانية العلاقة بين الحرية والأمن، ذلك أن التضييق المتواصل على شباب الفايسبوك، حيث شملت الاعتقالات نحو 18 شابا، بسبب آراء صادمة ومزعجة فعلا، فضلا عن استمرار اعتقال الصحافيين توفيق بوعشرين وحميد المهداوي ومعتقلي حراك الريف، يفيد بأن الدولة لم تعثر بعد على الصيغة المناسبة التي تحمي بها الحرية وتحفظ من خلالها الأمن العام.

ويبدو لي أن المشكل ليس في عدم وجود صيغة من الأساس، فالتجارب والنماذج المقارنة تقدم حلولا ديمقراطية عديدة تجعل من الأمن أداة للحرية وليس مقبرة لها، بل إن المشكل يكمن في عدم توفر الإرادة السياسية، لأن بعض الجهات تتصور أن اتساع نطاق الحريات من شأنه أن يُفقدها فائض السلطة الذي تتمتع به حتى الآن، وهو منطق طالما تسبب في ورطة للدولة ككل، وليس لتلك الجهات، والدليل على ذلك أن صورة الدولة المغربية التي تحترم تعهداتها والتزاماتها الحقوقية في العالم في أسوأ حالاتها، منذ أن أقنعت تلك الجهات الدولة بعدم الاستجابة لقرار الفريق الأممي المعني بالاعتقال التعسفي بخصوص الإفراج عن بوعشرين.

في هذا السياق، يمكن القول إن الذكرى التاسعة لحركة 20 فبراير فرصة لنتذكر أن الدولة المغربية، بنخبها الإدارية والأمنية والسياسية والبرلمانية، عجزت، حتى الآن، عن إيجاد صيغة مقبولة للإشكاليتين معا، أي علاقة السلطة بالمال وعلاقة الحرية بالأمن، ولنتذكر أيضا أن تَيْنِكَ الإشكاليتين كانتا موضوع أقوى الشعارات التي رفعتها مسيرات الحركة خلال 2011، ويمكن القول، كذلك، إن التأخر في بلورة إجابة مغربية يُسبّب المزيد من الأخطاء التي تعمق عدم الثقة في المؤسسات وفي السياسة وفي الاقتصاد كذلك.

الاعتقالات تسيء إلى صورة المغرب في الداخل والخارج، وقد قرأنا على صفحات «أخبار اليوم» كيف حذر مدير شمال إفريقيا في منظمة «مراسلون بلا حدود» المغرب من إدراجه في لائحة الدول المعادية للحرية، وهي رسالة مزعجة، وكلفتها السياسية والاقتصادية غالية جدا، ولا أدري بماذا سيجيب المغرب، في الأشهر المقبلة، المنتظم الدولي لحقوق الإنسان حول عدم الاستجابة لقرار الفريق الأممي المعني بالاعتقال التعسفي، وماذا سيقول لو استعملت الجزائر والبوليساريو ذلك للإمعان في تشويه السمعة الدولية لبلادنا.

أما قضية «منتجع تاغزوت» فهي كارثية، لأنها كشفت بالملموس للعالم أن رجال الأعمال الذين صنعتهم السلطة هم أول من يتصرف خارج القانون، ولا أدري كيف يمكن أن يجلب بلد الاستثمارات الأجنبية فيما مسؤولوه (أمثال وزير الفلاحة) ومقاولاته العمومية الاستراتيجية (CDG) يتصرفون خارج القانون، ولا يجدون أي مؤسسة مضادة قادرة على ردعهم، سوى الاستنجاد برئيس الدولة.

نحن ندفع ثمن التردد في الالتزام بالتأويل الديمقراطي للدستور، والاستمرار في الخلط بين الدولة والسلطة، وبين السلطة والمال، وهذا الخلط يحول دون التقدم نحو بلورة صيغة متقدمة وديمقراطية للعلاقة بين ثلاثية الحرية والتنمية والأمن. وإذا كانت لجنة النموذج التنموي قادرة على أن تسدي شيئا للمغرب، فهو أن تبدع صيغة مغربية للتوفيق بين أطراف الثلاثية المذكورة، لأن 20 عاما الماضية أثبتت أن سيطرة الهاجس الأمني، أي هاجس احتكار السلطة، تشكل عقبة حقيقية أمام الحرية وأمام التنمية كذلك.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

علمي منذ 4 سنوات

تأصيل و ربط ممتاز و حاذق للكاتب بين ما نعيشه من أزمات في الواقع و بين الحقائق و النظريات التي تفسر هذا التراجع و الانتكاس في هذا العهد. و هذا هو المأمول من الكتاب و الصحافيين المحترمين.

التالي