كل ما يجري حول المغرب من تطورات وتحولات يبعث على الخوف، ليس فقط لأن المخاطر تزداد وتكبر، بل لأن الجبهة الداخلية ينخرها الضعف والتفكك واليأس والانسحاب من الفضاء العام.
فما يخوضه المغرب حاليا في جبهاته الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية، يرقى إلى درجة الحرب الحقيقية، التي يعرف المختصون أنها كثيرا ما تدور دون نيران ولا مدافع، لكنها لا تقل ضراوة.
فالمعركة التي فتحها المغرب من أجل ترسيم حدوده البحرية، والتصعيد المتزايد من جانب الجارة الشرقية، الجزائر، التي تحاول ترميم فتقها الداخلي من خلال افتعال أزمات جديدة مع المغرب، والحرب الواضحة التي بات المغرب يخوضها ضد إسبانيا في المدينتين المحتلتين، سبتة ومليلية، لما تشكلانه من بؤر للتهريب والإضعاف المقصود للاقتصاد المغربي، إلى جانب اللغم الضخم النائم في صحرائنا، كلها عوامل تجعلنا أمام احتمال دائم للاستيقاظ يوما على وقع حرب أو استهداف أجنبي.
لا تكمن المشكلة في خوض الحروب، بل في جبهتنا الداخلية. فأسوأ ما يمكن أن يحدث لدولة ما، هو أن تضطر إلى خوض مواجهة خارجية، فيما تعاني داخليا ضغطا واحتقانا يرفعان درجة الإحباط واليأس والانسحاب من الخوض في الشأن العام.
إن المغاربة لم يخافوا يوما مواجهة الخصوم الخارجيين، ولا ترددوا في مواجهتهم بكل ما يملكون من مال وأرواح، لكن الذين قرروا يوما تفكيك الجسم الداخلي، من خلال استنزاف الأحزاب السياسية، وتحطيم المنابر الإعلامية، واختلاق مجتمع مدني وأبواق دعائية، وطرد واعتقال الأصوات العاقلة والمعتدلة لأنها تشوش على الساعين إلى الاستفراد بالمال والسلطة، هؤلاء هم أول من يشكل الطابور الخامس الذي يجب أن نخشاه، مجتمعا ودولة، قبل أن نخشى أعداءنا الخارجيين.