مصطفى كرين يكتب: الإعلام هو فن الحكم

09 مارس 2020 - 22:13

في سنة 1984، كان العالم يعيش أوج الاستبداد والديكتاتورية، وكان في المغرب آنذاك إدريس البصري وزيرا للداخلية والإعلام، وخلال مباراة ولوج المدرسة الإدارية بالرباط من أجل اختيار مسؤولي الإدارة الترابية، أي (القياد: جمع قائد)، وهي مدرسة تابعة لوزارة الداخلية جاء السؤال الكتابي الذي كان على المتبارين الجواب عنه كالتالي: «الإعلام هو فن الحكم»، حلل وناقش.

طبعا، كان هذا قبل ظهور الإنترنيت، وقبل اجتياح القنوات التلفزيونية والإذاعية للحقل الإعلامي. ولكن ما حدث خلال العشرين سنة الموالية، قلب المعادلة رأسا على عقب. ورغم أن الإعلام بقي فنا للحكم إلا أننا شهدنا انتقال الحكم، وبناءً على هذه المعادلة، من داخل إلى خارج قلاع البنى الرسمية  والمؤسسات الكلاسيكية للسلطة، فوسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي أصبحت تتوفر على قدرة تتجاوز عشرات المرات قدرة البنيات والمؤسسات الرسمية والسلطة على تأطير وتوجيه الرأي العام، ولا أدل على ذلك من الانقلابات السياسية التي شهدتها كل قارات الأرض خلال هذه الفترة.

وأمام هذا التشخيص، فإن استمرار السلطات الرسمية في محاولة التحكم في تدفق المعلومات داخل المجتمع وفي ما بين المجتمعات، يعتبر معركة خاسرة مسبقًا وبجميع المقاييس، وعلى جميع الأصعدة، ففرملة النظام المعلوماتي أمر غير ممكن على الإطلاق، لأن ذلك سيعني بكل بساطة  نهاية التطور وانهيار البناء السياسي والاقتصادي العالمي المبني أصلا على تداول المعلومة، بل وتجارة المعلومة، ووفاة فكرة العولمة، وبالتالي، فإن خطورة محاولة فرملة هذا النظام تعتبر أكبر بكثير من خطورة استمرار تدفق المعلومات. إن ما يتوجب على  السلطات القيام به فعلا، هو تطوير نفسها والارتقاء بأدائها المعلوماتي والتواصلي كمخرج وحيد للمأزق الذي أصبحت تعيشه بسبب تخلفها عن الركب التكنولوجي واستمرارها في الاعتقاد بأن قوانين المنع وبيانات التهديد والتنديد ستمكنها من التحكم في طوفان المعلومة .

ويبقى أن مقولة:  «الإعلام هو فن الحكم» مازالت صالحة، بل تكاد تكون قانونا كونيا ثابتا ومستمرا، إلا أن شروطها تغيرت كثيرا، فالديانات نزلت بالمعلومة وسلكت منهج المعلومة للانتشار، والإمبراطوريات انبنت على المعلومة والحروب انطلقت وانتهت بمعلومة، والتعليم والصناعة والطب والاقتصاد والسياسة كلها نظم معلوماتية، ولكن طرق تداول وانتقال المعلومة عرفت ثورات متوالية، ولو كان بالإمكان حجب المعلومة أو احتكارها لما وصلنا منها شيء. المعلومة روح العالم وستبقى بعده، لقد أعدم عبر التاريخ العديد من منتجي المعلومة، ولكن بقيت المعلومة وورثت عرش السلطة، وأصبح منتجها يعرفون باسم «العلماء»، أي من يملكون المعلومة. لذلك، لا جدوى من التشريع لمنع انتقالها وتوارثها، ولا جدوى من الأخذ بنصائح من يخاف المعلومة، بل يجب الأخذ بناصيتها ومقابلة الخطأ منها بالصواب، والناقص منها بالمكتمل. والاستعداد لما قد يحدثه ذلك من انقلابات جوهرية في حياتنا وطريقة تفكيرنا ونظم استمرارنا، فزمن ديكتاتورية المعلومة قد انقضى وحل محله زمن مهارة المعلومة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي