تحضيرات لسيناريوهات تخفيف حالة الطوارئ الصحية في المغرب بشكل تدريجي

02 مايو 2020 - 15:40

مع دخول فترة الطوارئ الصحية بالمغرب أسبوعها السادس، للحد من انتشار وباء “كورونا”، تستعد المملكة لتنفيذ خطة رفع الحجر الصحي الذي يُفترض أن يجري “على نحو تدريجي”، وفق المسؤولين الحكوميين، وهي الخطة عينها التي لن تحدد ملامحها بشكل رسمي إلا في غضون الأسبوعين المقبلين.

صورة غير واضحة

بدأ الحديث عن رفع الحجر الصحي تدريجيا ببلدنا عقب تصريح لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني الثلاثاء الماضي، عند حلوله في الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة بمجلس المستشارين، إذ أكد وقتها على أن لجنة القيادة تعمل على دراسة طريقة الخروج من الحجر الصحي، وفق عدة سيناريوهات محتملة، لافتا إلى إمكانية رفع الحجر الصحي على نحو تدريجي، وقد تجري العملية على المستوى المحلي أو الجهوي.

وإلى حدود صبيحة أول أمس “لم تتضح الصورة بعد بخصوص استراتيجية رفع الحجر ببلدنا”، بحسب ما أكده مصدر مسؤول في حكومة العثماني لـ”أخبار اليوم”، مشيرا إلى أن المغرب بدأ فعلا في وضع سيناريوهات وتصورات محتملة من أصعبها إلى أفضلها، لكن لا شيء واضح إلى حدود الآن، ولا يوجد شيء رسمي”.

وأوضح المتحدث أن القرار تتدارسه لجنة القيادة، التي جرى إحداثها منذ الإعلان عن حالات الالتهابات التنفسية الحادة الناجمة عن (كوفيد-19)، والتي تضم عددا من المتدخلين والمسؤولين، فضلا عن الخبراء والمهنيين في مجال الصحة “إذ تجتمع بانتظام واستمرار، وباستعجال من أجل وضع السيناريوهات المحتملة وفقا لتطور الحالة الوبائية التي لم تستقر حاليا، وتداعياتها أيضا، فيما لم تقدم هذه اللجنة تصورا واضحا للحكومة إلى حدود الآن، ويبدو أن ذلك سيتم قريبا وفق مخطط وطني سيُعلن عنه في غضون الأسبوعين المقبلين”.

تصريح مصدرنا، عززته، أيضا، مداخلة لوزير الداخلية عبدالوافي لفتيت، خلال اجتماع لجنة الداخلية بمجلس النواب لدراسة مشروع القانون رقم 23.20 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، أول أمس، والذي أكد فيه أن “الدولة وضعت جميع السيناريوهات الممكنة لما بعد 20 ماي”، أي تاريخ انتهاء فترة الحجر الطبي.

وفضل لفتيت في مداخلته عدم الكشف عن هذه الاحتمالات المرتبطة، أساسا، بوضعية انتشار الوباء بالمغرب في الأيام المقبلة، والتي وقتها ليس الآن، مشيرا إلى أن الجهات المختصة تشتغل بقوة على جميع السيناريوهات المحتملة.

استراتيجية الباطرونا

ولفت المسؤول الحكومي إلى أن التعامل مع هذه الأزمة الصحية، سيبدأ أولا بالجوانب الصحية، تليه الجوانب الاقتصادية، من خلال إعادة فتح المصانع والشركات، ثم في مرحلة موالية الجوانب ذات الصلة بتنقل المواطنين بين المدن، والتي لن تتحقق بعد التاريخ المذكور إذ “يستحيل التحكم في تنقل العدوى إلى مناطق أخرى لو لم يتم اتخاذ هذا الإجراء”، على حد تعبير المتحدث.

أما عن الجوانب الاقتصادية، وبحسب ما كشفه مصدر حكومي لـ”أخبار اليوم”، فمن المرتقب أن “تستأنف عدد من الشركات والمصانع نشاطها، لكن وفقا لشروط محددة في التدابير الصحية المشددة، والتي ستكون إلزامية على جميع المصانع والشركات وتخضع للمراقبة الدورية من طرف السلطات الصحية”.

وفي هذا السياق، أطلق الاتحاد العام لمقاولات المغرب ثلاثة دلائل عملية وطقم تكوين لفائدة المقاولات المصرح لها باستئناف أنشطتها، ويتعلق الأمر بدليل عملي حول التدابير الوقائية والصحية ضد كوفيد 19 موجه للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، ودليل عملي حول التدابير الوقائية والصحية ضد كوفيد 19 موجه للمقاولات الكبيرة، ودليل عملي للتدقيق الصحي الداخلي كوفيد 19، وطقم التكوين حول التدابير الصحية ضد كوفيد 19 لفائدة الموظفين.

وبحسب الدلائل العملية التي اطلعت عليها “أخبار اليوم”، فإن المقاولات باتت ملزمة بتعقيم أماكن العمل، بدءا بوسائل نقل الموظفين عبر الحافلات مع تحقيق التباعد الاجتماعي بين الموظفين داخلة حافة النقل بأكثر من متر أي أن يجلس الموظف الواحد بعيدا عن الثاني بمقعدين، وإجبارية وضع الكمامة، كما يجبر الدليل العلمي الجديد المقاولات بالتحكم في دخول وخروج الموظفين، من خلال التحقق من الحالة الصحية للموظفين عند مداخل الشركات، عبر قياس درجة الحرارة، وتخصيص غرفة عازلة للحالات المشكوك فيها أو المحتملة والاستعانة بطبيب، ووضع إجراء لتعقيم الأحذية، مع مراعاة أكثر من متر من التباعد بين الموظفين خلال العملية ووضع علامات واضحة على الأرض، وكذلك على مستوى مطاعم الشركات، وهو المبدأ عينه الذي وجب تحقيقه بالنسبة إلى غرف تبديل الملابس بتحديد عدد مستعملي هذه الغرفة بالدور، ومنع الاستحمام بشكل قطعي، مع تطهير معدات العمل وإجبار كل موظف بالعمل في مكتبه إلى حين انتهاء الدوام دون تنقل داخلي.

مخاوف محتملة

أما على مستوى الجوانب الصحة، فكشف مصدر من وزارة الصحة لـ”أخبار اليوم”، أن المغرب يشتغل على استراتيجية متينة لرفع الحجر، بما لا يسبب في انتكاسة صحية أو إهدار الجهود المبذولة من طرف السلطات طيلة الفترة الماضية.

وبخصوص احتمالية رفع الحجر عن الجهات أو المدن التي لم تسجل حالات إصابة أو الضئيلة، على غرار جهات الجنوب قال المتحدث: “لا يسعني الإفصاح عن شيء حاليا، لكن الحقيقة أننا ندرس هذا الاحتمال” مضيفا:” الأكيد حاليا هو أن رفع الحجر الصحي سيتم بالتدريج ولن يكون دفعة واحدة، مخافة ظهور بؤر جديدة حتى في المناطق الضئيلة الإصابة التي تحدثت عنها”.

وأورد المصدر ذاته أنه من المحال رفع الحجر بين المدن خلال هذه الفترة، ”فبالرغم من انخفاض مؤشر انتشار الفيروس بشكل يبعث عن الإطمئنان، إلا أن انتقال الفيروس عينه إلى بعض الجهات على سبيل المثال جهات المغرب الشرقي أو المناطق غير الحضرية، جرى بسبب تنقل الناس من الجهات، حيث المؤشر مرتفع أو تعرف بؤرا إلى الجهات المنعدمة”، مضيفا:” وبالتالي، يكون هذا الشكل ناقلا للعدوى إلى مناطق جديدة، لذلك من المستبعد تماما أن يتحقق التنقل بين المدن”.

التحدي الثاني، الذي تواجهه وزارة الصحة، هو الأشخاص المصابين أو حاملي الفيروس، الذين لا تظهر عليهم أعراض ويسهمون في انتشار الفيروس دون أن يدركوا ذلك، والمقدر عددهم، بحسب المصدر ذاته، “بـ82 في المائة من مجموع الحالات التي جرى اكتشافها في المغرب إلى حدود اليوم”، مؤكدا أن هذه الحالات لا تظهر في الأيام الأولى من الوباء أي أعراض بما فيها الحرارة، لكنها تؤذي أشخاص آخرين وهو ما يربك عملية رفع الحجر الكلي، مخافة ظهور بؤر جديدة يصعب تطويقها”.

وبخصوص ما اذا كانت السلطات الصحية، ستوصي برفع الحجر التدريجي والسماح بتنقل الشباب، بمن فيهم التلاميذ والعمال، على اعتبار أن الدراسات العلمية تقول إنهم الأقل إصابة بفيروس كورونا المستجد، قال المتحدث: “للأسف، هذا الاعتبار يسقط في بلدنا، بحيث إن أغلب الحالات التي جرى رصدها إلى حدود اليوم، من مجموع الحصيلة التراكمية، هي من هذه الطبقة الفتية، ثم إن الفيروس لا يعرف شابا أو كهلا أو متقدما في السن”.

ويفسر المصدر هذه النتيجة بكون: “المواطنين المتقدمين في السن، التزموا بالإجراءات الوقائية والحجر، لذلك انخفضت نسبة إصابتهم بشكل كبير في صفوفهم، لكن الفئة النشيطة استمرت في التحرك وقضاء حوائجها دون الالتزام بالإجراءات الوقائية، وهو ما جعلنا نحصد هذه النتيجة، علما أن إصابة فرد شاب بالفيروس يمكن أن ينقله إلى آخر متقدم في السن في البيت ذاته أو غيرها، لذلك نوصي بمزيد من الحذر”.

سيناريوهات واردة

من المرتقب أن يعلن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني عن استراتيجية الحكومة من أجل رفع الحجر الصحي لما بعد 20 ماي، بعد أسبوعين، وفق بلاغ لمكتب مجلس المستشارين، جاء فيه أنه “جرى استدعاء رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، لمناقشة استراتيجية الحكومة لرفع الحجر الصحي، يوم الثلاثاء 19 ماي المقبل، وذلك في سياق اهتمام الغرفة الثانية بتداعيات تفشي وباء كورونا والتحضير لمرحلة رفع الحجر الصحي وما بعد”.

توجد أمام المغرب ثلاثة سيناريوهات محتملة، الأول، وهو “الأبعد تقديرا”، بحسب تصريحات المسؤولين، وأيضا، الخبراء الذين تواصلت معهم “أخبار اليوم”، والذي يقوم على التزام الحكومة بتاريخ 20 ماي لرفع الحجر الصحي بصفة كلية وإنهاء حالة الطوارئ، ورفع تقييد الحركة، وبالتالي، عودة إمكانية التنقل، وما يشكل ذلك من “خطورة جدية من شأنها أن تفاقم الوضع بشكل كبير، قد يصعب معه السيطرة على الوباء”، وفق ما صرح به البروفيسور مصطفى الناجي لـ”أخبار اليوم”، مؤكدا أن “الحياة الاجتماعية والثقافية للمغاربة منافية لإجراءات التباعد الاجتماعي، وبالتالي، قد يقع انفجار كبير في عدد الإصابات”، وهو الاحتمال الذي يصفه الأخصائي في علم الفيروسات بـ”الخيار الخطير جدا”.

السيناريو الثاني، هو تمديد حالة الطوارئ لما بعد 20 ماي، وهو الخيار المستبعد أيضا، بالنظر إلى تداعيات الحجر الطبي وتقييد حركة التنقل وآثاره على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وما يخلفه على نفسية المواطنين، خاصة وأن هذه الفترة تصادف شهر رمضان، وأجواء عيد الفطر وما له من اعتبارات ثقافية ودينية عند المغاربة والأمة الإسلامية جامعة. 

أما السيناريو الأقرب إلى الواقع، وهو ما لمح إليه مرارا المسؤولون الحكوميون، من رئيس الحكومة سعد الدين العثماني إلى وزير الداخلية، مرورا بوزير الصحة خالد أيت الطالب، والمختصون في علم الأوبئة والخبراء، فهو “الرفع التدريجي للحظر الصحي” والعودة إلى الحياة الطبيعية تدريجيا، وفق للاستراتيجية التي ستضعها الحكومة، وفق “مخطط وطني لرفع الحجر”. 

خطة رفع الحجر

وانطلاقا من الفرضية القائلة بأنه “لا يمكن لأحد أن يتنبأ بحالة الوباء العالمي في الأشهر المقبلة”، بما في ذلك احتمالية رفع الحجر المرحلي، وهو ما يدفع إلى طرح تساؤل “في حالة تقرر فعلا رفع الحظر ببلدنا بطريقة مرحلية، وتدريجية، ترى ما هي الخطة الأقرب إلى المنطق الصحي والأقل ضررا؟”

وبناء عليه، أظهرت العديد من الدراسات أن الحجر الصحي يمكن أن يكون فقط، “آلية احتياطية مؤقتة لإبطاء انتشار الفيروس و”تسطيح منحنى الوباء (…) لذلك، فإن الحل الأكثر واقعية للعديد من الخبراء، هو انتظار لقاح أو علاج كجزء من مرحلة “الاحتواء” أو الاحتواء التدريجي.

 ويستعرض مقترح بهذا الخصوص كيفية إزالة تنفيذ الاحتواء الذي يمر من “الحجر الكلي والصارم لفترة من الزمن من أجل إبطاء انتشار الفيروس عن طريق الحد من R.0 أو مؤشر انتقال الوباء، ثم العودة التدريجية للحياة في شكلها الطبيعي عن طريق استئناف أغلبية الأنشطة الاقتصادية، مع الحفاظ على بعض التدابير الصحية الصارمة والمتطورة، مثل الحجر الصحي للحالات المشتبه فيها والضوابط الحدودية الصارمة أو التباعد الاجتماعي، وذلك في انتظار اكتشاف لقاح أو علاج موثوق به. هذا هو المسار الوحيد القابل للتطبيق على المدى المتوسط والطويل”.

وتقوم الخطة الموضوعة على طاولة الحكومة بخصوص رفع الحجر التدريجي واستعادة الحياة الطبيعية، على خمس مراحل زمنية، وفق استراتيجية علمية بنيت وفقا لتطور الحالة الوبائية ببلدنا.

ويبدأ تنفيذ الاستراتيجية، التي اطلعت عليها “أخبار اليوم”، في 1 من شهر ماي المقبل من خلال التنفيذ التدريجي لنظام معلومات رفع الحجر والمراقبة الصحية، وتعزيز التشخيص والكشف المبكر وتشديد المراقبة على إجبارية الكمامات، وتوسيع قائمة الأنشطة المسموح بها، لاسيما في المحلات التجارية والخدمات الصغيرة (الوجبات الجاهزة، والحمامات وصناعة الأحذية وتصفيف الشعر، وما إلى ذلك)، التزام الشركات الصناعية والخدماتية باعداد خطة تهم الامتثال للقواعد الصحية، وفي حالة عدم التقيد بهذه القواعد وجب التعامل بصرامة وإغلاقها، كما تجبر هذه الخطة القطاعات الوزارية على إعداد دلائل علمية متعلقة بالظروف الصحية وتعميمها.

وخلال فترة ما بين 20 ماي و1 يونيو، فإن الاستراتيجية المذكورة، توصي بإلغاء أو تعديل المرسوم المتعلق بالطوارئ الصحية والاستعاضة عنه بنص ينص على شهر إضافي من إجبارية فرض قيود على السفر أو التنقلات الوطنية والدولية، ثم عودة جميع المستويات المعنية بالامتحانات الإشهادية (الشهادة الابتدائية ، الإعدادي، البكالوريا، إلخ) إلى استئناف الدراسة مع فرض إجراءات صارمة واستمرار باقي المستويات الأخرى في التعليم عن بعد وتنظيم امتحانات بقواعد صارمة أو عن بعد.

أما بخصوص فترة ما بين 1 يونيو و1 يوليوز، فمن المرتقب أن تضع لجنة اليقظة الاقتصادية مجموعة من التدابير على أساس تقييم الفترة السابقة، وإطلاق صندوق الزكاة، مع استئناف معظم الأنشطة التجارية، وإعادة فتح الحدود الجوية والبرية وطنيا وبشكل تدريجي، فضلا عن استئناف عمل القطارات وتنقلها وطنيا، وذلك ابتداء من المناطق الأقل تضررا، وخلال الفترة عينها يُفترض أن يقدم جميع وزراء العثماني خططا جديدة لإنعاش القطاعات المتضررة.

وانطلاقا من 1 يوليوز، تقول الخطة الموضوعة إنه وجب إطلاق استراتيجية دعم محددة للقطاعات الأكثر تضرراً ومساعدة الشركات في تجاوز أزماتها، ووضع قانون مالي معدل في البرلمان والاستئناف التدريجي للحركة الجوية الدولية مع مراقبة صارمة وفحص الوافدين، فضلا عن تشجيع الاستهلاك الوطني والسياحة الداخلية، واستئناف التظاهرات لأقل من 50 شخصا، ثم أخيرا، إعادة فتح المقاهي والمطاعم، مع مراعاة الحد الأدنى لمسافة الأمان بين العاملين والزبناء.

وأخيرا، ووفق الحالة الوبائية ببلدنا، فإن الخطة التي توصلت بها “أخبار اليوم” توصي بضرورة إعداد خطة ما بعد الأزمة ارتباطا بالنموذج التنموي، ثم العودة إلى الفصول الدراسية لجميع المستويات والمدارس والجامعات إن أمكن في منتصف غشت، وبالتالي، العودة التدريجية إلى بعض التجمعات الجماعية، مع التشديد على القواعد الصحية المصاحبة لها وإعادة فتح المجال الجوي بالكامل.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي