خالد البكاري يكتب: زمن القُياد..

06 مايو 2020 - 16:26

في محاولة لتبرير مشاركة الاتحاد الاشتراكي في حكومة التناوب التوافقي، جنب تعبيرات حزبية، وتكنوقراطية، وإدارية محسوبة على البنية عينها التي كان يعتبر الاتحاديون أنهم البديل المنتظر لها، قال محمد اليازغي عبارته الشهيرة: لقد مات المخزن..

التصقت هذه العبارة بالسي محمد، واقترنت به، لدرجة محو حكاية الطرد الملغوم، الذي انفجر في يديه ذات سبعينيات موشومة بالرفض والممانعة.

خرج سي محمد من دار المخزن، ومن دار الحزب.

خروجه من دار الحزب كان بسبب خطئه في ترويض وحش «فرانكشتاين» الاتحادي، أما خروجه من دار المخزن، فكان بسبب خطأ بلاغي، الرجل لم يكن يمل من الحديث عن دور الحركة الوطنية في حماية العرش، وإرجاع محمد الخامس من المنفى ملكا متوجا بشرعية منحتها له هذه الحركة الوطنية. لم يستوعب أن ما يعتبره دينا تاريخيا، قد جرت تسويته بفوائده ومتأخراته، وأن الملك الجديد لا يشعر، ربما، بأي امتنان لأي جهة حزبية محسوبة على الماضي في بناء شرعيته، كما لا تؤمن الأجيال الجديدة بالشرعية التاريخية.

لقد اهترأت سردية الحركة الوطنية، وبقي المخزن حيا ثابتا، يرعى محافظة لا تتضايق من «حداثة» متحكم فيها، ولبرلة تتعايش مع الخرافات والأسطرة.

في زمن كورونا أخرج المخزن واحدا من أدواته التاريخية ليتسيد المشهد: القايدية.

وتحولت منابر إعلامية إلكترونية إلى ما يشبه نسخا من برامج تلفزيون الواقع، أبطالها قُيّاد وقايدات يذكروننا في استعارة دالة، أنه حين تخلو الشوارع والساحات من البشر، لا يبقى سوى المخزن وظلاله أسياد المكان.

لقد درست السوسيولوجيا الكولونيالية (دوتي/ مونتاني..) والسوسيولوجيا القروية (باسكون) «الظاهرة القايدية»، وتحدثوا على أن ملامحها وإن اقتربت من «الفيودالية»، فإنها تتميز بخصائص تجعلها عنوانا لتفرد النظام المخزني.

وإذا كان النظام المخزني في سعيه إلى تحديث بنياته، قد فكك الظاهرة «القايدية» الموروثة عن الحقبة السلطانية ما قبل الاستعمارية، وخلصها من سمتي «العائلية النافذة» و»التجذر القبلي»، فإنه أعاد استنباتها في ماكينة الضبط الترابي، ذلك أن وجود القايد وهيمنته على «المقاطعة الإدارية» باعتباره دالا سيميائيا على وجود المخزن، هو استمرار لثنائية: بلاد المخزن المحكومة عبر القُياد ذوي الهيبة والسطوة، وبلاد السيبة التي يقودها متمردون لا يحوزون «شرف تقيادت»، فحيثما وجد القائد، فثمة «المخزن».

غير أن ثمة فرقا بين المحكيات الشفهية وأغاني العيطة التي مجدت القياد، وشيدت متخيل «الرعايا» عنهم، المتأرجح بين الخوف والإعجاب، وبين ما تناقلته كاميرات المواقع التي كانت تطارد القياد زمن كورونا.. لقد أساءت تلك المواقع لصورة «السيد القايد» من حيث كانت تروم العكس.. فالمتلقي كان أمام الدرجة الصفر من «الكاتارسيس»، حيث لا خوف ولا تعاطف.. لأن المحاكاة التي عرضت عليه كانت أقرب إلى «السيتكومات»، وأحيانا نقلت الكاميرات، وكذلك هواتف المواطنين حالات انتهاكات واضحة، كانت تضطر معها الوزارة الوصية لصياغة بلاغات: التجميد وفتح التحقيق وما شابهها..

لقد تحدث «ميشو بيلر» أن مصطلح المخزن مرتبط بوظيفة تحصيل الأموال وإعادة توزيعها، وقد كانت مناسبة كورونا فرصة لإعادة إنتاج هذه الوظيفة، ولعب القُياد أدوارا في تنزيلها على المستوى القاعدي، توازيا مع أدوار ضبط المجال..

غاب المنتخبون، غاب المجتمع المدني، وبقي القُياد أسياد المكان.

فهل مات المخزن، كما قال يوما اليازغي.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مرافعة مواطن منذ سنتين

حزب الإتحاد الإشتراكي يعاني في غرفة الإنعاش منذ أمد ... لكن إزداد الأمر سوءا منذ وصول إدريس الأشكر و الشرذمة المرافقة له ، فصار الحزب مؤخرا ملحقة لحزب اخنوش حزب "الأحرار" ... فماذا يمكن أن ننتظر من حزب رضي أن يدخل الحكومة المرقعة والعجيبة تحت عباءة أخنوش ... في الوقت الذي شارك في عملية الإنسداد ("البلوكج") رافضا المشاركة في الحكومة إلى جانب أحزاب : العدالة و التنمية و الإستقلال و التقدم و الأشتراكية ... برآسة بن كيران ... خلاصة القول : حزب الإتحاد الإشتراكي لم يعد يختلف عن أحزاب التعليمات ... ... الـمَــهَـمـَـةُ التي بدأها محمد اليازغي أتمها إدريس لشكر على أحسن وجه ...

مرافعة مواطن منذ سنتين

لا شيء تغير فقط أن "القايد" أصبح متخرجا من أحد مدارس التكوين ... استمرار :كلمة "قايد" كمصطلح يفيد أن "تقياديت" كمفهوم "تاريخي" مستمرة ... كان المفترض على الأقل أن تتم مرافقة هاته اللمسات التزيينية و "الميكاب" للمخزن ، أن يتم تغيير أو استعمال اسم حداثي "المتصرف" . لكن الاسم الحداثي لكن يكون له نفس الوقع و الثأثير ــ ككلمة "قايد" ــ .. في لاوعي المواطن و على مخياله ...

مرافعة مواطن منذ سنتين

ملاحظة : ...السوسيولوجية الريفية .." بدل "... السوسولوجيا القروية ..." أو "...السوسولوجيا الأريافية..." (بصيعة الجمع لتجنب الخلط بين الريف إسم منقطة و الريف المفردة و المصطلح الجغرافي و المجالي ..) ...