محمد نبيل ملين: القيادة ارتبطت ببروز الدولة المركزية الحديثة في المغرب ذات النزعة السلطوية -حوار

26 مايو 2020 - 07:00

طفا بشكل بارز دور القياد و”المخازنية ” في إدارة أزمة كورونا، كأجهزة في يد وزارة الداخلية؛ ما الذي جعلها تحتل هذه المكانة؟

لمواجهة جائحة كورونا، حاول القائمون على الدولة اتخاذ حزمة من الإجراءات في شتى القطاعات (الصحة، التعليم، التموين، تقديم الدعم، تأمين الخدمات، إلخ). وجنّدوا لذلك العديد من المؤسسات والمرافق اقتداء بالكثير من دول العالم. لكن طبيعة المنظومة السياسية المغربية وهندستها المرسومتين منذ عهد الحسن الثاني، وضعتا وزارة الداخلية ومختلف أجهزتها في قلب الحدث. وهو ما كرسه المرسوم الذي جرى بموجبه إعلان حالة الطوارئ يوم 24 مارس 2020. إذ سمح للولاة والعمال باعتباهم ممثلي الدولة في الجهات والعمالات والأقاليم اتخاذ “جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي”، مما يعني تهميش كل الهيئات الأخرى بما فيها المنتخبة. ليس من المستغرب إذن، أن تعتمد “أم الوزارات”، كما يصفها الكثيرون، بشكل كبير على عنصرين من أهمّ أدوات الاستعلام والرصد والتأطير والردع وتوزيع المعونات التي تتوفر عليها منذ عقود لإحكام القبضة على النسيج الاجتماعي المحلي: القياد وأعوانهم من جهة، والقوات المساعدة من جهة أخرى. ولئن كان لرجال السلطة وأعوانهم دور مهمّ في الحياة اليومية للكثير من المواطنين في الأيام العادية الصلاحيات الواسعة التي يتمتعون بها، لا سيما منح الرخص والشواهد وتوزيع المؤن وحق الاعتقال، فقد زاد ظهورهم بشكل ملحوظ في ظل الحجر الصحي بسبب نشاطهم المكثف على أكثر من صعيد واحتكاكهما بعدد أكبر من المواطنين. أضف إلى ذلك انتشار مقاطع فيديو وصور ومقالات على نطاق واسع تستعرض مجهوداتهم أو تنتقد بعض ممارساتهم…

بعض الآراء تعتبر هاته الأدوات نوعا من استمرار الإرث “المخزني؛ ما حقيقة ذلك من الناحية التاريخية؟

بين منتصف القرن 17 وبداية القرن 20، كان المخزن كمنظومة هيمنة تقليدانية يعاني من هشاشة بنيوية بسبب عدة عوامل بيئية وثقافية واقتصادية وسياسية تكمن أهم تجلياتها في ضعف درجة المأسسة. فالسلاطين العلويون لم يكونوا مثلا يحتكمون على جهاز إداري حقيقي ولا على فريق من الموظفين المحترفين، بل كانوا يديرون شؤون الإيالة عن طريق شبكة من الأقارب والخدام والحلفاء لا تضبطها إلا أطر ومساطير متراخية ومضطربة في أغلب الأحيان، وبالاعتماد على جيش متواضع مكون من العبيد والبدو وبعض المرتزقة… رغم محاولات الإصلاح الخجولة في النصف الثاني من القرن 19، بقيت دار لقمان على حالها. وكانت النتيجة فرض الحماية على المغرب عام 1912. قرر الفرنسيون الحفاظ على بنيات الهيمنة التقليدية للسيطرة على البلاد والعباد بأدنى تكلفة. فعلى الصعيد المحلي مثلا، جرى الإبقاء على القياد كواجهة للحكم. لكن بموازاة ذلك أُنشئت بنيات موازية تتحكم في السلطة التقليدية وتتخذ شكل الدولة الحديثة على الطراز الأوروبي ضمانا للنجاعة. وهو ما حصل فعلا على المستوى المحلي عندما استُحدثت مجموعة من الوظائف، خصوصا المراقب المدني الذي أصبح يجسد شخصية الحاكم بامتياز، كما كان يسميه المغاربة. أما في المجال الأمني، فقد أنشئت مجموعة من القوات المساعدة المكونة من عناصر محلية لمساندة وتكريس الهيمنة الفرنسية كالمخزن المتحرك وغيره من التشكيلات. ولما حصل المغرب على الاستقلال في 2 مارس 1956، لم يقتصر الحكام الجدد على عدم التفريط في المؤسسات الحديثة الموروثة عن فترة الحماية، لا سيما تلك التي أثبتت فعاليتها، بل حرصوا على تطويرها وتوسيع اختصاصاتها وإعطائها صبغة محلية…

هل تقصد أنه ليست هناك استمرارية من الناحية السياسية والإدارية؟

بعد 44 عاما من الاحتلال تغيرت العديد من الأشياء في المغرب، خصوصا من الناحيتين السياسية والإدارية حتى أصبح الحديث عن استمرارية الإرث المخزني صعبا. وقد فطن الحسن الثاني إلى ذلك. فانبرى إلى “بلدنة” و”أسلمة” و”مخزنة” مجموعة من المفاهيم والمؤسسات والطقوس ذات الأصل الأجنبي الحديث حتى يشرعن ملكه ويعطيه عمقا تاريخيا، في إطار ما يُسمى في العلوم الإنسانية بـ”اختراع التقاليد”. فحق الملوك الإلهي الفرنسي الأصل أدخل في قالب إمارة المؤمنين، وعيد العرش ذو الأصول البريطانية أمسى مرادفا للبيعة. أما بالنسبة إلى موضوعنا، فقد جرى الحفاظ على وظيفة المراقب المدني إذ غدا اليوم، يعرف بالقائد. ومجمل القول إن ظهور أجهزة على غرار المراقبة المدنية/القيادة أو القوات المساعدة مرتبط ببروز الدولة المركزية الحديثة في المغرب ذات النزعة السلطوية التي وضعتها القوة الاستعمارية وطوّرها ما يكمن أن نُطلق عليه المخزن المُستجدّ بُعيْد الاستقلال.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *