بلال التليدي يكتب: اعتقال سليمان الريسوني.. سياقات مشابهة

29 مايو 2020 - 22:33

لست أدري لماذا تتشابه الصورة عندي بين اعتقال السيد سليمان الريسوني وبين الاعتقال السابق لجامع المعتصم.

 أتفهم أن السيد جامع المعتصم لم يكن صحافيا، ولا كاتب رأي، وأن سليمان الريسوني لم يكن مستشارا جماعيا، ولا سبق له أن دخل معترك العملية السياسية.

أتفهم، أيضا، أن السيد جامع المعتصم، انتسب إلى حزب سياسي، وكان يدافع عن رؤيته، ويدبر الشأن العام من موقع مسؤوليته الحزبية.

أتفهم، كذلك، أن الرجلين متباعدان فكريا، ومختلفان من حيث المزاج والطبع النفسي. فسليمان الريسوني كان قريبا من أطروحة اليسار، إن لم يكن له سبق انتماء إلى اليسار الراديكالي، ومزاجه أقرب إلى الفطرية في اندفاعها وتوثبها، في حين يرتبط جامع المعتصم بموقعه الديني المحافظ، ومزاجه الهادئ، وأحيانا تكتمه الشديد. 

أتفهم هذه الفروق التي تجعل من الرجلين، متباعدين في كل شيء، في الموقع الفكري، وفي المزاج النفسي، وفي الانتماء السياسي، وفي الانشغال المهني، وفي العلاقة بالعملية السياسية.

لكن ثمة أشياء كثيرة تجمع الرجلين، أولهما أنهما اعتقلا في سياق متشابه، سياق اندلاع تداعيات الأزمة: أزمة تغول حزب التحكم ما قبل 20 فبراير، وأزمة كورونا وتداعياتها الاجتماعية والسياسية المرتقبة.

يجتمع الرجلان، أيضا، في كونهما يقفان على الموقف عينه من أطروحة التحكم في تعبيرها السياسي، ممثلة في “البام” وقيادته السابقة، وأنهما لا يستقبلان بأي ود من النخب التي تجاري أطروحة التحكم، كما يجتمعان في صلابتهما، كل من موقعه، في عدم مجاراة تعبيرات أطروحة التحكم، سواء في تمظهراتها المصلحية، أو في تجلياتها السياسية والحقوقية. 

فالأول، أي جامع المعتصم، تصدى بكل قوة للشبكة المصلحية التي كانت تشكلها نخب التحكم، وذلك من موقعه التدبيري، والثاني، واجه أطروحة التحكم وتعبيراتها السياسية، من خلال عمل صحافي مهني فضح “مسيرة بنزروال” ومن يقوم عليها، ووضع السلطة في حرج الجواب.

الأول، اعتقل بتهمة تمس الشرف والعرض المالي، والثاني، رغم بلاغ الوكيل العام للملك، فلازالت التهمة تأخذ طريقها للتبلور بشكل يقترب من المس بالعرض الأخلاقي.

الأول دخل السجن وخرج منه في سياق تبلور الجواب السياسي عن لحظة ما بعد 20 فبراير، والثاني لاتزال الصورة غير واضحة من إمكان أن يمضي الاعتقال إلى نهايته، أم تتدخل إرادات حكيمة، لتصحيح الوضع، ومنع حصول مترتباته السيئة على صورة حقوق الإنسان في المغرب.

قد يتساءل الجميع عن سبب هذه المقابلة بين شخصين متباعدين في كل شيء، إلا ما يرتبط بنظرة نخب التحكم إليهما، ودورهما كل في موقعه.

هذا التساؤل مشروع، والجواب عنه، يتخلق في المستقبل، وليس في الماضي ولا في الحاضر، أي إن السيناريو الذي وقع لجامع المعتصم، يمكن أن يحدث شبيهه أو قريب منه مع الصحافي سليمان الريسوني. 

قبل الحديث عن السيناريو المتوقع في المستقبل، لا بد من الحديث عن المشترك الذي دفع في اتجاه اعتقال الشخصين؟

سياق اعتقال جامع المعتصم كان محكوما بهيمنة أفكار تعزز أطروحة تحكم حزب سياسي قريب من السلطة على كل شيء، على السياسة، والاقتصاد، والإدارة، والإعلام، وعلى القضاء نفسه. سياق، كان يتخوف الجميع فيه، من أن تصير كل هذه القطاعات في يد حزب يتغول على المجتمع والسياسيين، باستغلال ذريعة القرب من السلطة.

وسياق اعتقال سليمان الريسوني، هو الآخر، محكوم ببداية تسرب أفكار تعزز أطروحة التخلي عن السياسة واحتقار السياسيين، وعودة السلطوية في ثوب الكفاءات غير الحزبية.

في السياقين معا، ربما كان للاعتقال وظيفة رمزية، قتل الممانعة والمقاومة، وإعطاء إشارة تهديد لكل من يتجه لعرقلة سيناريو يتشكل في رحم الأزمة.

في السياقين معا، كان الاعتقال رمزا لإشاعة ثقافة الخوف، وتحذير الكل من يفكر في استثمار الأزمة لطرح حتمية وضرورة الجواب السياسي الدستوري للخروج من الأزمة الخانقة المرتقبة.

ما يخبرنا به الماضي، أن جامع المعتصم أفرج عنه بعفو كريم من ملك يعرف مصالح الوطن العليا، في سياق الاستماع إلى نبض الشعب والانعطافة للجواب السياسي، ومعاكسة النخب التي كانت تدفع للخيار التحكمي. وما يخبئه المستقبل، مما يمكن قراءة مؤشراته مبكرا، أن مصير المعتقلين الذين استهدفوا لأجل فضيلة الرأي والموقف الحر وفي مقدمتهم الصحافي المقتدر توفيق بوعشرين ورئيس تحرير جريدته السيد سليمان الريسوني، أن يجدوا حريتهم، مع رفع سقف الضغط السياسي، والطلب على جواب سياسي، يواجه الأطروحات التحكمية التي تريد قتل ما تبقى من السياسي والتخفي وراء لعبة قديمة ممجوجة اسمها التكنوقراط.

لا أتمنى أن يطول زمن الاعتقال إلى هذا الحد، أو إلى الوقت الذي يتخلق فيه زخم الطلب على الجواب السياسي، فثمة دائما حكمة ملكية، تصحح الأوضاع، وتعيد الأمور إلى نصابها، وتستبق الوعي المتشكل، وتمنع أن تؤول الديناميات لشيء يضر بمستقبل البلد واستقراره، وتبعث بإشارات الأمل التي لا ينتظرها الجمهور إلا من الملك.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *